عمق الصراع في تركيا وأهداف الانقلاب الفاشل

منير بركات

بعد أن تسلم كمال اتاتورك قيادة الدولة التركية الحديثة وزاوج بين العلمانية والقومية، وإلغائه الخلافة، وتم الحذف من دستور الجمهورية المادة التي تشير دين الدولة الإسلام. لقد صبغت الدولة بصبغة قومية واضحة ونتيجة لذلك فقد حصل ردود فعل اسلامية ومن القوميات الاخرى من أجل اثبات وجودها بعد تجريدها من عناصر الثقافة الاسلامية كافة. وما تزال الدولة التركية تعيش حتى وقتنا الحاضر التجاذب بين هذه الاتجاهات المختلفة. في الوقت الذي يشكل المسلمون الغالبية الساحقة من سكان الدولة وتصل نسبتهم إلى ٩٩بالمئة.

attaturk

ومنذ فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات سنة ٢٠٠٢ شهدت تركيا عملية تغيير قانوني ودستوري وتفهما أكبر فيما يتعلق بالحريات وفيما يخص المسألة الكردية والأرمنية والعلوية والشأن الداخلي عموماً، كما تصالحت مع جميع جيرانها وأقامت علاقات جيدة مع الدول العربية واتخذت مواقف فاعلة ومؤثرة في القضايا الاقليمية ودعم القضية الفلسطينية ونسجت علاقات مع حركة حماس واستقبلت قيادته حين وصولها الى السلطة بخلفية التقاطع مع الجماعات الاسلامية في العالم العربي والإسلامي، وحافظت على علاقة طيبة مع اميركا كما أقامت علاقات مع إيران واستبعدت حافة الصدام وغلبت المصالح الاقتصادية بين البلدين، الا انها اصطدمت في الداخل مع الجيش حامي العلمانية، ومع المجلس الدستوري الذي رفض تشريع الحجاب وبعض القضايا الأخرى الذي اقرها حزب العدالة والتنمية الذي أسسه رجب طيب اردوغان سنة ٢٠٠١ وقامت بحركة تطهير واسعة في صفوفهما والذي بدأ بإستكمالها الآن بعد الإنقلاب الفاشل.

441

إلا ان الاقصاء للاقليات يبقى سيد الموقف وتحديداً الاقليات غير المسلمة لا سيما الأرمن الذين يتعرضون على المستوى الشعبي الى الضغوطات المختلفة والتهميش الكامل. لقد كان الجيش منذ الاستقلال الحاكم الفعلي للدولة بالرغم من المعارضين في صفوفه وبالرغم من الانقلابات العسكرية المتتالية، وكانت تشهد تركيا بالفترة الأخيرة نهوض الحركات الاسلامية وصولاً الى حزب العدالة والتنمية الذي فكك القبضة الحديدية للجيش.

إن تكوين الهوية الثقافية والسياسية لتركيا وهي الجغرافيا والإرث التاريخي، والمبادئ القومية والعلمانية التي تتبناها الدولة، وعلاقة الدين بالدولة، والاقليات العرقية والدينية الموجودة فيها، لها انعكاسات ناتجة عن أزمة الهوية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهي ازمة الصراع بين كمالية الدولة والتيارات الثقافية والسياسية في المجتمع، وأزمة الهوية وعلاقتها بسعي تركيا للأنضمام للاتحاد الاوروبي، وأزمات الهوية المتعلقة بالأقليات.

turkey

إلا ان الجيش يبقى عمق ثقافة الدولة التركية الحديثة منذ الجمهورية، وسيبقى عامل تحريك لكل الازمات دون اغفال العوامل الأخرى لا سيما الاسلامية منها في عصر يغلب فيه الحراك المذهبي في أوج الصراع في المنطقة، وما للحركة الإنقلابية الفاشلة الأخيرة إلا دليل قاطع حول دور الجيش في كل المحطات، وبمعزل عن العرض الذي تقدم، يبقى الطابع السياسي من اهداف الانقلاب ودور تركيا في المنطقة وتحديداً في سوريا والتي تشكل إحدى عوامل الحسم النهائية.

—————————-

(*) رئيس الحركة اليسارية اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم منير بركات

طلّة راقية في ذكرى مولده

لن يتمكنوا من تغيير هوية الجبل ووجهه

التحذير الفرنسي للبنان شبيه بتحذير السفير الفرنسي قبيل اجتياح 1982!؟

مفهوم الدولة وشروط تكوينها 

مكامن الخلل في تجزئة الحرية؟

أهل التوحيد والتاريخ المجيد… غادروا الماضي واصنعوا المستقبل !؟

الألفية التاريخية للموحّدين الدروز

تحفّزوا بالقامات الكبيرة يا حديثي النعمة!؟

بعيداً من التبسيط.. البلد على حافة الهاوية!؟

العقوبات غير المسبوقة تصيب مقتلاً في النظام الإيراني

الموحّدون الدروز: المخاوف من إطاحة الوطن

مبادرة “التقدمي”: خطوة متقدمة لحماية الحريات العامة

على الرئيس المنشود ممارسة القمع لكي يكون مرشح الناخب الأول!؟

تلازم الفاشية مع الطائفية ومأزق الحكم

أين المصير الواحد والبلد الواحد واللغة الواحدة من كل هذا؟

المطلوب وقفة موحدة ضد النظام!

الشعوب ضحية الأطماع الدولية والأسد فقد دوره الأقليمي

بلورة المشروع الوطني المعارض

رسالة الى رئيس الجمهورية

الاطاحة بالطائف يعيدكم الى حجمكم!؟