من يجرؤ على إعلان برنامجه الرئاسي للشعب اللبناني؟

عزت صافي (الحياة)

لا يزال لبنان محسوباً من الدول «الديموقراطية» التي تجري انتخابات نيابية ورئاسية من دون إلزام معلن بانتخاب النائب أو الرئيس المطلوب. وإذا كان المرشحون للنيابة يتعبون في تدبيج بياناتهم وخطاباتهم الموجهة إلى جماهير الناخبين، مرفقة بصورهم وشعاراتهم، مع نبذات عن شخصياتهم ومؤهلاتهم، فإن المرشحين لرئاسة الجمهورية يحرصون على خوض معاركهم بالكتمان، وفي الكواليس، الداخلية والإقليمية، وبعضهم يعتمد على مراجع دولية.

هذه قاعدة متبعة منذ الاستقلال. فالرئيس اللبناني يُنتخب خارج البرلمان، ثم يتوجه إلى مجلس النواب للتصويت على تعيينه بالورقة السرية. وفي الحالتين لا بدّ من مرشّح منافس يخسر المعركة.

لكن معركة الرئاسة اللبنانية هذه المرة مختلفة عن كل المعارك التي سبقتها، وقد دخلت سنتها الثالثة وما تزال تدور في الفراغ المطبق على القصر الجمهوري، فيما مجلس النواب يفتح أبوابه للحفاظ على الشرعية الشكلية لمؤسسات الدولة، وهو فاقد الشرعية والصلاحية، مع حكومة تعمل مقدار ما تستطيع تحت مظلّته.

خرج الدستور ومعه القوانين من مجلس النواب إلى الشارع أيام نزول جماهير الحراك الشعبي إلى وسط بيروت مبشّرة بشعاراتها المكتوبة، وبأصواتها الهادرة: بدنا نحاسب.

لكن تلك الانتفاضة التي بشّرت بدور لأجيال الشبيبة اللبنانية ما لبثت أن همدت، وقد تناثرت في الهواء وعلى أرصفة الشوارع والساحات لافتات الكلام: ارحلوا يا حرامية!

وهكذا عاد الاستقرار الهش يخيّم على عاصمة لبنان. فلا الوزراء أبدوا اهتماماً، ولا النواب شعروا بأن النداء يعنيهم، ولا الهيئات الشبابية رأت أن من واجبها أن توضح لشعبها وجماهيرها لماذا توقفت عن الحضور في الشارع، وأين صار صوتها ووعدها: بدنا نحاسب؟!

صمتت بيروت والمناطق. لم يكن مطلوباً إحداث انقلاب. كان المطلوب، ولا يزال، ألا يبقى القصر الجمهوري مطبقاً في الفراغ، والعلم اللبناني مطوياً، ومجلس النواب لا يفتح أبوابه أمام النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، فلا النصاب يكتمل، ولا رئاسة المجلس تكفّ عن توجيه الدعوة للانتخاب. وقد يستمر التعطيل فينتهي مفعول التمديد الأول، ويُعاد التمديد، ويُعاد تعطيل النصاب لمنع انتخاب الرئيس، سنة بعد سنة، إلى أن تبصم الأكثرية على انتخاب الرئيس المطلوب، والمعيّن مسبقاً.

لكن إلى متى؟… الجواب المكتوم عند المرشح الرئاسي الجنرال ميشال عون، وعند «حزب الله». وفحواه: نذهب إلى مجلس النواب، ونكمل النصاب، ونحافظ عليه عندما نضمن علناً ومسبقاً فوز الجنرال. فقولوا ما شئتم أن تقولوا. قولوا هذه ليست ديموقراطية، وقولوا إنها مخالفة للدستور، وإنها تشكّل سابقة خطيرة، وإنها تضرب بالدستور عرض الحائط. قولوا ما تشاؤون، ولكم حرية التصرّف وحق الاحتكام إلى أي مرجع دستوري، أو إلى مرجعية دولية، عربية، أو غير عربية. اذهبوا إذا شئتم إلى المحكمة الدولية، أو إلى مجلس الأمن الدولي… نحن اتخذنا قرارنا هذا… فخذوا أنتم قراركم!

أمام هذا الواقع المغلق المرتبط بحروب المنطقة، وبانتظار نهاياتها المجهولة، وخصوصاً حرب سورية ومستقبل كيانها الجغرافي والشعبي، لن يستطيع لبنان الاستمرار في لعبة تقطيع الوقت وهناك فرصة لا تزال متاحة لملء الفراغ بمبادرة من صلب اللعبة الديموقراطية.

هناك أربعة مرشحين معلنين للرئاسة: الجنرال ميشال عون، النائب سليمان فرنجية، النائب هنري حلو والوزير والنائب السابق جان عبيد، فماذا يمنع أن يضع كل مرشح برنامجه الرئاسي ويعلنه على الرأي العام اللبناني والعربي وعلى المراجع الإقليمية والدولية؟

ليوضح كل مرشح باسم القاعدة التي ينتمي إليها ما هو مشروعه لإعادة بناء الدولة اللبنانية، وعلى أي أساس، ولأي مستقبل، ولأي لبنان يتطلّع ويعمل.

فمن يجرؤ أولاً على طرح برنامجه؟

بين المرشحين الأربعة المعلنين الجنرال عون وحده يستند إلى قاعدتين: تياره الوطني الحر، و»حزب الله». فهل يقدم على إعلان برنامجه؟

بين الجنرال و «حزب الله» وثيقة تعاون مشترك مبنية على قواعد استراتيجية في السياسة، والأمن، والإدارة، وصولاً إلى القاعدة الصلبة الخاصة بالمقاومة في مواجهة إسرائيل.

«حزب الله» لا يحتاج إلى شرح استراتيجيته. هي واضحة ومحددة على الأرض، وعلى الهواء السياسي والإعلامي المقروء والمسموع.

والجنرال عون لديه تاريخ طويل في المجالين العسكري والسياسي، وأول ما يتبادر إلى الأذهان سؤال: كيف سيوفق بين برنامج المقاومة وبرنامجه

ولدى الجنرال اقتناع بأن «حزب الله» سوف يكون شريكاً له، متعاوناً ومسهّلاً للأمور الصعبة.

وعندما يريد الجنرال أن يؤكد لبنانيته ووطنيته يقول: أنا مسيحي ماروني ملتزم مع «حزب الله» شعار: الشعب والجيش والمقاومة.

وعندما يريد «حزب الله» أن يؤكد هويته اللبنانية المدنية يقول إنه مع «التيار الوطني الحر»، وبين الحزب والتيار ميثاق وطني مكتوب فوق كل المواثيق.

وفي حين يدعو الحزب إلى فتح ورشة «السلة المتكاملة» لإعادة تكوين النظام اللبناني ومؤسساته، حسب رؤيته، على قواعد جديدة تؤمن العدالة والمساواة بين جميع اللبنانيين، يعلن التيار الوطني الحر أن «الموضوع ليس اسم الرئيس بل سلّة التفاهمات التي تعيد إنتاج نظام متوازن يعيد للمسيحيين دورهم التاريخي، وليس مجرّد تسوية تعيد رسم «ترويكا» ما بعد اتفاق الطائف».

ويُفهم من هذا النص أن هناك من سلب المسيحيين دورهم التاريخي في وطنهم. كما أن كلمة «المسيحيين» تعني المسيحيين اللبنانيين جميعهم، أي الموارنة، والأرثوذكس، والكاثوليك، والإنجيليين، والكلدان الآشوريين، وسائر طوائف الأقليات المسيحية.

وسبق للجنرال عون أن خاطب جمهوراً كان أمامه في الأول من تموز (يوليو) 2015 في الرابية، إذ قال: «إننا مدعوون اليوم إما للسكوت والاضمحلال، وإما للتهجير بالسيف». ثم يضيف: «إننا معرضون لخطر الوجود ممن حملناهم على أكتافنا».

هذا يعني أن هناك خللاً في ميزان الحقوق والواجبات بين مكونات الشعب اللبناني، وهذا يتطلب تصحيح الخلل لتستقيم الوحدة الوطنية ويتحصن الكيان اللبناني.

ولا بد أن لدى الجنرال عون رؤية لمعالجة العطب الوطني تستدعي المصارحة بين اللبنانيين من خلال ممثليهم في هيئتي التشريع والحكم.

ولعل الجنرال إذا أقدم على كشف مشروعه لتصحيح النظام السياسي كما يراه ويتمناه لأجيال المستقبل يوفر المزيد من الحصانة والمناعة لمنصب رئاسة الجمهورية، خصوصاً انه يعتبر رئاسة الجمهورية «حقه السليب» منذ تلك الليلة التي وقّع فيها الرئيس الأسبق أمين الجميل مرسوم تشكيل حكومة عسكرية برئاسة الجنرال عون قبل لحظات من مغادرته قصر بعبدا في أيلول (سبتمبر) 1988.

ذلك الماضي يمنح الجنرال «وسام الصبر»، فهو منذ 28 عاماً يتابع مشهد القصر الجمهوري الذي تركه خالياً حين أفلت من قبضة يده بالقوة. ولا بدّ أنه لا ينسى، ولن ينسى، أن طائرة حربية سورية أخطأت هدفها عمداً تنفيذاً لقرار قيادتها العليا في دمشق بقصف القصر الجمهوري في بعبدا حيث كان الجنرال محاصراً وهو على رأس حكومة عسكرية كانت فقدت نصف وزرائها بالاستقالة. حدث ذلك يوم 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1990.

تبقى إشارة لفتح ذاكرة الجنرال على مرحلة وعلى فرص مضت. ففي حديث للأخضر الإبراهيمي الذي كان مشاركاً في مؤتمر الطائف قال لجريدة «الحياة» بتاريخ 28 حزيران (يونيو) 2014:

«خلال جلسات مؤتمر الطائف، الأمر المؤسف هو أننا لم نستطع إقناع الجنرال ميشال عون بأن يأتي إلى جدة لحضور احتفال توقيع الاتفاق، على أن يتولى الجنرال تسليم القصر (قصر بعبدا) شخصياً للرئيس الجديد المنتخب. لكن للأسف لم يحصل ذلك».

وأضاف الإبراهيمي: «لم أعرض على الجنرال حصة معينة احتراماً لدور اللبنانيين في التفاهم بينهم». والحقيقة أن الدور الأكبر كان (للمغفور له) «الأمير سعود الفيصل».

فهل يخرق الجنرال عون القاعدة التقليدية لانتخاب رئيس الجمهورية، ويعلن برنامجه الرئاسي لأي لبنان يتطلّع، ويعمل، ثم يتوجه إلى مجلس النواب فيقتدي به المرشحون الآخرون؟

اقرأ أيضاً بقلم عزت صافي (الحياة)

العهد اللبناني «الجديد» لم يبدأ بعد

«حماس» × «فتح» = إسرائيل «فتح» + «حماس» = فلسطين

وثيقة برنامج رئاسي لبناني للاطلاع

جمهورية سوريّة ديموقراطية تولد في الخارج

لبنان «الطائف» على شبر ماء

فلسطين الثالثة في عالم عربي آخر

هـل أخطأ سعد الحريري؟

الديموقراطية على الطريقة اللبنانية

«حماس» ترمي نكبة غزة في ساحة رام الله والمهمة الأولى إعادة الإعمار

رؤساء الجمهورية اللبنانية وعلاقاتهم بفرنسا منذ الاستقلال

بوتين «القيصر» غير المتوّج على … سورية!

لبنان: لكل عاصمة وَفدٌ … و «دولة» وخطاب!

ما بين جمهورية ماكرون وجمهورية ديغول

هل بدأ ترسيم سورية «المفيدة لإسرائيل» ؟

صيف لبنان من دون عرب… ووعود السياسيين المتوارثة لا تتحقق

أي دور لإيران في المنطقة بعد تغيّـر كل شيء في سورية ؟

كمال جنبلاط مُستعاداً في مئويته

الجزائري حين يكون ناخباً فرنسياً

ترامب على أبواب القدس وعباس على باب البيت الأبيض!

سبعون سنة تحت الحكم العسكري: أي معجزة يمكن أن تنقذ سورية؟