البيروقراطية الادارية تنقضُّ على نتائج الانتخابات البلدية

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الانتخابات البلدية والاختيارية التي حصلت في شهر ايار/ مايو الماضي؛ شكَّلت حدثاً بالغ الاهمية في سياق الإنطباق السياسي الذي تعيشه الساحة اللبنانية. ووجود بعض الشوائب التي اعترت العملية الانتخابية هنا او هناك؛ لا يُلغي التسليم بنجاح العملية، ولا يُقلِّل من اهمية الإنجاز الذي حققته وزارة الداخلية بوحداتها المختلفة، وعلى رأسها الوزير نهاد المشنوق.

قانون البلديات رقم 188/77 متطور الى حدود بعيدة في معظم جوانبه، وهو ينصُّ على صلاحيات واسعة للمجالس البلدية ولرؤسائها، ولكنه بالمقابل يخفي بعض الثغرات الكبيرة التي يمكن ان تنفُذ منها البيروقراطية الادارية لشلّ اعمال البلديات – او التحكُّم بها – من وقتٍ الى آخر. كما يوجد زوايا غير مرئية في القانون، تُخضِع البلديات برمتها لهيمنة السلطة التنفيذية في الدولة، وللتأثيرات السياسية. ويتحوَّل رؤساء البلديات واعضائها مع هذا الوضع الى وجهاء محليين، قوتهم مُستمدَّة من تقرُّبهم من الدوائر الحكومية؛ الادارية والامنية. واكثر من ذلك؛ فإن قسم كبير منهم يتحولون كجزء من ماكينة السلطة المركزية، بينما حقيقة الامر ان العمل البلدي؛ هو القاعدة لللامركزية الادارية والتنموية.

مع انتهاء الانتخابات، شَرَعت البلديات الى تجديد القرارات التي تتعلَّق بالتواقيع المُعتمدة للمسؤلين فيها، ولتكليف أُمناء للصناديق من الاعضاء المُنتخبين في البلديات الصغيرة التي لا يوجد فيها موظفين – وهذا الامر طبيعي لكون العمل البلدي تطوعي في مُعظمه، والموارِد المالية لبلديات عديدة لا تتحمَّل مزيداً من التوظيف – لكن المفاجأة ان دوائر وزارة الداخلية – لاسيما المديرية العامة للمجالس المحلية – لم تبُث في غالبية المعاملات التي حوِّلَت اليها منذ اكثر من شهر، واعمال اغلبية البلديات مُعطَّلة بإنتظار الموافقات من سلطات الرقابة الادارية، وتدور المُعاملات بين مكتبٍ وآخر، وفي كل مرة يتم طلب مستندات جديدة لضمها الى هذه الملفات، من دون ان يكون لهذه المستندات اي قيمة جوهرية على محتوى المُعاملة، ولا نقول ابداً ان هذا الامر يحصل بطلب من الوزير او المدير العام، ونعتقد ليس بعلمِهِما ايضاً.

التداخُل المُبالغ فيه بين سلطة البلديات والسلطة المركزية؛ يُكبِّل العمل البلدي، برغم ان معظم هذا التداخل غير ملحوظ في القوانيين المرعية، ولا في المراسيم التطبيقية. وتعثُّر الاداء السياسي عند السلطات التشريعية والتنفيذية في لبنان؛ يكاد يتمدَّد الى المساحة المُخصصة للهيئات المحلية، برغم الإندفاعة الواضحة التي احدثتها الانتخابات البلدية الاخيرة في جسم هذه الهيئات من خلال اعادة الثقة الشعبية ببعضها، وتجديد بعضها الآخر.

ويتمدَّد التأثير بالتعطيل الى نواحي عديدة من اعمال البلديات الجديدة. فعدم إلتزام الحكومة في مواعيد دفع مستحقات البلديات من الصندوق البلدي المستقل، يؤدي حُكماً الى خلل اداري وأدائي في هذه البلديات، ولإخلال واضح في تنظيم موازناتها وفي التزامات مدفوعاتها، وبالتالي ارباك خططها التنموية، لأن اغلبية البلديات الفقيرة في عائداتها المحلية تعتمد على عائدات الصندوق البلدي في مصارفاتها. علماً ان اموال الصندوق البلدي وعائدات الهاتف والمياه والكهرباء المُخصصة للبلديات؛ هي امانة عند الدولة، وليست جزء من الاموال العمومية المركزية، وهذه الاموال يجب ان توزَّع على البلديات بإنتظام، وفقاً لما ينصُّ عليه المرسوم رقم 1917.

قانون البلديات رقم 118 وُضِع لكي يبقى التأثير الحكومي والسياسي موجود على المجالس البلدية الى حدودٍ معينة من خلال الرقابة المركزية، وهذا الامر قد يكون مشروعاً نظراً للخصوصية اللبنانية التي تجمع بين ارقى المفاهيم الديمقراطية والمدنية، وادنى مستوى من الارتجالية والعصبية والفوضى. ولكن وصول مستوى الرقابة البيروقراطية الى حد تعطيل عمل المجالس المُنتخبة؛ غير مقبول، وهو محل شكوى عارمة من اغلبية رؤساء البلديات الجُدُد، والذين بطبيعة الحال؛ يتجنبون الحديث علناً عن هذا الامر، لكي يتجنوا النقمة التي قد تطالهم من بعض طواقم الهيئات المركزية، او مسؤوليها.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية