قلق دولي على مستقبل لبنان

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

رغم غياب عدد كبير من سفراء الدول الكبرى عن لبنان بسبب الإجازات الصيفية؛ كانت المتابعة الدبلوماسية لما جرى في بلدة القاع كبيرة جداً، وازدادت التخوفات الخارجية من اضطراب واسع قد يصيب اكثر من منطقة لبنانية على خلفية التطورات المُتسارعة للأحداث في سوريا، بعد ان شعرت الحركات الارهابية، خصوصاً “داعش” بان هناك قرار دولي كبير يهدف الى القضاء عليها، رغم الشكوك الواسعة التي تحيط بهذا القرار، نظراً لإخفاقات الجيش العراقي  في الفلوجة، وتراجع الجيش السوري عن مهاجمة الرقة، وفشل جيش سوريا الجديد في الدخول الى مدينة البوكمال الحدودية.

وبعيداً عن التكتُّم الذي يتعامل بموجبهِ السفراء في القضايا الحساسة؛ تنقُل جهات على صِلة بمراجع دولية مُهتمة بما يجري في المنطقة بشكلٍ عام، وفي لبنان بشكلٍ خاص؛ كلاماً يبعث على القلق، عن المسقبل اللبناني. وما اسفرت عنه المباحثات التي جرت مؤخراً بين المسؤولين الفرنسيين ووزير خارجية ايران حول لبنان في باريس؛ زاد من مسحة التشاؤم. كما ان إعلان وزير خارجية المملكة العربية السعودية من باريس ذاتها: ان ملف الرئاسة في لبنان اسير عند حزب الله، يُشكِلُ امتداداً لمساحة القلق ذاتها. فبارقة الامل التي كانت تلوح من خلف التحرُّك الدبلوماسي الفرنسي قد أُجهضت على وقع التشنُجات الاقليمية.

وقد اكدت ردود الفعل الدولية على العمليات الارهابية التي استهدفت بلدة القاع البقاعية؛ المخاوف، ونقل بعض الدبلوماسيين رسائل الى مسؤولين لبنانيين، تُحذِّر من مغبة الاستهتار في مواجهة التحديات القادِمة. ذلك ان الإختلال السياسي الواسع الذي تعيشه البلاد؛ يُعطي فرصة للمُتربصين شراً؛ لتنفيذ مُخططات قديمة – جديدة- يتلاقى فيها اطرفا الصراع في سوريا – خصوصاً النظام والمجموعات الارهابية – على هدفٍ واحد، هو: إشعال المنطقة برمتها. ويصل التحليل عند بعض المُتابعين؛ الى حد اعتبار العمليات الارهابية الداعشية موجهة من جهات استخباراتية اقليمية، والعمليات الانتحارية الاخيرة التي استهدفت بلدة مسيحية آمنة في البقاع الشمالي؛ لم تحصل بالمصادفة.

حالة القلق الدولية الكبيرة على مستقبل لبنان، عبرت عنها بوضوح التصريحات التي اعقبت تفجيرات القاع. فالبابا فرنسيس على غير عادته، لم يكتفي بتصريح الناطق بأسم الفاتيكان للتعبيرعن الإدانة، بل دعى شخصياً اللبنانيين الى الإلتفاف والتضامن للحفاظ على الدولة ومؤسساتها الشرعية. وعلى ذات المستوى من الاهتمام تعاملت الناطقة بأسم الخارجية الاميركية اليزبيت ترودو، وسفراء ايطاليا وبريطانيا في بيروت. وكان هاجس الجميع الطلب من اللبنانيين الالتفاف حول مؤسسات الدولة – وفي المُقدِمة الجيش – لمواجهة الاخطار المُحدقة.

ولم يأتي التشاؤم الذي عبر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري من فراغ، بل ان المعلومات التي قال انه يملكها عن خطة لإستهداف قوات اليونيفل في الجنوب؛ تنمُّ عن رؤية ارهابية مُتكاملة لزعزعة الاستقرار اللبناني برُمته. ورئيس الحكومة تمام سلام عبر عن خشيته من الإنزلاق الى الهاوية لكوننا نستهلك كل الفرص المُتاحة من دون الوصول الى حلول للمُعضلات الدستورية. اما رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط فقال: “اننا نُصغر لبنان الكبير بخلافاتنا، ولا يمكن مواجهة الامن المُتفلِّت من دون استقرار سياسي”، اما اهتمام التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الاستثنائي بما جرى في القاع، فيحمل خوف كبير من مخطط واسع يستهدف المسيحيين على وجه التحديد، ولعلَّى هذا الخوف كان الدافع الاساسي وراء الزيارة العاجلة التي قام بها الدكتور سمير جعجع للرئيس سعد الحريري في بيت الوسط، حيث يُحكى عن مؤامرة لتحويل الصراع السني – الشيعي الذي فشل في البقاع  الى صراع اسلامي – مسيحي.

يشعُر الكثيرون من المواطنيين اللبنانيين، ومن القوى السياسية؛ ان الإنقاذ للوضع الخطير يحتاج الى تدخُلات خارجية. ولكن الاضطراب الواسع الذي يُصيب العلاقات الدولية والاقليمية في هذا الوقت بالذات؛ لا يخدم القضية اللبنانية على الإطلاق، فلكلٍ من هذه القوى المعنية؛ مشكلاتها واهتماماتها، وهي مُنصرفة عما يجري في لبنان، او انها تستخدم ما يجري لصالح تقوية نفوذها وتوسيع دورها. اما المُطالبة بفرض حماية دولية كاملة على لبنان – وفقاً للقرارين 1559 و 1701؛ قد يكون خياراً واقعياً، ولكنه بالتأكيد غير قابل للتنفيذ.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية