مصالحة آب التاريخية

جليل الهاشم

لم تأت مصالحة الجبل في عام 2001 من فراغ فجولة البطريرك الماروني في حينه مار نصرالله بطرس صفير في مناطق الشوف وعاليه والاستقبال الحافل الذي لقيه من المواطنين الدروز والمسيحيين والمشايخ ورجال الدين والاحاطة التفصيلية من زعيم المختارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، كل ذلك كان تتويجاً لمرحلة سياسية ولجهد متواصل قام به جنبلاط مع مختلف القيادات المعنية ليلاقيه رجل في مستوى المسؤولية ذاتها هو البطريرك صفير.

لم تبدأ المصالحة في 5 آب 2001، فبالنسبة لجنبلاط تبلورت الفكرة والهدف قبل ذلك بكثير وحصل ذلك أيضا لدى العديد من القوى السياسية المسيحية التي لم تنخرط في وهم الاستفادة من الاحتلال الاسرائيلي. ويجب ان نتذكر ان التفكير بالمصالحة وبضرورة عودة المهجرين واستعادة الحياة الطبيعية المشتركة بين اهالي الجبل بدأت باكرا في الثمانينات ولهذه الغاية عمل جنبلاط والحزب الاشتراكي على عقد مؤتمر للمصالحة عقد في بيت الدين في قصر الامير أمين تحديداً عام 1989 في الوقت الذي كانت فيه قوى سياسية مسيحية تنخرط في معارك تصفية في ما بينها.

كان ملفتاً ذلك المؤتمر الذي حضرته وجوه وشخصيات مسيحية بينها مخاتير ورؤساء بلديات وفعاليات ومواطنون يعرفون انه لا بديل عن التعايش والعيش المشترك في الجبل المدمر. ولم يكن بين الحضور بالطبع ممثلوا تلك الفئات التيانكفأت من الجبل لتخوض حروبها الشخصية في البقعة التي انطلقت منها.

C9-N1

كان مؤتمر بيت الدين بروفاأرست مبدأ عودة جميع الاهالي الى ارضهم ومنازلهم وأكدت تمسك الناس بالمصالحة ورسمت الخطوط العامة لخطة عودة الحياة الطبيعية عبر اعادة البناء واعمار ما تهدم في الحجر والنفوس.

وكانت تلك الخطط النواة الاولى للمشروع الذي سيتبلور بعد عامين بعد اقرار اتفاق الطائف وقيام وزارة المهجرين التي تولاها مسؤولون في الحزب التقدمي الاشتراكي عملوا بشكل ملموس على مسألة التعويضات والعودة واعادة الإعمار.

على ان ما جرى في عام 1989 وما تلاه لم يعجب يومها قوى الوصاية السورية التي كانت تعمل لإبقاء خيوط الإشتباك والمصالحة في يدها.

فبقيت روحية بيت الدين تنتظر تتويجاً حصل في آب 2001، بعد سنة على الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب وسنة على صدور اعلان بكركي الشهير الذي يطالب بالانسحاب السوري بعد انتفاء مبررات وجوده في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.

كانت المناخات السياسية باتت ناضجة لتحويل نوايا المصالحة الى قرار لا عودة عنه يستند الى رؤية وطنية مشتركة بين القيادتين الدرزية والمسيحية اساسها الإستقلال الوطني الناجز وان ابناء الجبل بطوائفهم المتعددة هم جزء من اركان هذا الإٍستقلال. هذا ما اراده جنبلاط وهو ايضاً ما اراده البطريرك صفير بما يمثلانه شعبياً وسياسياً ولبنانياً.