لماذا بدّلت تركيا مواقفها السياسية؟

عبدالله ملاعب

أنباء الشباب

صُدمنا نحن العرب، ووقفنا مبهورين أمام السياسة التركية الجديدة التي حلّت ككارثة إنسانية أخلاقية على كافة المعارضين السوريين الذين إستقبلتهم تركيا.

فالسياسة التركية الجديدة بعيدة كل البعد عن النظرة التي تكونت لهذه الدولة تحت قاعدة أنها المعارِضة الأولى للسياسة الروسية لا بل المقاتلة السياسية الأشرس في صفوف الثورة السورية. لكن إن تعمقنا أكثر في التصريحات التركية الداخلية ودرسنا ابعادها، نكتشف أن تركيا لم تفاجئنا، بل حضّرت سُفنها للابحار بمحاذات مصالحها الداخلية وبالتالي عكس التيار السعودي السني العربي. فما هو الهدف الذي تسعى تركيا للوصول إليه؟ وكيف حتّم عليها التقرب من الخصوم لتحقيقه؟

“أصدقاء أكثر، أعداء أقل”: هذا هو شعار رئيس الحكومة التركية الجديد علي بن يلدرم الذي ما لبث أن بذل قصارى جهده لتحقيقه منذ تبؤه المنصب الوزاري. يلدرم صديق أردوغان الجديد كان قد أعلن عن سعيه وراء تعديل الدستور لمنح رئيس البلاد صلاحيات أوسع، وبالتالي تحقيق حلم أردوغان الذي يسعى لتوسيع نفوذه في شتى الطرق.

إنطلاقاً من هذا الشعار وذاك الهدف، أعربت تركيا رسمياً عن نيّتها في ترطيب العلاقات التركية الاسرائيلية. فأعلن يلدرم عن توصّل الطرفين إلى وثيقة تفاهم للتطبيع وإعادة العلاقات التركية الاسرائيلية بعد قطيعة كانت قد بدأت منذ ست سنوات عند التعرض لسفينة “مرمرة الزرقاء” التي حاولت كسر الحصار على غزة في أيّار 2010.

اردوغان نتنياهو

أما بعد، وفي الايام التي تلت هذا التقارب التركي الاسرائيلي، قدّمت السلطات التركية إعتذاراً رسمياً للسلطات الروسية جرّاء التعرض للمقاتلة الروسية التي حلقت على الحدود السورية في شهر تشرين الثاني الماضي.

وبحسب الكرملين تضمن هذا الاعتذار دعوة تركية لاعادة العلاقات الروسية التركية الى طبيعتها. فأتت الاستجابة الروسية برفع الحظر الاقتصادي عن تركيا. محققاً اردوغان بذلك، مكسباً اقتصادي متين ومُربح خاصة بعد تفجيرات مطار “أتاتورك”.

في هذا السياق المزدوج والقائم على التقرّب التركي من روسيا بالرغم من التباين في الملف السوري، ظهر تقارب أكثر إزدواجي وأكثر طعناً للقضية السورية وللثوار السوريين الذين جعلوا من تركيا القلعة المحصنة و الداعمة لهم ضد سفك الاسد واجرامه.

هذا التقارب المتمثل بترطيب العلاقات بين أنقرة ودمشق عبر وساطة جزائرية ومحاولة خلق علاقات جديدة بين تركيا والنظام السوري. الفريقان وبالرغم من العداء والكراهية، جمعتهما المخاوف التركيا من قيام دولة كردية مستقلة وشبيهة للدولة القائمة في العراق. فأردوغان لا يخفي خوفه من قيام دولة كردية مستقلة في سوريا.

من هنا خفف خطابه الشرس الهادف لإسقاط الأسد وإلغاء دوره ونظامه الديكتاتوري. فبحسب الملفات التركية بات لا بد من التعاون مع سوريا بهدف ضمان عدم قيام اي دولة كردية سورية من شأنها تفجير الاحتقان الكردي في تركيا وتضييق الخناق اكثر على اردوغان لمنح أكراد بلاده الاستقلال خاصة أن الوجود الكردي في تركيا هو الاكبر في المنطقة. فهل سيعود الاسد حليف أردوغان وإن إشتدّت جبروت براميله؟

الاكراد

هذا التخوف التركي من الأكراد، لم يقف عائقا أمام تحقيق مشهد سينمائي خرافي جعلنا نشعر بأن أردوغان قد تبدّل بشخصية أخرى. فبسحر ساحر استقبل أردوغان زعيم إقليم كردستان علي برزاني، إستقبال الزعماء وكرّمه برفع علم الاقليم الذي لطالما أرعب السلطات التركية. أما الغاية فكانت تفعيل العلاقات التجارية بين تركيا وكردستان في الوقت الذي تستحوذ فيه كردستان على 70 بالمئة من مجمل التبادل التجاري القائم بين تركيا والعراق.

وفي السياق عينه، لم تقف تركيا عند هذا الحدّ، بل استبسلت في خيانة العرب وفي خيانة شعاراتها الرّنانة. فتسعى اليوم إلى ترطيب العلاقات مع إيران وكسر الجليد التاريخي بين العثمانيين وايران الصفوية الفارسية عبر مدّ اليد نحو إيران لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. فقد سبق وأعلن داوود أوغلو عن نيّته في رفع قيمة المبادلات التجارية مع إيران إلى الـ50 مليار دولار خلال الأعوام الـ3 القادمة.

ختاماً، نستطيع وبالفم الملآن أن نقرّ بأن السياسة هي فقط فن الكذب بالنسبة للبعض. فما دمرّه أردوغان في تصريحاته وخطاباته وحتى اجراءاته المتشددة لصالح الشعب السوري والفلسطيني، عادت وعمّرته المصالح التجارية والاقتصادية. عليه، هل فجأةً غابت أخبار الاجرام الاسدي والروسي عن مسامع السلطات التركية؟ هل فجأة لم يعد هناك فلسطين وقضية محورية ملازمة لهذه الارض؟

Untitled

أم أن الشعارات الاسلامية التي أطلقتها تركيا هي شعارات زائفة مضحكة؟ شعارات إستخفاف بالعقل العربي الذي ظنّ يوماً أن تركيا تساند فلسطين في محنتها التاريخية وتسعى جاهدة لتشكيل قطب إقليمي يقف بوجه النظام السوري القاتل! فقد تبيّن اليوم أن تركيا لا ترى سوى المصالح الاقتصادية وتعود وتتراجع عن اي موقف سياسي يقلّص أرباحها المالية. وإن كان موقف إنساني، إلزامي، مشرّف. إنّها مسرحية الاقنعة في كرنفال المصالح.