“معاريف”: كان في الإمكان الحصول على اتفاق أفضل مع تركيا

من المهم معرفة ماذا سيقول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن اتفاق المصالحة مع تركيا لو كان ضده. ربما سيكرر حجته القائلة إنه من الأفضل عدم التوصل إلى اتفاق بتاتاً من التوصل إلى اتفاق سيئ، مثلما قال عن الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته الولايات المتحدة والدول العظمى قبل نحو سنة.

لكن نتنياهو الآن هو الإشبين الأساسي للاتفاق وهو بالطبع يكيل له المديح. لكن هذا الاتفاق اشتمل على بنود تثير الغضب كان في الإمكان تحسينها، كما كان في الإمكان توقيعه قبل سنوات. وعلى الرغم من هذا كله، فهو في المحصلة اتفاق تفرضه الضرورة.

 إن البند الأكثر اثارة للغضب هو موافقة إسرائيل على دفع 20 مليون دولار للحكومة التركية، التي ستنشئ صندوقاً من أجل تحويل الأموال إلى عائلات مواطنيها التسعة الذين قتلوا خلال السيطرة الفاشلة على سفينة مافي مرمرة قبل ستة أعوام. وهذا يثير الغضب لأن المشاركين في الأسطول كانوا مسلحين بسلاح أبيض وبمسدس واحد، وجاؤوا بهدف استفزاز الجيش الإسرائيلي والاشتباك معه. وهذا يثير الغضب لأن إسرائيل دفعت مبالغ أقل إلى عائلات البحارة الأميركيين الـ34 الذين قتلوا وعشرات الجرحى الذين أصيبوا من جراء الغارة الجوية التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي على سفينة التجسس الأميركية ليبرتي أثناء حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967]، على الرغم من أن الولايات المتحدة ليست مثل تركيا، فهي حليفة لإسرائيل، والهجوم على ليبرتي وقع من طريق الخطأ.

 لقد كانت تركيا بحاجة إلى الاتفاق أكثر من إسرائيل، فقد فشلت سياسات أردوغان الدبلوماسية والأمنية، ووجد أردوغان نفسه معزولاً وفي مواجهة مع جيرانه – روسيا، سورية، وإيران – وفي حرب ضد الأقلية الكردية داخل بلاده. وشكل هذا بواعث للضغط وكان في الإمكان استغلال وضع أردوغان الضعيف من أجل الإصرار على صفقة أفضل. كما كان في الإمكان، لا بل كان ضرورياً، إجبار تركيا على أن تمارس ضغطاً حقيقياً على “حماس” من أجل إطلاق المدنيين الإسرائيليين وإعادة أشلاء الجنديين شاؤول أورن وهدار غولدين. وحالياً ستضطر إسرائيل إلى الاكتفاء برسالة تعهدت فيها تركيا ببذل كل مساعيها من أجل مساعدة إسرائيل في هذا الموضوع. وثمة شك كبير في حدوث ذلك.

 حالياً تجد إسرائيل نفسها في الوضع عينه الذي تعرفه والذي تقول في كل مرة إنه يجب عليها عدم الوصول إليه، فهي مضطرة إلى اجراء مفاوضات صعبة مع “حماس” لإعادة مواطنيها وجثمان الجنديين. وكما حدث سابقاً، فإذا لم توافق على دفع ثمن مؤلم فلن تكون هناك صفقة.

 على الرغم من ذلك، فالاتفاق يحقق لإسرائيل انجازات لا يمكن الاستهانة بها. فالقيادة العسكرية وأعضاء الذراع العسكرية في “حماس”، وليس القيادة السياسية، لن يكون في إمكانهم استخدام الأراضي التركية قاعدة لنشاطاتهم الإرهابية أو للتخطيط لهجمات ضد إسرائيل. من جهة أخرى، لم تتنازل إسرائيل ولم ترفع الحصار عن غزة على الرغم من كلام رئيس الحكومة التركية وكل العتاد الذي سيشحن إلى القطاع عبر ميناء أسدود حيث سيخضع لتفتيش أمني. كما أن الاتفاق سيمنع تركيا من مواصلة ملاحقتها القضائية للجنود والضباط الإسرائيليين المتورطين في حادثة مرمرة، كما سيساهم في استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الدولتين وسيحسن من علاقاتهما الاقتصادية. وهو سيتيح بصورة خاصة لإسرائيل تصدير جزء من الغاز الذي لديها لتركيا ومن هناك إلى أوروبا. ولن تعارض تركيا أيضاً دخول إسرائيل في المنظمات التي هي عضو فيها، وخصوصاً حلف شمال الأطلسي حيث يجب أن تتخذ القرارات بالإجماع.

لكن الأهم من كل هذا أن تركيا ستوظف مبالغ كبيرة في بناء مستشفى ومحطة لتوليد الطاقة (بالتعاون مع ألمانيا) في غزة، الأمر الذي سيخفف الضائقة الصعبة التي يعانيها مليون و800 ألف نسمة، وهذا أمر مهم، لأنه كلما تنفس السكان الصعداء ولو قليلاً، انخفضت فرص وقوع جولة حرب رابعة. ومن هذه الزاوية، فإن العبء الاقتصادي الملقى على عاتق إسرائيل من أجل مساعدة القطاع سيخف قليلاً. وفي هذا مصلحة إسرائيلية واضحة.

 على الرغم من احتمال أن يعارض وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الاتفاق وأن يصوت ضده أو يمتنع عن التصويت في المجلس الوزاري المصغر، فمن المتوقع أن يحصل الاتفاق على أغلبية للموافقة عليه غداً.

 لكن ممنوع أن نغرق في الأوهام، فالعلاقات الإسرائيلية – التركية لن تعود إلى ما كانت عليه قبل أكثر من عقد، وبالتأكيد ليس إلى ما كانت عليه قبل عقود. إن من يتحدث عن نشوء محور جديد يتألف من أنقرة – القدس، ويمكن توسيعه بحيث يشمل قطر والسعودية لا صلة له بأرض الواقع، إذ حتى لو تستأنف في المستقبل المناورات المشتركة بين الدولتين أو يشارك الجيش الإسرائيلي مع الجيش التركي في مناورات دولية، فإن العلاقات الاستخباراتية والعسكرية لن تصبح أكثر صلابة.

———————

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية