أبو فاعور في حفل تخرج “هايكازيان”: كونوا الفكرة التي تحارب المقصلة!

ألقى وزير الصحة العامة وائل ابوفاعور كلمة في حفل التخرج في جامعة هايكازيان تنشرها “الأنباء” كاملة جاء فيها يما يلي:

شرف كبير لي أن أدعى للتحدث في حفل التخرج هذا في هذه الجامعة العريقة المؤسسة لمبدأ المواطنية اللبنانية والتي تثبت أن الخلاص اللبناني لن يكون إلا باحتذاء هذا النموذج في المواطنية التي تقوم على الدمج لا على إلغاء الخصوصيات وعلى الجمع لا على النبذ.

وإني أسارع إلى الاعتراف أن ليس لي في تجربتي الشخصية ما يعينني على إسداء الكثير من النصح للخريجين أو استخلاص الكثير من العبر رغم أن لي في المنبت الفكري والسياسي الذي أنتمي إليه ما يشفع لي لذا سأحاول أن أتشاطر وإياكم بعض الأفكار والهواجس التي تمليها المناسبة في حضرة العلم والمتعلمين وإزاء هذا الحشد من الخريجين والخريجات.

لقد خاننا العقل كعرب وخسرنا منازلة العلم.

لقد خاننا العقل في هذا الجزء من العالم وخسرنا منازلة العلم.

تبلغ نسبة الأمية في الوطن العربي العشرين بالمئة كمعدل عام وتقارب النصف في بعض الدول العربية.
وكم تبدو الموازنات المخصصة للتعليم والبحث هزيلة في العالم العربي في مقابل ما يخصص لها مثلا في دولة العدو الاسرائيلي.

ربما نكون كجيل ورثنا الخيبة ولم نصنعها لكننا أيضا وحتى اللحظة لا زلنا نقيم ونستسيغ الإقامة فيها.

متى تكون نهضتنا، لا أعلم لكن لن تكون نهضة دون ثورة ثقافية، ولن تكون ثورة ثقافية دون حرية التفكير والابداع، ولن تكون حرية التفكير والابداع دون أنظمة سياسية تحترم الحريات وتطلق العقل العربي من جموده وتحمي أصحاب العقول اذا تجرأوا أو أبدعوا  بعيداً عن تغول السلطة أو وغلواء الدين.

لقد حكمتنا المقصلة، مقصلة الأنظمة، تحت عنوان القومية المشوهة وهي قومية قامت على أساس العرق والدم واللغة وأغفلت على أسس الإصلاح السياسي والحريات والمسواة في الحقوق والواجبات فاستحالت أنظمة ابتلعت شعوبها إذا صمتوا وأغرقتهم بالقمع والموت والسجون إذا تذمروا.

لقد حكمتنا الخرافة باسم الدين فعاشت فينا وعشنا فيها وقد ضاقت مساحات العقل والفكر والابداع بقدر ما توسعت دائرة الممنوعات والمحظورات حتى بات بعض التفكير كفراً وبعض العقل زندقةً وبعض الابداع بدعةً تجز لها الرقاب.

لقد اكتشفت أوروبا البارود، فأخضعت ممالك الإقطاع وأقامت الدولة القومية، أما نحن فاستوردنا البارود لأجل إخضاع شعوبنا وتدمير أوطاننا اذا ما طالبت بالإصلاح.

لقد فرضت أوروبا الضرائب فأقرت مقابله مبدأ التمثيل النيابي أما نحن فقد فرضنا الضرائب لإغناء الخزائن ونهب الشعوب.
> كونوا أنتم هذه المقدمة التي ترفع لواء العقل وشان العلم وتفتح نوافذ الإبداع.

في لبنانياتنا، نحن في الحضيض الذي ما بعده حضيض.

نفتقد الدولة ونفتقد رجال الدولة إلا من قلة تصدح في برية السياسة ولا من مجيب.

كلبنان نفتقد دورنا في موقع الريادة الفكرية للعالم العربي.

نفتقد الرؤية الوطنية في التعليم، نفتقد الحد الفاصل بين العلم والتجارة، نفتقد احتضان الدولة لمؤسساتها التربوية الرائدة بدءً من الجامعة الوطنية، نفتقد موازنات الأبحاث العلمية.

نحن نفتقد الجامع الوطني في الخيارات وحتى في الهوية الوطنية التي تمزقت وتشظت بين الطوائف والمذاهب والاتجاهات والمصالح وتشظت معها روحنا الوطنية وجسد الدولة ومؤسساتها وغرقنا في الفساد المنظم الذي تحميه شبكة مصالح سياسية واقتصادية تجعل العقول والضمائر والألسن تتلعثم أمام سطوة المال إلا من قلة تظلم بالتعميم الذي يستبطن الكثير من التعسف الذي يمارس اليوم.

الأهم والأفظع نحن نفتقد الأمل،
ونحن نحتاج إلى من يعيد صناعة الأمل.

هل هذا قدر، بالطبع لا!

هل الإصلاح مستحيل، بالطبع لا!

تجربتنا كحزب في عملية الإصلاح خاصة  في قطاعات الطب والغذاء والصحة تقول أن الفساد ليس حتمياً والإصلاح ممكن!

إصلاح من داخل النظام كما هي حالنا أم من خارجه، سؤال يحتاج الى جواب!

إصلاح تدريجي في بلد التوازنات المانعة للثورة الحقيقة أم ثورة شاملة أيضا سؤال يحتاج إلى جواب.

كونوا أنتم الجواب: جواب الإصلاح على سؤال الفساد. جواب الوحدة على سؤال الانقسام، جواب الدولة على سؤال اللادولة، جواب العلم على سؤال الجهل، جواب الإبداع على سؤال التخلف، جواب الانفتاح على سؤال الانغلاق، جواب الاعتدال على سؤال التطرّف سياسيا كان أم دينيا، جواب الأمل على سؤال الخيبة التي نعيش فيها،

كونوا أحلاما تسير على أاقدام بشر وتعيش في قلوب شجاعة،

كونوا شجعانا قبل أن تروضكم الحياة.

كونوا شجعاناً قبل أن يبتلعكم هذا النظام المسخ.

ذات يوم، قال رجل كبير أنتسب إليه في الفكر والسياسة، عنيت به كمال جنبلاط: على من يسبق التاريخ بأفكاره أن يتوقع أن تكون المقصلة بانتظاره وهكذا كان.

كونوا الفكرة التي تحارب المقصلة.