ما هي التحديات والمخاطر التي يواجهها القطاع المالي والمصرفي اللبناني؟

ربيع كمال الدين (الأنباء)

لا يختلف اثنان في لبنان أو خارجه على إعتبار القطاع المصرفي والمالي اللبناني من المقومات الأساسية والركيزة الأقوى التي ساعدت في صمود الإقتصاد اللبناني وساهمت في تحسين وتلميع صورة البلد في الخارج لا سيما تجاه المؤسسات والمنظمات المالية الإقليمية والدولية، وفي مختلف الظروف التي مر بها لبنان سابقاً. ربما هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها هذا القطاع لمخاطر كبيرة جدية قد تؤثر على مستقبله ومسيرته السابقة بأكملها وتجعله عرضة للتجاذبات السياسية المحلية وللعزلة الإقليمية والدولية ، والسبب هو قانون العقوبات المالية الأميركي المفروض على حزب الله أو ما يسمى بـ”قانون مكافحة تمويل حزب الله دولياً”. فما هو هذا القانون وما هي مفاعيله وهل من بصيص نور في نهاية النفق؟؟

بالطبع إن الإجراءات والقرارات الدولية الهادفة للتضييق على حزب الله مالياً، ليست بجديدة، فقد تم في العام 1997 إدراج الحزب على لائحة الإرهاب الأميركية، وقد أثر ذلك في حينه قليلاً على حرية الحركة المالية واللوجستية إلا أن مفعول هذا القرار على أرض الواقع لم يكن كبيراً جداً نظراً لعدة عوامل أهمها: عدم صدور ذلك بموجب “قانون” ملزم لجميع الأطراف المالية، إقتصار هذا التصنيف على الجهة الأميركية فقط وعدم إعتماده عالمياً، إضافةً إلى عدم التشدد في حينه عالمياً بموضوع مكافحة تبييض الأموال والارهاب. في العام 2013 صُنف “الجناح العسكري” لحزب الله إرهابياً من قبل الإتحاد الأوروبي، وهذا القرار أيضاً لم يؤثر بشكل جدي على مسار الحزب المالي حيث أنه شمل فقط الشخصيات العسكرية في الحزب وهي بمعظمها سرية بالأسماء ، التحركات وبالطبع التحويلات المالية. في الفترة الأخيرة قامت معظم الدول العربية بادراج هذا الحزب على لوائح الإرهاب، إلا أن ذلك أيضاً وأيضاً لم يؤثر على مالية الحزب أو على “بيئته الحاضنة”.

في السنوات الأخيرة وفي إطار مكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب وضعت المنظمات المالية العالمية والأميركية لوائح كـالـ”أوفاك” أو الـ” أس دي أن” بأشخاص أو مؤسسات تساهم (ومن وجهة نظرها) بتبييض الأموال أو بتسهيل أعمال أو تمويل منظمات إرهابية، وهي تعتبر جداً قاسية في هذا السياق إلا أنه كذلك حزب الله لم يتأثر كثيراً بها، فمصادر تمويل الحزب والذي أشار إليها أمينه العام في حديثه بالأمس هي بمجملها من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتصل للحزب بطرق مختلفة دون اللجوء إلى المصارف مطلقاً.

في شهر كاون الأول من العام 2015 أصدر مجلس النواب الأميركي قانون “مكافحة تمويل حزب الله دولياً” وهو قانون ملزم لكافة المصارف العالمية، كونه وفي إطار النظام المصرفي والمالي العالمي فإن معظم بنوك العالم مجبرة على تنفيذ القوانين المالية الأميركية أو تصبح بحالة عزلة دولية أي خارج هذا النظام. وقد تضمن هذا القانون صراحة فرض عقوبات على أي مصرف يقوم أو يقبل بفتح حساب أو تحويل أموال لأي شخص أو مؤسسة على علاقة بحزب الله. المبدأ نفسه، والإجراءات متشابهة إلا أنها هنا صدرت بقانون ملزم وهي تطال “البيئة الحاضنة” للمقاومة، وهنا بيت القصيد.

حزب الله ومصرف لبنان

إذاً، المصارف اللبنانية واقعة اليوم بين مطرقة القانون الأميركي وسندان حزب الله، لا يمكنها التفلت من مفاعيل هذا القرار أو تطبيقه مجتزأ أو حتى قيام كل منها بتطبيقه وفقاً لما يرتئيه ولما تقتضيه مصالحه مع الحزب، ومن هنا جاء تعميم حاكم المصرف المركزي رقم 137 في شهر أيار الماضي ليظهر للعالم مدى التزام لبنان والمصارف اللبنانية بموجبات هذا القانون تفادياً لاجراءات دولية مالية لا تحمد عقباها (كإعتبار القطاع المصرفي اللبناني غير ملاءم أو متطابق مع المعايير الدولية مما يسبب عزلة مالية دولية بالتحويلات وغيرها..). وفي الجهة المقابلة، لا يمكنها تطبيقه بشكل كامل وصارم أو الإستمرار بالحالة العشوائية التي إبتدأت بها بعض المصارف من إجراءات “شبه تعسفية” بحق كل ما يمت إلى حزب الله بصلة، مما سبب بحالة من الغليان والغضب في بيئة الحزب وقيادته وقد خرج الموضوع إلى العلن على لسان نواب ومسؤولي الحزب وبشكل تهديدي في بعض الأحيان، ومن هنا أيضاً جاء إصدار البيان التوضيحي للتعميم المذكور وقد عدّل بموجبه الحاكم آلية تطبيق التعميم لناحية توسيع صلاحية هيئة التحقيق الخاصة، حيث أصبح يحق قانوناً لهذه الهيئة، دون سواها، الاطلاع على الحسابات الدائنة والمدينة من دون الاعتداد تجاهها بالسرية المصرفية. وقد بدأت بوادر حلول وعلى الطريقة اللبنانية تظهر في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد التفجير الذي استهدف بنك لبنان والمهجر، حيث أن بعض الأوساط أشارت إلى أنه تم مؤخراً وضع بعد الإستثناءات لناحية المؤسسات الإنسانية والطبية التي لها علاقة بالحزب، كما أن المفاوضات قائمة وبشكل دائم وحثيث بين حاكمية مصرف لبنان ووزارة المالية وقيادة الحزب لإيجاد السبل الأنجع لتخطي هذه المرحلة الصعبة على الطرفين.

في النهاية، لا بد لنا وأن نشير إلى أن القطاع المصرفي الذي يمثل نحو 6% من الناتج الوطني اللبناني، والذي يؤمن تحويل أموال المغتربين التي تقدر بنحو 8 مليارات دولار سنوياً، هو آخر مقومات صمود الإقتصاد الوطني اللبناني مهما إختلفت الآراء بشأن نسب الأرباح والعائدات التي حققها هذا القطاع سابقاً. وعليه، على الجميع التكاتف والتعاون للوصول إلى حلول تحفظ سمعة ومصداقية هذا القطاع وبالتالي سمعة لبنان المالية إقليمياً ودولياً.