بئس هذا الزمن!

وهيب فياض (الأنباء)

يوم بلغ الصراع بين الشرق والغرب أوجه في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، وأصبحت القضايا العربية المركزية، وفي طليعتها فلسطين، وقضايا التحرر، مهددة في الصميم بسبب تضارب مصالح الدول الكبرى، يومها إجترح الزعيم جمال عبد الناصر، مع القائدين التاريخيين نهرو وتيتو معجزة ما يسمى بدول عدم الانحياز.
حركة ظاهرها عدم الولاء للشرق أو للغرب، وباطنها الحفاظ على مصالح وقضايا دول أعيتها الحيلة في ظل حرب باردة بين الجبارين، ولكنها محرقة لمن ينغمس فيها من الدًول.
واليوم نرى الحرب الباردة عند الكبار، براكين تتفجر في أمتنا العربية، وتقذف حممها على العالم أجمع فماذا تغير؟

الحرب الباردة
ولماذا لا يعيد التاريخ نفسه بأسماء جديدة وصور وظروف مختلفة ولكن تبقى العبرة واحدة.

إن الحاجة إلى سلاح الموقف والعقل الخلاق اليوم أكبر بكثير من الحاجة إلى السلاح الحربي الذي خزن العرب منه، ما جعل مستودعات الدول العربية أكبر مخازن للخردة التي لا تصلح منذ شرائها بالمليارات الا لإعادة التدوير، لأنها لم تستعمل لما اشتريت له من جهة، ولأنها من جهة أخرى ناقصة التجهيز والفعالية، ومرهونة في إستعمالها لذخيرة وتقنية وقطع غيار ممن باعها لنا.

وهي منذ يوم شرائها متخلفة عشرات السنوات عن السلاح الذي سيقابلها.

لماذا نحن بحاجة إلى العقل السياسي الخلاق؟

لان الأمس شبيه باليوم؟

بالأمس عراق خارج حديثا من نير الاستعمار، يغرق في صراعاته وانقلاباته، قوميون عرب من جهة، وشيوعيون وحلفاء للاتحاد السوفياتي من جهة أخرى.

الاتحاد السوفياتي1
فماذا تغير اليوم سوى تغير الأسماء لتصبح شيعة وسنة، وسوى حدة الصراعات حتى ليصبح ثقل ما خلفه الإحتلال الأميركي، بلا وزن مع ما تخلفه صراعات وحروب العراق اليوم؟

وسوريا صراع العسكر وحكم العسكر لا زالت نفسها ولكنها هذه المرة فوق نهر من الدماء تتدفق ينابيعه بغزارة وإلى أمد طويل وغير منظور.

وتحت وطأة الدمار الرهيب تتصارع الأديان والطوائف والمذاهب على طاولة من الزجاج الوطني المحطم الذي لا يجمع شظاياه آلا إطار يتداعى كل يوم بل كل ساعة، ناقلا العدوى إلى لبنان.

لبنان الذي كان حديقة خلفية للهاربين والمهددين والمخلوعين، يرتاحون فيه بين الجولة والجولة، أصبح اليوم دشمة أمامية تختزن كل أمراض وأوبئة الحرب الأهلية السورية مستترة وراء ستار هش كثير الثقوب آيل إلى الانهيار لينشر الوباء، والمتسترون وراءه يعتقدونه سُوَر الصين العظيم العصي على الاختراق، بل يراه بعض قصار النظر، منصة لتحرير الكون، مع أنه ونحن جميعا من ورائه لا نشكل ذرة من نقطة في محيط العالم.

بئس هذا الزمن!

قتلى بالملايين ولا شهداء بينهم.

سوريا-دمار-177

ودمار بالجملة على أمل إنتصارات وهمية لا تساوي تداعي منزل من طين في آخر ريف من الأرياف وتهجير ربما بلا أمل في العودة في ظل تغيير ديمغرافي، تجتمع فيه قطعان من نفس الفصائل وكأنها حيوانات برية تساق إلى مراعي جديدة.

وإحتكار الشعارات الفارغة من المضمون الملمعة بمسحوق طائفي ومذهبي لا يدوم طويلا، وكلما احتجنا للتلميع مجددا أضفنا إلى المسحوق شعارات أكثر تطرفا وأثمانا أغلى بشراً وحجراً.

الأمس واليوم وغدا، أمة ضحكت من جهلها الأمم، كلما حاولت إجتياز حاجز، وجدت نفسنا تقع في حفرة.

تاريخ يتكرر، فَلَو كان عبد الناصر حيا اليوم، فماذا كان ليفعل؟

سؤال كبير! قد لا يُجاب عليه بعدم الانحياز، حتى ولو كان عدم الانحياز بحد ذاته سلاحا في حالتنا الحاضرة.

إننا بحاجة إلى عقل سياسي خلاق يجترح معجزة تحاكي معجزة دول عدم الانحياز، ولكن بزي جديد يحاكي عصرنا ويستلهم عصر جمال عبد الناصر!