لا قانون انتخابياً.. في المدى المنظور!

فيصل مرعي

الناظر الى الوضع في لبنان نظرة ثاقبة، يرى ان هنالك تعقيدات جمّة على كل الاصعدة والمستويات، خصوصاً لجهة الوضع السياسي القائم. فمنذ سبعين سنة ونيِّف، ولبنان يعاني من أزمات سياسية، كادت تضربه في العمق بكل مقوماته ومكوناته، وان تكون على قاب قوسين او ادنى من أزمة نظام.

فكلّ رؤساء الجمهوريات الذين تعاقبوا على الحكم، في جُلِّهم كان همهم الاول والاخير، الاستئثار بالسلطة، والحفاظ على مصالحهم الشخصية، لا على مصلحة الوطن والمواطن، مانِّين على بطانتهم وحاشيتهم بعض فتات العيش، تاركين الشعب يئن ويرزح تحت وطأة لقمة العيش الكريمة، غير عابئين بما هو قادم، وبما هو آت. وهكذا دواليك، الى ان تراكمت الازمات السياسية بشكل متسارع، والتي لا يعرف الا الله ما خواتيمها، وفي مقدمها الازمة السياسية المتمثلة حالياً، بعدم انتخاب رئيس للبلاد، وايلاد قانون انتخابي عصري، يحقق التمثيل الصحيح، الذي من خلاله “القانون الحالي”، كدنا نفقد قيمتين هما اساس لبنان: الهوية، والحرية. والعجيب بعد كل هذا المخاض السياسي العسير، هنالك من يتنادى الى تبنَّي قانون لا يليق بمطلع هذا القرن، ولا يستجيب لرغبات الشعب. والاغرب، ان الذين يدّعون ابوته، يعتبرونه انجازاً في حال اصبح في متناول اليد، فيه من العصرنة ما يساوي، وما يرتقي الى مصاف الديمقراطيات الغربية، علماً انه مخالف للدستور، ولوثيقة الوفاق الوطني “الطائف”، شكلاً ومضموناً، ولكل ما يمت بصلة للعيش المشترك، وبالاخص لشرعة حقوق الانسان. اذ من الصعوبة بمكان الفوز الا طائفياً ومذهبياً، ناهيك عن الغاء وذوبان شريحة ضمن الطائفة نفسها. والاخطر من ذلك، هو هذا الطلاق الذي سيحصل بين الطوائف، بما يُنافي الشراكة، والتنوع، وصوغ عقد اجتماعي جديد. فهل يُعقل، ان تنتخب كل طائفة نوابها وحيدة منفردة؟ وهل هذا، يعطي المسيحيين بالذات ما يُغني ويكفي من أمان واطمئنان وحماية؟ هذا ما يتحمّل مسؤوليته بعض زعمائهم بتبنيهم هذا الاقتراح، الذي سيجر الويلات والكوارث على الجميع اذا اخذ به. فالسير بهذا الطرح، لا يقبله عقل، ولا منطق، باعتبار انه سيكون له عواقب وخيمة، ومفاعيل خطيرة، ستعود بنا الى ما يشبه سنوات الحرب الغابرة التي كادت تخرج اللبنانيين من لبنانيتهم وعروبتهم؟

اللجان النيابية

في هذا المجال، نعود فنذكّر، كم كلَّف القانون الانتخابي الحالي من التجافي والتباعد بين ابناء الشعب الواحد، بسبب ما وهب من امتيازات لفئة دون اخرى، وكم جرَّ من أزمات ما زلنا نعاني منها حتى اليوم. فكيف بنا اذا ما جاءنا قانون، يؤسس لشرارة حروب اهلية ذقنا طعمها طوال خمسة عشر عاماً، كادت تدمر لبنان برمته. إنه لمن المستحيلات العجاف ان يحمي هذا النمط من القوانين الانتخابية احداً، لا سيما منهم المسيحيون، خاصة وان دستور ما قبل الطائف الذي حصر كل الامتيازات في سدة الرئاسة، لم يحمهم من الغرق في سلسلة من الاحداث، ابتداءً من عام 1958، وصولاً الى 1969، يوم تداخلت عوامل كثيرة، لا سيما من العامل الفلسطيني.

لا، لا، لن يحقق هكذا نمط من القوانين الانتخابية، لا للمسيحيين، ولا لغيرهم ما يبتغونه ويصبون اليه. فبموجب هذا القانون سينشأ صراع مذهبي سيسبب ضياع الوطن، وإلحاقه، وإلباسه لبوساً غير لبوسه، ولأن المسيحيين غير موحدي الكلمة، يتطاحنون ويتصارعون على السلطة، من حقنا ان نتساءل. ما هو المآل، عندما عدوى الصراع تفتك في كل الطوائف والمذاهب؟ عندها يتفتت الوطن، ويصبح كيانات “وغيتوات” معزلة عن بعضها البعض.

ما هو مقبول في الوقت الحاضر، هو النظام المختلط (الاكثري والنسبي) ريثما نصل الى قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، وإلا، فلا قانون انتخابياً حديثاً في المدى المنظور!

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…