زيارة وليد جنبلاط الى الصرح البطريركي… اي ابعاد؟
ناجي مصطفى (الأنباء)
21 يوليو 2016
زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الى بكركي ولقاؤه البطريرك الماروني بشارة الراعي تكتسب اهمية خاصة لاكثر من سبب، اولها انها تصادف الذكرى الخامسة عشر للزيارة التاريخية لغبطة البطريرك السابق مار نصرالله صفير الى الجبل وانعقاد المصالحة الكبيرة التي رسخت بالملموس طي صفحة الحرب الاهلية الى غير رجعة وعودة المهجرين الى جميع القرى والبلدات وثاني الاسباب يتعلق باستمرار الاستعصاء المتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية وانسداد اي افق يؤدي الى تنفيذ هذا الاستحقاق لدواع داخلية وخارجية في ان معا.
اما ثالث هذه الاسباب هو شعور الزعيم الاشتراكي بخطورة الاوضاع الامنية وسهولة انزلاق لبنان نحو درك الانفجار بالنظر الى ارتباط العوامل الداخلية بالعوامل الخارجية على المستوى الامني في ظل جغرافية حدودية واسعة، مفتوحة بالاتجاهين، بين لبنان وسوريا رغم كل الجهود الجبارة التي يبذلها الجيش اللبناني لضبطها.
من يتابع حركة الزعيم الاشتراكي في الاونة الاخيرة يلمس من غير كبير عناء اهتمامه بعقد تسوية سياسية وطنية شاملة يرى انها اكثر من ضرورية في اللحظة السياسية الراهنة، تسوية تطال كل مكامن التعقيد في الملفات السياسية والدستورية والاقتصادية المختلفة، بدءا من التوافق على قانون جديد للانتخابات بعد مرور نحو ستة وخمسين عاما على القانون الذي تجرى على اساسه، مرورا باصلاحات دستورية وسياسية واسعة تطبيقا لاتفاق الطائف الذي تعطل تطبيقه بفعل القراءة الاحادية لسلطة الوصاية لهذا الاتفاق بما يخدم مصلحتها ودوام بقائها، وعند ذاك لا يهم اسم من يأتي رئيسا للجمهورية، حتى ولو كان العماد ميشال عون، لان انتخاب الرئيس يأتي عند ذاك جزءا من كل، اي جزءا من تسوية شياسية شاملة تعيد الانتظام لعمل مؤسسات الدولة وترسي قواعد المعالجات للازمات المالية الحادة التي يعيشها الوطن، والتي دلل عليها التقرير الاخير لوزير المالية العامة السيد علي حسن خليل.
قد يقول قائل كيف لوليد جنبلاط الذي سبق له ان رشح عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب هنري حلو للانتخابات الرئاسية قبل نحو سنتين من اليوم ومن ثم عاد وتبنى ترشيح النائب سليمان فرنجية، ان يسير بهكذا تسوية قد توصل رئيس التيار الوطني الحر او سواه الى السدة الاولى من غير الاسماء التي رشحها؟وهل في ذلك مناورة سياسبة وهو الذي اشتهر بتكتيكاته ومناوراته في مثل هكذا استحقاقات؟
ان من يعرف الزعيم الاشتراكي جيدا، يسلم ببراغماتيته وواقعيته السياسية وقبوله بمنطق التسوية لا بل بتسويقها، لا سيما عندما تكون الاوضاع على هذا المقدار من الخطورة. فوليد جنبلاط يرى ان استمرار تخندق القوى السياسية المحلية على مواقفها من الاستحقاق الرئاسي تماما كما كانت عليه منذ اكثر من سنتين في ظل استاتيكو سياسي جامد وممجوج، في حين تهتز المنطقة على وقع انفجارات ودورات عنف متتالية ومخيفة، ترتدي للاسف الطابع الطائفي والمذهبي، كل ذلك يمكن ان يودي بالاوضاع المحلية الى الانزلاق نحو اتون هذه الحروب العبثية، لا سيما في ظل هشاشة البنيان الاجتماعي اللبناني وفقدان مناعته ما يوفر قابلية انتقال عدوى الصراعات المذهبية الى الجسد اللبناني الضعيف، بما لا طاقة للبنان على تحمل اثاره وتبعاته.
باختصار شديد، ان وليد جنبلاط مع اي تسوية سياسية جديدة تجيب على هواجس جميع القوى السياسية، تسوية تعيد انتاج النظام السياسي وفق تطبيق موضوعي وواقعي لاتفاق الطائف، يصبح عندها انتخاب رئبس للجمهورية تفصيل من تفاصيل هذه التسوية وليس شرطا لها يجري التمترس خلفه لاستمرار الدوران في الحلقة المفرغة، وعند ذاك فقط نكون قد وضعنا عربة الحل على السكة الصحيحة قبل ان تفيض بحيرات الدم المنتشرة بالمحيط فتغرقنا في دوامتها الى غير رجعة.