أين التسوية الشاملة من “جريمة القاع” وبراكين المنطقة المشتعلة؟

ما بين قلب بلدة القاع وجرودها المتداخلة مع جرود رأس بعلبك وعرسال والتي ينتشر فيها مسلحي “داعش” و”جبهة النصرة” يستمر الخطر الداهم الذي يتهدد لبنان بأمنه واستقراره طالما أن البركان السوري الكبير مستمر في قذف حممه الملتهبة باتجاه جميع دول الجوار.

فما جرى في بلدة القاع من تفجيرات انتحارية هو جزء لا يتجزأ من هذا الخطر الداهم الذي لا يمكن أبداً فقط مواجهته من خلال المواقف الشعبوية لبعض أصحاب المزايدات من هنا أو هناك، بل أن مواجهة كل أخطار هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر بها لبنان والمحيط والجوار لا يكون إلا من خلال انهاء حالة الشغور الرئاسي التي لا يجوز استمرارها نظرا لعواقب هذا الشغور الوخيمة ليس فقط على موقع رئاسة الجمهورية وحسب بل أيضا على الجمهورية كلها وعلى وحدة واستقرار وانتظام عمل الدولة اللبنانية ومؤسساتها لا سيما العسكرية والأمنية منها.

لذلك مرة جديدة تخطأ بعض القيادات التي تضفي على نفسها سمة “الصقور” في حساباتها ومقاربتها للوقائع والأحداث التي يتم في أغلب الأحيان وبحسب اوساط بارزة تحليلها استنادا إلى الأحلام والتمنيات في حصول متغيرات سريعة في الداخل أو في الإقليم تصب في خدمة ومصالحهم طموحاتهم السياسية الآنية والتي لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع إلا في المخيلة الواسعة لهؤلاء “الصقور” الذين يتعاطون بخفة لحد هذه الحظة مع التسوية الشاملة أو السلة الكاملة التي توفر توافق سياسي حول انتخابات رئاسة الجمهورية وقانون الإنتخاب الجديد وعنوان الحكومة المقبلة في العهد الجديد.

فما قدم لغاية اليوم من أفكار حول التسوية الشاملة وسلتها المتكاملة هو ما سنصل إليه عاجلا أم آجلا مهما تكابرنا ومهما تصلبنا ومهما مارسنا من شعبوية ومزايدات عبثية، إلا أن الفرق هو ما بين أن نذهب جميعا كلبنانيين نحو التسوية الشاملة برضانا التام وبكل مسؤولية وعقل منفتح لحل شؤوننا وقضايانا أو نذهب تحت ضغط الأحداث الأمنية ومخاطر الفتنة والفوضى في البلاد وذلك برعاية القوى الإقليمية والدولية التي ستتعاطى معنا عند بحث هذه التسوية كقاصرين غير جديرين بإدارة شؤون بلادنا. وبالتالي فأن تكاليف وأعباء تلك التسوية ستكون أكبر بكثير على البلاد والعباد كون مصالح الدول الكبرى وتعقيدات علاقاتها واستراتيجياتها تجاه كل المنطقة سيجعل لبنان في هذه التسوية جزء لا يتجزأ من لعبة الأمم الجهنمية التي لا تعير اهتماما لمصالح الشعوب وحقوقها المشروعة بل فقط لمصالحها.

دون أدنى شك بان الأزمة السورية قد استنزفت بشكل كبير جميع القوى التي تورطت في وحول الميدان السوري وصحيح ايضا بأن اللعبة في سوريا باتت أكبر من جميع القوى الإقليمية ومن بينها حزب الله الذي لا يمكنه وحده أن يقرر مصير الأزمة السورية المحكومة بمسار الحل السياسي الذي سيقرره الكبار في نهاية المطاف استنادا إلى معطيات كثيرة أهمها معطى تقاسم النفوذ ضمن بنيان النظام الإقليمي الجديد الذي يتم تحديد معالمه بدقة في كل أرجاء منطقة الشرق الأوسط بين أميركا وروسيا وسائر القوى الكبرى في العالم.

بناء على ذلك فأنه في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المتشنجة في منطقة الشرق الأوسط والتي تنذر بشكل واضح لا يحتمل أي التباس أو تأويل في إن الأمور ذاهبة نحو المزيد من المواجهات والصراعات الإقليمية والدولية،ليس المطلوب من القوى المحلية اللبنانية اجتراح المعجزات بكبسة زر أو تحميل الحوار القائم بينها أكثر ما يحتمل بل أنه مجرد استمرار هذا الحور بين المكونات السياسية الأساسية في البلاد في هذه المرحلة هو بحد ذاته انجاز يجب الحفاظ عليه من خلال تشجيع خيار الحوار كسبيل وحيد لإعادة تفعيل عمل الحكومة وسائر المؤسسات، وللوصول إلى حلول للقضايا الرئيسية في البلاد والتي يأتي في مقدمتها انجاز الاستحقاق الرئاسي المطلوب من الحوار الحالي السعي بكل جدية ومسؤولية إلى توفير المناخات الملائمة التي تسمح بانتخاب رئيس جديد للبنان في أقرب وقت ممكن.

وكي لا نكون متفائلين أكثر من اللزوم، قد لا يكون هناك من تعويل سياسي كبير على الحوار الجاري في ظل التعقيدات الاقليمية الكبيرة التي ترخي بأثقالها السلبية على اوضاع لبنان وقضاياه الشائكة، لذلك أن الحوار القائم قد لا ينجح بسرعة في تحقيق اختراقات جدية وفعلية في الملفات السياسية الراهنة والتي يأتي في مقدمها انهاء حالة الشغور الرئاسي في قصر بعبدا وقانون الانتخابات وغيرها من النقاط المرتبطة باستكمال تطبيق بنود اتفاق الطائف، إلا أن هذا الحوار يستطيع في هذه المرحلة إيجاد مظلة أمنية وسياسية داخلية إضافية حاضنة للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية من خلال تفعيل عمل الحكومة، فهذا الأمر من شانه أن يخفف على الأقل انعكاسات حمم البراكين المشتعلة في محيط لبنان وجواره التي من المستحيل أن يبقى لبنان بمنأى كامل عن نيرانها الحارقة إلا أن مثل هذا الحوار سوف يسهل امكانية وقدرة لبنان الداخل على إطفاء هذه الحرائق بأقل الأضرار الممكنة على أمنه واستقراره وسلمه الأهلي وعيشه الوطني المشترك.

________________

(*) هشام يحيى