الاتحاد الأوروبي وتداعيات الانفصال البريطاني!

بعد نحو ثلاثة وأربعين عام من انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي، قرر الشعب البريطاني مغادرة الاتحاد من خلال استفتاء بلغت نسبة المؤيدين للانفصال فيه 51.9 بالمئة مقابل 48.1 بالمئة مؤيدين خيار البقاء، ولم يلتفت مطالبي المملكة المتحدة بالمغادرة للعواقب الوخيمة التي قد تحصل جرّاء هذا القرار التاريخي، الذي وصفته الصحف العالمية بـ “الزلزال”.

ويرى البريطانيون أن من العوامل التي لجأوا بسببها لطلب الخروج من الاتحاد، هي:


– الهجرة وزيادة عدد سكان بريطانيا بسببها في العقد الأخير بما يقرب 10 ملايين مهاجر.

– تمتع المملكة المتحدة بالحرية والاستقلال سياسيا واقتصاديا، وعدم التزامها بأي قوانين تتعلق بالهجرات داخل الاتحاد.

– انضمام دول فقيرة وناشئة للاتحاد الأوروبي ومساواتها مع بريطانيا.

– الخوف من أن يطغى نوع من الاختلاف في المجتمع البريطاني.

– المشكلات المادية في منطقة اليورو واقتراب دول أعضاء فيها من حدود الافلاس.

– الهجمات الإرهابية التي شهدتها عدد من الدول الأوروبية مؤخرا والخوف من تصاعد التوتر المؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأمن بالمنطقة.

– العجز في التجارة البريطانية بسبب الأعمال التجارية الصغيرة للمهاجرين وضررها على المنتجات المحلية وزيادة الواردات على الصادرات.

– التذمر من الرسوم المفروضة على الدول المنضوية في الاتحاد وثقلها على الخزينة البريطانية.

– افتقار نظام الاتحاد إلى الديموقراطية المعمول بها في النظام البريطاني.

– الخوف من سيطرة دول اليورو على مجريات اتخاذ القرار في الاتحاد.

– تحرير القضاء البريطاني من أحكام القيود القانونية للاتحاد.

uk

هذه النقاط البالغة الأهمية بالنسبة للبريطانيين والتي شكلت عمليات النزوح الكثيفة للمهاجرين الى مدينة الضباب ودول المنظومة الأوروبية في السنوات الأخيرة الدافع المباشر لتفاقم تداعياتها، وضعت الإتحاد الأوروبي أمام تحد قاس، كما رأى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند التي تشكل بلاده واحدة من الدول المؤسسة لفكرة الإتحاد، وقال “إن التصويت لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل تحدياً خطيراً للاتحاد واختبار قاس لأوروبا”، ملمحاً إلى أن مهمة الدول الأعضاء معالجة مشكلاتها، في رد غير مباشر على الأسباب التي دفعت البريطانيين الى الخروج من الإتحاد وقال في خطاب تلفزيوني” أن على الاتحاد التركيز على أولوياته الرئيسة مثل الأمن والدفاع وحماية الحدود وتوفير الوظائف، إضافة إلى تقوية منطقة اليورو، بينما يترك للدول الأعضاء التعامل مع ما يواجهها من مشكلات”.

رئيس الوزراء البريطاني دايفد كاميرون الذي أعرب عن نيته تقديم استقالته في غضون الاشهر القادمة ليتولى رئيس جديد التفاوض مع بروكسل على آلية خروج بلاده من الإتحاد، وصف مساعده نتائج التصويت بأنها “وضعت بريطانيا في منطقة مجهولة”، وفيما انقسمت آراء قادة الدول الأوروبية بين القلق على مستقبل الإتحاد، والمؤكد على ضرورة استمراره وتجاوز أزمة الخروج البريطاني، حمل رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان نتيجة التصويت البريطاني الى زعماء بروكسل، قائلاً: “على بروكسيل أن تستمع لصوت الشعوب. هذا هو أهم درس يمكن استخلاصه من هذا القرار”.

وتابع قائلاً: إن الشعب البريطاني لم يكن راضياً عن سياسات الاتحاد الأوروبي إزاء أزمة الهجرة، أما رئيسة  وزراء النرويج إرنا سولبرغ دعت بدورها قادة الإتحاد الى التعمق في قراءة الإشارة التي ارسلها الناخبون البريطانيون، وقالت “أعتقد أنهم سيستمعون إلى الإشارة التي أرسلها الناخبون البريطانيون والكثير من الناخبين الآخرين في أرجاء أوروبا ممن يشعرون أن الاتحاد الأوروبي لا يوفر حلولاً جيدة بما فيه الكفاية لتحديات الساعة”.


الزلزال البريطاني الذي سيعزز من صعود نجم الأحزاب اليمينية الأوروبية، ويهدد وحدة الإتحاد وقدرته على معالجة التحديات التي تواجهه، على المستويات الإقتصادية والأمنية والإجتماعية، سيكون له تداعيات مختلفة الإتجاهات وارتدادت إقتصادية وإجتماعية على بريطانيا أولاً وعلى دول المنظومة الأوروبية ودول الجوار الاوروبي ومنها روسيا أضافة الى الأسواق العالمية، التي بدت متأثرة جدا بالحدث البريطاني نتيجة الانخفاض الحاد للجنيه الإسترليني، وهو ما يهدد بانفجار التضخم وفقدان البريطانيين لملايين الوظائف عوضاً عن انخفاض الرواتب والأجور التي تلحق ضرراً بمستويات العيش، كما أن انهيار الجنيه الاسترليني سيلحق أذاً كبيراً بالمؤسسات المالية البريطانية التي تملك تريليوينات من الجنيه من الالتزامات ما سيدفع “بنك انكلترا” للعب دوراً كبيراً حفاظاً على الاستقرار في أسواق المال والعملات. مما يضطره الى رفع سعر الفائدة وبالتالي دفع البلاد نحو الركود.

IMG-20160625-WA0005

إلاَّ أن ما يستوقف المراقبون ويثير قلقهم، هو النزعة القومية التي برزت لدى الإنكليز في وجه الإتحاد الأوروبي، والذي قد تولد خطراً على وحدة بريطانيا نفسها، حيث تحركت لدى الجماعات المكونة للمملكة المتحدة نزعة الانفصال عنها، فالاسكوتلانديين اعربوا عن رغبتهم البقاء ضمن الاتحاد، ويتجهون نحو تنظيم استفتاء للإنفصال عن بريطانيا والانظمام الى الإتحاد، وكذلك حال الإيرلنديين الذي برزت فيهم أصوات تطالب بوحدة إيرلندا والبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، إضافة الى الإثنيات الملونة المقيمة في لندن التي طالب العديد منها بالبقاء في كنف الاتحاد، هذا الإنبعاث القومي الجديد على خلفية إقتصادية قد ينعكس سلبا على واقع حقوق الانسان في القارة الأوروبية، من خلال تغذية النزعات اليمينية المتطرفة لدى الأوروبيين، ما يسهم في تبرير السلوك العنصري في التعامل مع القوانين المجحفة بحق الشعوب الأخرى. 

في معرض تعليقه على تأثير الخروج البريطاني المصنف بخامس قوة أقتصادية في العالم على الإقتصاد الأوروبي، رأى مدير مركز تطوير للدراسات الباحث هشام دبسي، أن الإتحاد الأوروبي قادر على تعويض خسائره أكثر من قدرة بريطانيا على لجم خسائرها بفعل قرارها الانفصالي، فالحجم الاقتصادي لمنطقة اليورو أكثر قدرة تفاعلية من المساحة البريطانية، وبالتالي فإن شعور البريطانيين النأي بالنفس عن الأزمات الأوروبية جراء خطوتهم تلك، سرعان ما ينعكس سلباً على اقتصادهم، بحيث ان الحلول الاقتصادية بعد العولمة تتطلب وجود إتحادات إقتصادية كبرى أكثر منها معالجات محلية صغرى، وهذا لا يتوفر لدى البريطانيين.

واعتبر دبسي ان الخسائر الاقتصادية لدى الأوروبيين قد تعوض سياسيا لصالح الاتحاد، فخروج أحد الأضلاع الثلاث الاقوى في الاتحاد (البريطاني – الألماني – الفرنسي) لصالح الثنائي الفرنسي – الألماني، (فرنسا قوة سياسية فاعلة على المستوى الدولي وفي مجلس الأمن وألمانيا القوة الإقتصادية الأولى في الإتحاد)، قد يسهم في تعزيز الاندفاعة نحو صياغة موقف سياسي أوروبي متمايز عن السياسية الأميركية، سيما وأن بريطانيا لعبت وعلى مدى سنوات طويلة دور المشاكس المؤثر على وحدة الموقف الاوروبي والمتمايز بفعل التصاقها بالموقف الأميركي لا بل التبعي لها، لا سيما في حرب العراق وفي التعاطي الدولي مع أزمات الشرق الأوسط ومنها الحرب السورية.

uk-eu

قد يكون من السابق لأوانه التكهن في مستقبل الإتحاد الأوروبي ووحدته او تفرقه، سيما وأنه يقوم على قوة إقتصادية مركزية تشكل كل من ألمانيا وفرنسا قوة رافعة له إضافة الى أيطاليا، فيما تشكل الدول الأخرى بمثابة أطراف تدعم وتتغذى من هذه القوة المركزية، وبالتالي فإن هذه الدول بحاجة لتعزيز تماسكها في الاتحاد أكثر منه الإنفصال عنه لحل أزماتها، وهذا ما سيدفع قادة الإتحاد الى البحث المعمق في كيفية تفعيل وتعزيز وتقوية اتحادهم والبحث في عناصر تماسكه، خاصة وان الأوروبيين قد نجحوا في معالجة الأزمات التي واجهت اليونان والبرتغال وإيطاليا، وإسبانيا وإيرلندا بطرق مختلفة.

التحديات أمام قادة الإتحاد كبيرة والرهان على نجاحهم في معالجة أزماتهم كبيرة ايضاً، فمن المبكر الحكم على هذه التجربة التاريخية بالفشل امام هذا المنعطف الخطير الذي وضعهم الاستفتاء البريطاني امامه.

————————–

(*) فوزي ابوذياب