هل من يسمع صرخة جنبلاط في العالم العربي والإسلامي؟

السؤال الذي يطرح نفسه دائما، لماذا تخلف العرب وتقدم الغرب وسائر الأمم؟ ونسارع في الإجابة لنقول، أنه الفكر العربي والإسلامي المريض نفسه، هو علة تخلف وتأخر مجتمعاتنا الغارقة في مستنقعات الجهل والعنف والتعصب والحقد ورفض الآخر، فهذا الفكر المريض كان ولا يزال سبب تخلف العرب والمسلمين وانحطاطهم إلى ادنى درجات التخلف والإنحطاط في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والإجتماعية بينما معظم أمم العالم تقدمت تقدما هائلا وشاملا في جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة.

ودائما في ارض العرب والمسلمين، هناك من يُنَظر للمؤامرة لوضع اللوم والملامة على الغير لا سيما الإستعمار لتبرير الواقع المزري المتخلف للعرب والمسلمين، في حين أن كل الأمم عانت في تاريخها من نير الإستعمار ومع ذلك فأن بقية الأمم تجاوزت تداعيات الإستعمار واستطاعت أن تنهض وأن تحقق الكثير من التقدم، في حين أن العرب ما زالوا غارقين في العيش على آثار  الأطلال البائدة والأمجاد الضائعة فيما الناس في الوطن العربي تعاني من الجهل والضلالة والخرافات وأوهام التخلف الفكري والحضاري، ففي العالم العربي لا حقوق ولا حريات ولا مساواة بين الأفراد ولا قانون يسود في المجتمع، بل مستبدون متسلطون على رقاب الناس الضعفاء المهمشين و التائهين بين براثن النعرات الطائفية والقبلية والدينية حيث التعصب والجهل والفوضى تعم المجتمع فيتعطل التفكير ويجمد الإبداع، وترى الناس عاجزين عن إبداء آرائهم بكل حرية بل ويبررون المنطق باللامنطق ويميلون الى الاستسلام للأفكار الموروثة المتخلفة والخرافية.

فما يجري من حولنا وفي أوروبا وكل أصقاع العام من ارهاب وقتل وذبح للأبرياء تحت راية العرب والإسلام بات يستدعي من النخب العربية والإسلامية أكثر من مواقف الشجب التنديد والشجب والاستنكار بعد كل جريمة مروعة بربرية يرتكبها هذا الإرهاب المتطرف الذي يتخذ من العباءة الدينية الإسلامية غطاء لتجنيد التكفيريين الانتحاريين وتبرير عمليات القتل والذبح والحرق والصلب والتنكيل والتفجير بحق الأبرياء من خلال فتاوى غاشمة مغلفة بشروحات من الفقه والشريعة الإسلامية البريئة من هذا الفكر الضلالي الظلامي الذي لغاية الآن ليس هناك من مواجهة اسلامية فاعلة وقوية له للاسف الشديد وذلك حتى اشعار آخر. لذلك إن “كلمات الإدانة لم تعد تكفي، لا تقدم ولا تؤخر، في ظل الإنصياع الكامل للتوحش والجنون والقتل والإرهاب”، كما قال رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط في صرخته المدوية في وجه هذا العقل العربي الإسلامي المريض الذي يقدّم الذرائع للمتطرفين من كل الإتجاهات ليبرروا إنغلاقهم وتزمتهم ويطالبوا بإخراجهم من بلدانهم”.

ISLAMIC

وبناء على ذلك، فقد آن الآوان للقيمن على الأمة العربية والإسلامية من زعماء ورجال دين ونخب واعلام أن يعوا بأن ما يجري في أوروبا لا يستفيد منه سوى أعداء المسلمين والعرب، فهذه الأفعال البربرية غير المبررة لا تخدم سوى منظومة الحقد والتطرف في كل العالم بكافة أوجهها وفصولها الوحشية التي تبيح القتل والتنكيل بإسم الدين. كما أن هذه الجرائم البربرية الموصوفة هي اولا جرائم ضد المسلمين الذين يتم تشويه دينهم وتعاليمهم بأبشع الوسائل وهذا أمر يسبب الأضرار والخسائر الفادحة للجاليات العربية والإسلامية التي تعيش في المجتمعات الغربية التي فتحت أبوابها وقلوبها واقتصادها للعرب والمسلمين الذين تركوا بلدانهم لأسباب متعددة ولم يجدوا سوى أوروبا وغيرها من المجتمعات الغربية الملاذ الآمن لتحقيق طموحاتهم ونجاحاتهم على كافة الصعد وفي مختلف المجالات.

لذلك من الضروري على المؤسسات الدينية والتثقيفية والإعلامية والسياسية والإجتماعية الإسلامية والعربية أن تدرك جيدا، بان ما يجري في أوروبا بحق الأبرياء على أيدي بعض الشبان المؤمنون بشكل خاطئ ومنحرف بالدين الإسلامي ومفاهيمه وتعاليمه الإنسانية السمحة، هو عمل لن يخدم سوى مناخات التحريض وصب الزيت على نار العصبيات العدائية للمسلمين والعرب في كل أوروبا وسائر البلدان الغربية التي لا تخلو مجتمعاتها من مؤسسات التطرف الديني والسياسي والتي تجد من تلك الأعمال البربرية التي يقترفها بعض الشبان المسلمون والعرب الضالون مصادر أساسيا لتعزيز حضورها الشعبي والسياسي المتطرف والمعادي للعرب والمسلمون في الشارع الأوروبي وهذا أمر بالتأكيد يضر بمصالح وقضايا العرب والمسلمين ويخدم بالدرجة الأولى أعدائهم الذين يعملون في الليل والنهار لتأليب الغرب وتعزيز توجهاته العدائية ضد العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم.

وبالتالي على المؤسسات الدينية والتثقيفية والإعلامية والسياسية والإجتماعية الإسلامية والعربية أن لا يقتصر دورها في هذه المرحلة الخطيرة التي يمر بها الدين الإسلامي على مجرد اصدار بيانات الإدانة والإستنكار للجرائم الإرهابية الموصوفة التي تقع في بلاد العرب والمسلمين وفي أوروبا وكل العالم، بل عليها أن تتحرك على الأرض لممارسة دورها التثقيفي والفكري التنويري الذي يقود إلى قيام صحوة اسلامية تقدمية نهضوية حديثة عصرية تمارس دورها المطلوب لإجتثاث حالة الإرهاب والتصدي لهذه الأعمال الإجرامية التي تتناقض مع كافة القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية والدينية على اطلاقها سيما أن توسع وتعميم هذه الأفعال الجرمية التي ترتكب زورا وبهتانا بإسم الدين الإسلامي باتت تشكل خطرا وجوديا على سمعة الإسلام ومصداقيته وحقيقة تعاليمه الأخلاقية و الإنسانية الراقية.

____________

(*) هشام يحيى