السبق الإعلامي: بين التميّز والانتهاك!

عبدالله ملاعب

أنباء الشباب

يُقال: أنّ وسائل الإعلام هي تقنية لنقل الأخبار وإبراز المستجدات على إختلافها. كما ويُقال: أنّ الاعلام يهدف لتكوين رأياً عاماً يتلقى المعطيات ويتصرف على أساسها. ومن المتعارف عليه أيضاً، أنّ الإعلام مهنة تهدف لزيادة الثقافة والمعلومات، لا بل غايتها تنمية العلاقات الإجتماعية والإنسانية ورفع التماسك الإجتماعي. وفي الوقت عينه، يعتبر الإعلام، مهنة غايتها التسويق والإعلان عن السلع والخدمات التي تستقطب الإهتمام.

ولكن، قبل الدخول في تلك الديباجات والنقاط الهادفة لتعريف الإعلام وإظهار دوره، يجب أن نلقي الضوء على جوهر هذه المهنة وقاعدتها المتينة المتمثلة بالأخلاق والصدق والاحترام. فتلك هي الصفات التي عبرها يكتسب الناشط لقب “الإعلامي” لأنّ الحنكة ليست في نقل الخبر ولكن في طريقة طرح الخبر. عليه، هل يمكن إعتبار المؤسسات الإرسالية العربية، وسائل إعلامية تسلك الدّرب الصحيح وتتخذ من الأخلاقيات نقطة للانطلاق؟

قال المعلم كمال جنبلاط: “لا تتكون الديمقراطية دون أخلاق وإعلام صادق ورأي عام سليم، وإلا تصبح خرافة”. يعتبر البعض أن ما قاله المعلم عن الإعلام الصادق يقتصر على نقل الحقيقة بتجردّ. ولكن، إن تعمقنا أكثر بين السطور وبفكر الكمال، نكتشف أن الاعلام الصادق هو أيضاً هذا الاعلام الذي يحترم نفسه قبل إحترام الجماهير فيرفض التجريح، الإساءة، ولا يحتمل الإخفاق وتصحيح ما قد تم نشره في السابق. فاليوم وعلى سبيل المثال، في ظل إجتياح الانترنت عقول الجماهير وإستحواذه على كافة أنشطتهم، بات كل فرد منّا شبه إعلامي بعدسته يلتقط الحدث وينشره على صفحته.

كمال جنبلاط

لماذا شبه إعلامي؟ لأنّ هذا المواطن، بغض النظر عن عدم تحليله للحدث، قد نقله كما هو وبالتالي بعيداً عن أخلاقيات المهنة. فالاعلامي الحقيقي، هو من يرفض نشر أشلاء ضحايا أي عملية إرهابية. الإعلامي الحقيقي، هو من يرفض البوح عن خصوصيات المواطن لو مهما خَدَم ذلك الخبر.

بإختصار، الإعلامي الحقيقي هو من يرفض إنتهاك حُرمات الناس بهدف الحصول على سبق صحفي “scoop” غير مشرّف يكسبه المزيد من المال ويضيف على الشاشة أو المنشور عبارة “الحصري” التي تُفرح رئيس مجلس إدارة القناة وتقهر كرامات الناس.

GENEVA

على سبيل المثال، تفاجئنا الأسبوع المنصرم بقناة إعلامية لها ثقلها، قامت بنشر إسم الشابة الضحية التي تعرضت للإغتصاب على يد ٣ شبّان في الجريمة التي هزّت الشمال ولبنان كله. كما ونتفاجئ كل يوم بالمشاهد الدموية على القنوات العربية التي تقتل الضحية مرتين وتطعن أهل الضحية لمدى العمر.

أخيراً، في ظل الحروب والتفجيرات والانتهاكات الإنسانية التي يزدحم عالمنا العربي بها، كان لا بدّ من الاشارة إلى هذا الموضوع الشائك. فالقنوات العربية باتت مؤسسات تتاجر بالدماء العربي الذي سبق وفتكت به الأنظمة والتنظيمات الإرهابية.

الجمهور العربي، لا يريد صحافة صفراء تركض وراء السبق الإعلامي وتدوس على الكرامات. أم التساؤل الذي يُرافِق تلك الوسائل الإعلامية: عجباً كيف حفظتِ كافة السلوكيات الإعلامية الغربية وفي الوقت عينه غابت عن إقتباسات تلك السلوكيات عند كل منعطف إرهابي إجرامي. فبالله على مسؤولي هذه المؤسسات، هل شاهدتم ولو لمرة واحدة جثّة غربية مشوهة مدّمرة بعد إعتداء إرهابي على مدنٍ غربية؟