السياسة وآدابها

د. محمود صافي

ما هي السياسة؟ هي علم وفن قيادة الجماهير وتوجيههم، هي ليست شطارة ولباقة وخفّة دم، ولا شعوذة ولا لعب على الحبال، كما يتصوّر بعض الشباب في عصرنا. إنَّ السياسة كما يقول المعلِّم كمال جنبلاط: “هي مسلك شريف لأنّ لها علاقة بقيادة الرجال وتوجيههم، ومن ولّي على عدد من الرجال، كان له عقل الكلّ”.

على القائد السياسي التجرّد عن الأهواء، وعن المصالح الفردية والفئوية والحزبية، وبالحقيقة لا يمكن للسياسي إلاّ أن يكون عادلاً، ومرجعًا للتجرّد، ومثالاً للنزاهة، ولا عجب إذا كان الحاكم غير عادل أن يتمرّد عليه المواطنون، ويكون قد خرج عن كونه حاكمًا عادلاً مجرّد في حكمه وأحكامه ومساواته بين المواطنين.

وهنا أتوقّف عند الكثيرين ممّن يطمحون للسياسة والقيادة، فإنّهم لا يصلحون بقيادة الناس إلى تحقيق أهدافهم، ولا للحكم بينهم بالسلطة والقانون، ولا الفصل في شؤونهم وقضاياهم بالقضاء العادل. يعني هذا الطموح الموسوم بالطابع الفردي الأناني يكون دائمًا شهوة في النفس لا تستقيم ولايته، ولا يتصوّب حكمه، ويفسد قضاءه.

أدب السياسة هو غاية لا تضاهيها قيمة لأنّها تعتبر أنَّ الإنسان غاية، وأنَّ على السياسي تحقيق إنسانيته وسعادته لأنه أرقى الكائنات على الإطلاق، ويقول ميثاق الحزب التقدّمي الاشتراكي: “إنَّ الغاية الوحيدة لكلّ عمل ومؤسّسة بشريين هي تفتّح كامل ومتناسق لمقدور الفرد، هذا الفرد هو الإنسان الذي علينا أن نبلغه ونصيره، وأنّ المجتمع في كلّ مؤسّساته – ومنها السياسية – ليس في ذاته غاية، بل وسيلة إلى بناء الإنسان، فالدول تقدّس أو تلعن تخصّب مؤسساتها، أو تعقّم بقدر ما تخدم أوّلاً تخدم هذا الإنسان”.

لذلك يجب أن يُبنى المجتمع على أساس الديمقراطية الصحيحة. الشعب صاحب السلطة، وهو الذي يجب أن يعرف مَن يختار وكيف يخرج من شرنقة الطوائف والمذاهب، ليبني دولة مدنية تؤمّن حقوق الإنسان الأساسية، وتحقّق أعلى حضارة ممكنة.

مَن يتمتّع بأدب السياسة، عليه العمل المستمرّ لتحقيق إنسانية الإنسان انطلاقًا من المفاهيم التالية: الديمقراطية السليمة الصحيحة، الأحزاب اللاطائفية، النخبة، الجماهير وخبرتها النضالية. متى يتّجه الشباب اللبناني إلى بناء نظام العلمانية المدنية الحضاري، مع العلم أنّ الدين هو أسّ جوهري في صقل شخصية الإنسان ولكن خارج الإطار السياسي.