دم جديد أم عقلية جديدة؟
وسام القاضي
11 يوليو 2016
شهدت الأحزاب العقائدية ترهلا كبيراً أصاب بنيتها التنظيمية وحضورها الشعبي، وهذا الأمر إنعكس بشكل طبيعي على دورها وموقعها خاصة عند الإستحقاقات الشعبية حيث يتحدد مزاجية الناس وتقييمهم للأداء الحاصل على الأرض.
البعض يرى أن عدم ضخ الدم الجديد في الأحزاب هو السبب الرئيسي لهذا الواقع المتردي، وهنا تكمن المعضلة الرئيسية، فالدم يعطي النبض في العمل لكن ما يوجه العمل هو العقل وبالتالي يجب التفكير في الممارسات التي تحصل والتي هي إنعكاسات للمنهجية العقلية المتبعة.
لا بد من الإقرار أن الأجيال الحالية أو المستقبلية ليست كالأجيال السابقة، ولا تسير كالغنم وفق التوجيه في السير قدما، ولنبدأ من داخل الأسرة بحد ذاتها حيث كان رأي الأب هو النافذ فورا دون نقاش أو جدال، لأنه بطبيعة الحال رب الأسرة، أما اليوم فمن غير الممكن إقناع الأولاد بأي مسألة أو قضية دون النقاش والإقناع بمنطق سليم، ويجب أن تقرن المسائل ببراهين علمية ملموسة، ولكل رأي حيثيته وظروفه ولا بد من الأخذ والرد بصبر وتروي للوصول إلى اليقين في الخيارات.
من هنا فإن الطبقة المثقفة التي هي الأساس في قيادة العمل الحزبي (المثقفة وليس المقصود المتعلمة) بالرغم أن العلم أصبح متوفراً بشكل واسع أكثر بكثير من السابق إلا أن الثقافة المرتبطة بالوعي والإدراك والعقل الراجح هي الأساس بتكوين شخصية الإنسان، لذلك فإن هذه الطبقة بمجموعها يجب أن تشكل حزب النخبة الذي يحوز على ثقة الناس، حزب النخبة الذي يستقطب الجيل الجديد من المثقفين وليس أعضاء زائدة لإضافة أرقام جديدة، حزب النخبة الذي يلبي طموحات ومبادىء وقيم إجتماعية وإنسانية يطمح لها كل من يفهم معنى الحياة وحقيقة الوجود.
لا يمكن التعامل مع المواطنين بعقلية مضى عليها الزمن، فالعمل الميداني في السلم مختلف تماما عن العمل الميداني في الحرب، وأكبر مثل دخل التاريخ في هذا الموضوع عندما صوت البريطانيون عام 1946 في أول إنتخابات عامة بعد الحرب العالمية الثانية ضد رئيس الوزراء ونستون تشرشل، مع العلم أنه قاد بريطانيا للإنتصار لكن شعبه قال كلمته الشهيرة بأنك رجل الحرب الأول أما في السلم فافسح المجال لغيرك. إلا أن هذا المفهوم في بلادنا يسير بعكس الإتجاه، فإذا لم يبق على الكرسي مدى الحياة فإنه يضع العراقيل ويخيط المؤامرات للإنقضاض مجددا وإفشال كل عمل جديد.
والأخطر في العقليات الرائجة بعدم تقبل الرأي الآخر في كافة القضايا والمسائل، وتحت شعار إذا لم تكن معي فأنت ضدي يتم التخوين والقدح والذم، وتركيب الأفلام والسيناريوهات للإبعاد أو الإقصاء، إنها ذهنية من يفقد الثقة بنفسه، أو من يشعر بمركب النقص في زمن تطورت وتفدمت الأجيال بفكرها ووعيها.
لهذا يجب التأكيد على أن الذهنية في العمل هي الأساس قبل تحديد الدم وفئاته المتنوعة، فلا ضير في الدم إن كان قديما أو جديدا إذا إقترن بعقلية تستقطب الواقع وتعي مسؤولية التغيير والتطوير وتحسين في الآداء، وكم من أشخاص مروا في التاريخ وتركوا بصماتهم الناصعة لأنهم إشتغلوا على انفسهم وطوروها نحو الأفضل والأحسن، إن الحياة هي في حركة دائمة من يلتقطها يسجل في صفحتها البيضاء أما من يخفق في إلتقاطها فيسجل إسمه في صفحتها السوداء، وتبقى العبرة لمن إعتبر.