“يديعوت أحرونوت”: سنتان على الجرف الصامد.. فشل الانتصار

بعد أقل من دقيقة على انتهاء حديثنا، وبعد أن وضعت دفتر ملاحظاتي الصغير في جيبي، قال لي العميد إيتي فيروف: “الذي يقلقني أكثر من كل شيء هو الأنفاق التي تحفرها حماس تحت أقدامنا”. فيروف قائد عسكري ممتاز كان آنذاك على وشك أن يعين قائداً لفرقة غزة، أحد المناصب الأكثر تحدياً والأكثر تقديراً في الجيش الإسرائيلي.

استلم فيروف مهماته بعد أسبوع من إعلان وقف إطلاق النار في عملية الجرف الصامد. منذ ذلك الحين تمكن من معرفة اتفاق حماس بكل تشعباتها، ولم يكن في إمكانه فعل أي شيء بشأنها.

يمكن افتراض أن هذه الأنفاق التي ما يزال يدور النقاش حول ما إذا كانت اكتشفت للمرة الأولى خلال أيام العملية أم كنا نعرف بوجودها قبل ذلك، يجري حفرها أيضاً في هذه الأيام ليلاً نهاراً. إن الدرس الذي تعلمناه أو كان ينبغي أن نتعلمه هو أن “حماس” تنظيم يتعلم، وقد تعلم أعضاء الحركة دروس العمليات الماضية وقرروا مفاجأتنا في القتال بمستوى غير اعتيادي وأصعب بكثير ومن المستحيل تقريباً إلحاق الهزيمة به.

لكن الأنفاق هي جزء فقط من قصة العملية التي نحيي اليوم ذكرى مرور عامين على حدوثها، والقصة “الكبرى” هي علاقة المجتمع الإسرائيلي بالحرب. لقد عوّدنا السياسيون وقادة الجيش طوال سنوات على انتصارات ساحقة حتى عندما تكون الصورة على الأرض مختلفة قليلاً، ونحن صفّقنا لهم وصرخنا من الشرفات: “نريد المزيد”. لقد طبع الانتصار الكبير في حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967] الجيش الإسرائيلي بطابع نهائي جعله الجيش الذي يعرف فقط كيف ينتصر. واعتبرنا حرب يوم الغفران مجرد عثرة.

عندنا إذا لم ننتصر بصورة نهائية نعتبر الحرب عملية عسكرية. لو انتصرنا تختلف الصورة. وهكذا نحن ننتقل في العقود الأخيرة من عملية عسكرية إلى أخرى: تصفية الحساب [ضد جنوب لبنان سنة 1993]، عناقيد الغضب [ضد جنوب لبنان سنة 1996]، الجدار الواقي [ضد الضفة الغربية سنة 2002]، الرصاص المسبوك [ضد غزة 2008]، عمود سحاب [ضد غزة 2012] والجرف الصامد (من المحتمل أن أكون نسيت عملية أو أكثر) وللأسف الشديد سيكون هناك المزيد من العمليات العسكرية.

إن خيبة الأمل من انتهاء عملية الجرف الصامد بالطريقة التي انتهت بها نابعة من سبب واحد ووحيد هو أن الشعب الإسرائيلي يريد انتصاراً مطلقاً واضحاً ونهائياً. وما يلي هو بالضبط الأخبار السيئة: على ما يبدو لن تكون هناك حروب من هذا النوع. ولا يوجد على الرف حرب تنهي جميع الحروب (إلا إذا كانت حرباً نووية).

لذا لم تكن لدينا فرصة لتحقيق الانتصار في عملية الجرف الصامد التي كان هدفها منذ البداية ضرب “حماس” وليس إخضاعها. لقد بذل الجيش الإسرائيل أقصى ما يمكن أن يفعله في مثل هذه الظروف. ولو كان المستوى السياسي طلب من الجيش إعادة احتلال قطاع غزة يمكن افتراض أنه كان سينجح في ذلك (والثمن عدد أكبر بكثير من الضحايا من جانبنا). ولو كنا فعلنا ذلك لكنا نجلس اليوم، بمناسبة مرور سنتين على هذه العملية، ونتساءل ماذا نفعل هناك، وكيف فجأة أصبحنا مسؤولين عن مجارير غزة وعن إطعام السكان في بيت حانون، وبيت لاهيا، وجباليا، ودير البلح، وخان يونس، ورفح، وكم يكلفنا ذلك، وكيف عدنا إلى المكان الذي فعلنا كل شيء للتخلص منه، بما في ذلك اقتلاع مستوطنات وشرخ داخلي لم نتعاف منه بعد.

إن الدرس الذي تعلمناه أو الذي يجب أن نتعلمه هو أنه لن تكون هناك حروب تحقق انتصاراً نهائياً، ومحكوم علينا لسنوات طويلة القيام بعمليات ضد تنظيمات إرهابية. ومثل هذا النوع من الحرب ننتصر فيها أكثر قبل أن تبدأ، ننتصر باستعدادنا لها جيداً.

————————-

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية