الإسلام والعالم أمام المواجهة

عرفان نظام الدين (الحياة)

في كل مرة تقع فيها عملية إرهابية، في أي مكان من العالم، نضع أيدينا على قلوبنا ونشعر بالحزن والأسى والقلق مما جرى وسيجرى وما سنتحمله من تبعات وأوزار وعواقب وخسائر وأضرار.

حزن على الضحايا الأبرياء من مدنيين وأطفال ونساء وعجائز سقطوا من دون أي ذنب ارتكبوه ولا مبرر يقبله عقل إنسان سوي وصاحب ضمير وأخلاق وقيم إنسانية. أما الأسى، فلأن من ارتكبوا مثل هذه الأعمال الإجرامية المستنكرة هم من شباب العرب والمسلمين المغرَّر بهم والمغسولة أدمغتهم بأفكار متطرفة وخاطئة لا علاقة لها بالإسلام، دين الإنسانية والرحمة والسلام والتسامح. والأمر المؤكد الذي لا يقبل أي شك هو أن هؤلاء لم يجنوا من أعمالهم سوى الأحقاد والكراهية والعداء والإساءة للدين الحنيف ومنح الأعداء والصهاينة والعنصريين ذرائع وأوراقاً رابحة للترويج مجدداً لنظرياتهم وتحريض العالم كله على معاداة المسلمين وترداد النظرية المشؤومة عن «الإسلاموفوبيا»، أو الخوف من الإسلام، وتصوير المسلمين وكأنهم وحوش يهددون أمن العالم ويسعون إلى هدم الحضارة الغربية ووصفهم بالعدو الأول لها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وفشل الشيوعية.

أما القلق، فينصبّ على مصير الملايين من أبناء الجاليات الإسلامية الذين ينتشرون في العالم، وفي الغرب بالذات، من الولايات المتحدة إلى أميركا الجنوبية، ومن كندا إلى أستراليا، ومن أفريقيا إلى أوروبا. فهؤلاء هاجروا قبل عشرات السنين وتأقلموا وعاشوا بأمان واستقرار واكتسبوا جنسيات الدول التي استضافتهم ومنحتهم حقوق المواطنة وتفوق الكثيرون منهم في أعمالهم ووصل بعضهم إلى أعلى المناصب وأبدعوا في مجالات الطب والعلوم والسياسة والأعمال.

فكل شيء كان يسير على ما يرام وتجرى معالجة معضلة التأقلم والتعايش بكل جدية وتسامح، إلى أن حلت موجة الإرهاب لتهز استقرارهم وتشوه صورتهم وتعرضهم للأخطار والحملات العنصرية وتهديد حاضرهم ومستقبلهم ومصير أولادهم وأحفادهم نتيجة الاتهامات التي تطال الجميع من دون استثناء وتحولهم إلى متهمين حتى لو ثبت العكس.

وقد شهدنا بعد العمليات الإرهابية الأخيرة موجات عنصرية لم تقتصر على العنصريين والجماعات النازية المتطرفة واللوبي الصهيوني، بل وصلت إلى مستوى القمة، مروراً بالنخب السياسية والحزبية والنقابية والفنية والإعلامية، وبات التهديد أمراً واقعاً.

كما انتقل العداء من التصريح والتلميح إلى أفعال ومواقف وتقلبات في مزاج الرأي العام، ما أدى إلى ترجيح كفة بعض الأحزاب والسياسيين العنصريين وتمهيد الطريق أمامهم للوصول إلى السلطة على أسس الكراهية ورفض وجود أي مسلم في الغرب وتحميلهم أوزار أعمال المتطرفين. ويعرف هؤلاء جيداً، كما يعرف العالم كله، أن معظم المسلمين يستنكرون العنف والتطرف والإرهاب وأنهم يعتبرون المتضرر الأكبر مما يجرى في دولهم وفي ديار الاغتراب والهجرة. فأي ظلم هذا يتعرض له بليون ونصف البليون مسلم في تحميلهم مسؤولية أعمال عشرات الآلاف، أو حتى مئات الآلاف؟

والمؤسف أن الإعلام العالمي لا يأخذ في الاعتبار هذه الحقائق ويسعى إلى الإثارة والتعميم والتحريض وعدم الإشارة إلى أن الإسلام جاء رحمة للعالمين وأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أرسل ليتمم مكارم الأخلاق، وهو على خلق عظيم لا يمكن أن يدعو إلى العنف، بل نشر الدعوة باسم ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. كما أن الله عز وجل دعا المسلمين إلى كلمة سواء بينهم وبين أهل الكتاب، وأكد رابطة الود بقوله: «ولتجدن أكثرهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى».

هذه الثوابت تدفعنا إلى التساؤل عن سبب تعمد المغرضين تشويه صورة الإسلام وتجاهل مبادئه التي تنهى عن الاعتداء لأن «الله لا يحب المعتدين»، ولأن «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض كأنما قتل الناس جميعاً»، ولأن واجب المسلمين أن يجنحوا للسلم إذا جنح الآخرون له.

هذه الأسئلة تدفع إلى دق ناقوس الخطر لأن ما يشهده العالم اليوم ينذر بعواقب وخيمة ومواجهات لا تحمد عقباها مع تصاعد العمليات وتعمق الشرخ ووقوع مزيد من الضحايا ومضاعفة مشاعر القلق والكراهية، ما يؤدي إلى مواجهة مفتوحة بين العالم والإسلام، مع عدم استبعاد اشتداد الحملات الشرسة لطرد الجاليات والتضييق عليها. وهذا بالتحديد ما تسعى إليه الجماعات الإرهابية لتلتقي مع أعداء الإسلام والمتطرفين والعنصريين والصهاينة، بصرف النظر عن النتائج والغايات.

ومن مؤشرات هذه المواجهة، ما يشهده الغرب من تحولات في المسيرة الديموقراطية وتزايد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة وما يصدر من تصريحات معادية علنية سمعناها من المرشح الرئاسي الأميركي عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب ضد المهاجرين، والمسلمين بصورة خاصة، ودعوته إلى طردهم أو منعهم من دخول الولايات المتحدة. كما سمعنا تصريحات أشد قساوة من مارين لوبن، زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» المتطرف في فرنسا، وصلت إلى حد المطالبة بشن حرب على الدول الإسلامية، وسط ترحيب وهتافات صاخبة ضد العرب والمسلمين. كما سمعنا خطاباً تحريضياً مماثلاً في عدة دول غربية، بينها بريطانيا خلال الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وفي الولايات المتحدة، حاول اللوبي الصهيوني في الكونغرس اتهام المملكة العربية السعودية بالضلوع في اعتداءات نيويورك وواشنطن (١١ أيلول- سبتمبر 2001)، لكنه فشل عندما ظهر الحق وزهق الباطل ونشرت الحكومة صفحات من التقرير السري للاستخبارات الأميركية الذي ينفي أي علاقة للمملكة، أو أي دور لها، في هذه العملية.

والغريب أن من يروج لحملات التحريض يتناسى أصل العلة وجذور المشكلة وأن أحد أسباب نشوء الإرهاب كان نتيجة السياسة الأميركية والتدخل في أفغانستان، ثم في غزو العراق وأفغانستان وأسباب أخرى محلية ودولية. كما يتجاهل هؤلاء كل ما شهده العالم من إرهاب لا علاقة له بالمسلمين، من الصرب ضد البوسنيين المسلمين إلى كوسوفو، وصولاً إلى بورما التي تُرتكب فيها أفظع جرائم التصفية العرقية والدينية ويذبح كل يوم المئات بعد تعذيبهم وإذلالهم وتغتصب النساء. كما أن الجرائم الوحشية الكبرى التي تتواصل وتتصاعد منذ ٦٧ سنة – وأقصد جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى – لا نسمع تنديداً بها أو نشهد ردعاً، مع أنها تشكل المثل الوحشي الصارخ للإرهاب بشقيه، إرهاب الدولة وإرهاب المستوطنين المستعمرين للأراضي الفلسطينية وحقوق أهلها المقهورين المظلومين.

ومع هذا، لم نسمع يوماً عن إلحاق العقيدة الدينية لكل مرتكبي هذه الجرائم وبينها ما تقوم بها جمعيات ومنظمات تحمل الاسم والصبغة نهاراً جهاراً، من دون أن يتجرأ أحد على تسمية أعمالها بإرهاب مسيحي أو إرهاب يهودي أو إرهاب بوذي. أما أعمال فئة قليلة من المسلمين، فتلصق تهمتها بالإسلام فوراً وتسارع أجهزة الإعلام إلى ترداد عبارة «الإرهاب الإسلامي» ليل نهار. وبكل أسف، فإن بعض الإعلام العربي يردِّد ببغائياً تلك الاتهامات الباطلة.

وهذا كله لا يبشر بالخير والصحة، بل يؤكد أهمية القيام بتحرك سريع وفاعل لنزع صواعق التفجير وردع التطرّف من أي جهة جاء، وتحريم التمييز العنصري والديني مع الاعتراف بوجوب التعاون والتنسيق بين جميع القوى العربية والإسلامية والدولية، والعمل معاً لمنع المواجهة وإيضاح الحقائق.

وهناك مؤشرات إيجابية تعبر عن الوعي لدى بعض القيادات التي أعربت عن موقفها الذي يؤكد أن الإسلام دين السلام لا علاقة له بالإرهاب والإرهابيين، من بينها مبادرات رئيس وزراء كندا وخطابات الرئيس الأميركي باراك أوباما وأخيراً رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة تريزا ماي وغيرهم.

إنها بداية طريق طويل وعمل شاق وصعب لا بد أن نقابله من جانبنا بمبادرات إيجابية تبدأ بتغيير لهجة الخطابين الديني والإسلامي في الإعلام والمساجد، مثل الأدعية المنقولة مباشرة عبر الفضائيات والإذاعات لا سيما ما يتعلق بالحديث عن الخنازير والقردة والمنتمين إلى الديانات السماوية الأخرى. فهذا أمر معيب ويصب الزيت على النار ويثير الأحقاد ويعطي المبرر للأعداء لكي يستغلوه للتطاول على الإسلام. فمن غير المعقول أن يصدق إنسان أن ثلثي سكان العالم هما قرود وخنازير وأعداء وكفار!

نعم، إننا نقف أمام مفترق طرق خطير لا بد من تضافر الجهود للخروج منه،  قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه من أجل إحلال السلام والاستقرار في العالم، وإلا فإن البديل سيكون كارثياً وسيرجع بويلاته على الجميع، دماراً وقتلاً وحروباً لا تنتهي.