هل يُطيح حصار حلب وممراته “الآمنة” باتفاق لافروف – كيري ؟

أثار تزامن الإطباق الروسي – السوري وحلفائهم على بوابة حلب الشرقية بعد سيطرة قوات النظام والميليشيات المساعدة لها على شارع الكاستيلو، القلق من أن يحمل الاتفاق الروسي – الأميركي صفقات تبادل كبرى تطيح بالتوازنات العسكرية الداخلية وتفرض أمر واقع سياسي جديد تضع الشعب السوري الثائر منذ العام 2011 تحت سلطة نظام القتل بحجة محاربة الإرهاب، وهذا ما تعارضه معظم الدول الأوروبية، ودول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. حيث جاء أعلان وزير الدفاع الروسي عن ممرات آمنة لخروج المواطنين ودعوة رئيس النظام السوري المقاتلين لتسليم انفسهم وأسلحتهم مقابل العفو العام عنهم، بمثابة إعلان الانتصار، فيما المعركة لم تبدأ بعد.

هذه الممرات وما تطلبه من بحث جدي في آليات عمل الإغاثة الإنسانية للمدنيين السوريين بما فيهم من أطفال ونساء وكهول، لم ترقى بعد الى مرحلة إقناع السوريين في مضايا والزبداني وداريا والعظمية والغوطة وحلب الى ترك منازلهم والاطمئنان إلى مستقبلهم بعيدا عن إجرام النظام، وهذا ما بدا واضحا اليوم حيث خلت الممرات التي أعلن عنها وزير الدفاع الروسي من السوريين الراغبين بالهرب من تحت نيران طائراتهم.

فمنذ الصباح بدا معبر بستان القصر في حلب، خاليا من الحركة بعد أن تجنب السكان الخروج من منازلهم خوفا من القصف. ومن العبور من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب إلى أخرى تابعة للنظام والتي يربط فيما بينها المعبر المذكور، حيث يقع ضمن المعابر الآمنة التي أعلن عنها.

ويرفض الأهالي الخروج عبر هذه الممرات، خوفاً من الخطف والاعتقال، خاصة وأن روسيا ونظام الأسد رفضوا  تسليم إدارة الممرات للأمم المتحدة بالرغم من طلب المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا.

ويتمسك أهالي حلب ببقائهم في بيوتهم بالرغم من سنوات الحرب القاسية التي مرت عليهم وكبدتهم الكثير من الخسائر في الأرواح والممتلكات، ويطالبون بدخول المساعدات الانسانية إليهم.

من جانبها، حذرت المعارضة السورية من خطورة سلوك هذه المعابر، ووصفتها “بممرات الموت”.

وقال دي ميستورا إن الأمم المتحدة يجب أن تتسلم السيطرة على الممرات الإنسانية التي حددتها قوات الأسد وحليفتها روسيا في حلب. وأضاف أن “الأمم المتحدة وشركاءها في المجال الإنساني يعرفون ما الذي يجب فعله، هذه مهمتنا”.

حلب 2

حصار حلب والإعلان الروسي عن “ممرات آمنة” أثار قلقاً دوليا ودبلوماسياً من أن يكون هناك اتفاق آخر خلف الاتفاق الروسي – الأميركي الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري من أن مفاعيله ستبدأ بالظهور بداية شهر آب، والذي يقوم وفق ما كشفت جرية الشرق الأوسط، على:

تجزأه الحل السوري وتقسيمه على مراحل،

1-تبدأ المرحلة الأولى بالعمل على التنسيق العسكري بين الطرفين فيما يخص الضربات الجوية ضد تنظيمي (داعش) و(النصرة). وهذا يتطلب

  • الفصل بين مواقع المعارضة المعتدلة ومواقع (جبهة النصرة).
  • التزام وتعهد من الجانب الروسي تحديد الأهداف التي ستقصف معا، الأمر الذي يفهم من الجانب الأميركي على أنه تقييد لحركة الطيران الروسي الذي يستهدف مواقع المعارضة المعتدلة قبل أن يستهدف مواقع (داعش) أو (النصرة).
  • إنشاء غرفة عمليات مشتركة في العاصمة الأردنية تكون من صلاحياتها الإشراف على العمليات العسكرية في سوريا.
  • امتناع الطرف الروسي عن استهداف مواقع المعارضة المعتدلة التي تقاتل النظام و(داعش) في الوقت عينه.
  • تضغط روسيا على نظام الأسد، ليوقف بدوره استهداف المعارضة المذكورة؛ أقله الجانب المدني.

لكن الخلاف حول تصنيف الفصائل الإرهابية بين موسكو وواشنطن لم ينته بعد فالجانب الروسي يعتبر أن (جيش الإسلام) و(أحرار الشام)، اللتين تحظيان بدعم خليجي واسع، هما حركتان إرهابيتان، وهو ما لا تقبله واشنطن، خصوصا أن (جيش الإسلام)، مثلا كان جزءا من وفد الهيئة العليا للمفاوضات في جنيف.

2-ينص الاتفاق على:

  • إعادة إحياء المحادثات التي يقودها ستيفان دي ميستورا. حيث أمل الأخير تحقيق هذا الهدف نهاية شهر (آب) المقبل. بعد أن قدم تنازلا للروس بحيث لم يربط، بين العمل على وقف الأعمال العدائية وإيصال المساعدات الإنسانية، قبل العودة إلى المحادثات.
  • تأجيل البحث في مصير الأسد إلى مرحلة لاحقة، والتأكيد على أن لا حل في سوريا إلا سياسيا، وألا تفاهم من غير الجانب الروسي.

هذا الاتفاق الذي شككت مصادر دبلوماسية أوروبية في إمكانية تنفيذه لما خبروه من تعامل موسكو مع الملف السوري، والأهداف التي تسعى روسيا لتحقيقها بالربط بين الملف المذكور والملفات الأخرى العالقة بينها وبين واشنطن والحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ومنها الأزمة الأوكرانية، وازدياد الوجود العسكري الأطلسي على الحدود مع روسيا، وجهود التسلح التي يقوم بها الحلف التي تراها موسكو موجهة ضدها.

كيري ولافروف

ولعل تزامن حصار حلب الذي جرى بدعم روسي مع إعلان كيري – لافروف التوصل إلى الاتفاق. أثار قلق عدد من المسؤولين في الولايات المتحدة الأميركية وفي الدول الأوروبية، حيث ترى مصادر دبلوماسية أوروبية بإن حصار حلب وبمشاركة روسية، هو استخفاف روسي بالدور الأوروبي والأميركي في المنطقة، لا سيما بعد انشغال تركيا بأمورها الداخلية نتيجة الانقلاب الفاشل، وبالتالي فإن النظام السوري وبدعم روسي وإيراني وجميع الميليشيات، سيستمر في محاولة تغيير الوقائع الميدانية، خصوصا في حلب، كما سيستمر في المناور الدبلوماسية من العودة إلى المفاوضات التي يدعو إليها دي ميستورا، حتى تحقيق أهدافه الميدانية.

تجاه هذا الواقع، ترى المصادر أن الدول الداعمة للمعارضة السورية، لا سيما الخليجية منها، “تنتظر ثبات فشل الجهود الأميركية لرفع مستوى دعمها بشكل كبير للمعارضة، كي تتمكن من الاستمرار، ومن خلق الظروف الملائمة لإعادة تحسين وضعها الميداني.

سيما وأن كيري أبلغ لافروف أن ما يقوم به هو “المحاولة الأميركية الأخيرة للإدارة الحالية”، وأنه في حال لم تضغط روسيا على النظام وإيران لتطبيقه، فإن واشنطن ستنسحب تماما من الأزمة السورية وتترك لموسكو عبء التعامل مع كل الوقائع الميدانية. وكشفت المصادر إلى أن الأوروبيون يدرسون جديا الخطة البديلة للتعامل مع الأزمة السورية ولملء الفراغ السياسي في حال فشل الاتفاق.

اعلان موسكو عن فتح ممرات امنة لإخراج المحاصرين من مدينة حلب، أثار مخاوف الولايات المتحدة، وأشار مسؤولون أمريكيون إلى أنها قد تكون محاولة لإفراغ المدينة من سكانها ولحمل المقاتلين على الاستسلام. ووصفت المعارضة الخطة بأنها تشبه التهجير القسري. البيت الأبيض أعلن إن الولايات المتحدة قلقة للغاية بشأن الوضع في حلب حيث تحاصر القوات الروسية وقوات النظام المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وبعد إعلان موسكو عن ممرات آمنة في حلب قال: “أنه إذا ثبت أن العملية الإنسانية الروسية في حلب حيلة فإن ذلك سيعرض التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الحل السياسي في سوريا إلى خطر التدمير نهائياً” وأضاف  “يساورنا قلق عميق بشأن تعريف الممرات الأمنة.

ديمستورا

من جهته ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ، عرض بعض التحسينات على الخطة الإنسانية التي طرحتها روسيا لإغاثة ما يصل إلى 300 ألف مدني محاصرين في مدينة حلب، أبرزها أن تترك موسكو مسؤولية أجزاء من عملية الإغاثة إلى الأمم المتحدة. وأكد على أن الخطة بحاجة لأن تشمل توقفات منتظمة في القتال تمكن الناس من الخروج والمساعدات من الدخول، وتضمن الاقتراح الثاني هو أن يتركوا الممرات الآمنة التي سيتم فتحها بناء على مبادرتهم للأمم المتحدة لإدارتها.

وأشار دي ميستورا إلى أن الخطة الإنسانية في حلب إذا نفذت بصورة صحيحة يمكن أن تساعد في إعادة الثقة في عملية السلام الأوسع نطاقا، لافتاً إلى أن حلب تصبح مكانا رمزيا يمكن أن يجعل العالم يصدق أن هناك حلا سياسيا إنسانيا ممكن في سوريا.

مصادر عسكرية من المعارضة السورية في حلب أشادت باتصال مع “الأنباء” بصمود السوريين في حلب وعدم انصياعهم للتهويل الإعلام الذي تمارسه روسيا وإيران والميليشيات التابعة لها، ورأت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن اسمها أن رد الحقيقي للسوريين على ما سمي بالممرات الآمنة كان واضحا بحيث لم يقبل السوريون عليها ولم يقرروا الرحيل من بيوتهم.

واعتبرت المصادر العسكرية أن ادعاء النظام حصار حلب “أشبه بأكاذيب”، وإن ما يسميه إعلام النظام خطة حصار حلب ما هي إلا حرب استنزاف طويلة الأمد، وإذا تمكن من حصارها، فالمساحة الجغرافية الكبيرة والشوارع والأزقة الضيقة ستكون عائقاً أمام اقتحامها، وإن عجز النظام عن اقتحام أحياء حمص القديمة وداريا والغوطة، فإن عجزه عن اقتحام حلب سيكون أكبر بسبب المساحة أولا، وطبيعة الأبنية ثانياً، وعدد الثوار ثالثاً، والتسليح الموجود رابعاً.
وأن حصار حلب سيجبر الثوار على مجموعة إجراءات ميدانية هي في متناول اليد وضمن قدراتهم، فإغلاق النظام للبوابتين الشرقية والشمالية سيدفع الثوار لفتح البوابة الغربية وفك الحصار، ومعارك الراشدين وضاحية الأسد خير مثال على ذلك، كما سيجبر الثوار على قطع شريان الحياة عن النظام بحلب بدءاً من قطع خطوط الإمداد الضعيفة من نقطة الراموسة إلى حماة، ومعارك الراموسة من فترة، ومعارك حماة الآن تثبت أنّ الأمر ممكن جداً، ناهيك عن سيطرة الثوار على موارد الحياة والطاقة من ماء وكهرباء وتحكمهم بها، وهنا نسأل كيف يحاصر النظام أشخاصاً يستطيعون قطع الماء والكهرباء عنه؟!
وهناك الخيار الأكثر إيلاماً للنظام وهو فتح جبهات حلب جميعها من الجهتين، أي من الداخل والخارج، وعدد الجبهات في حلب كبير جداً وسيضع النظام بين فكي كماشة، بين الثوار في المدينة والثوار بالريف، ومعلوم بداهة أن السلاح الذي يحقق للنظام الأفضلية وهو الطيران سيخف تأثيره في معارك المدن، فكل أهل حلب يعرفون أن النظام لم يتقدم شبراً واحداً في حلب المدينة منذ أكثر من عامين.
حلب 4
سوف تتحول حلب في حال حصارها لمثلث برمودا هذا الكلام في ضوء الإمكانات المتواضعة لدى الثوار في حلب، أما في حال تمكن الحلفاء من دعمهم بالسلاح ولا سيما النوعي فستكون حلب الثقب الأسود الذي يقلب المعادلة.
فالنظام يخوض منذ أكثر من عامين حرباً عبثية وجنونية لم يحقق فيها سوى الدمار، وحصاره لحلب إن تمّ سيطيل أمد النزاع وآثاره التدميرية، نجاح النظام في حمص الصغيرة وبعد عامين لا يعني نجاحه في حلب فالظروف مختلفة، والتوازنات في صالح الثوار لا النظام.

بين حصار حلب والتصعيد العسكري المستمر وبين الشروع في تطبيق الاتفاق الأميركي – الروسي في سوريا، أيام قليلة ستحدد مدار اتجاهها الحركة الدبلوماسية الدولية وتأثيرات الضغوط المختلفة التي باتت باتجاه إعادة رسم توازنات جديدة للستاتيكو العام في المنطقة، فإفشال الوساطة الأممية في اليمن والتصعيد العسكري في سوريا والعراق وارتفاع لهجة الخطاب السياسي في لبنان مؤشر على أن الوقت بدأ ينفذ أمام الجميع فإما ان تسلك الأمور سكة الحل السياسي التدريجي، وإلا ستأكل نار الحروب المشتعلة مع حرارة لهيب صيف آب ما تبقى من استقرار في المنطقة.

فوزي ابوذياب