السياسة في عصر القنانة

جليل الهاشم

رفع عدد من الاحزاب اللبنانية الاساسية خلال الفترة الاخيرة وخصوصا في مناسبة الانتخابات البلدية شعار الخلاص من الاقطاع السياسي والعائلات التقليدية باعتباره بديلاً ديمقراطياً منفتحاً يعتمد على آليات الديمقراطية في حياته التنظيمية الداخلية فيجعل من العضو الحزبي كائنا محترما يحق له الرأي بحرية والترشح الى أي منصب حزبي واعتبار ان المسؤول الاول في هذه الاحزاب يخضع للمعايير نفسها فيتم تغييره بين فترة واخرى لمصلحة دماء جديدة وافكار حديثة.

الا ان التجربة اظهرت ان كل ذلك كلام لا يعول عليه وجعلت الناس يتمسكون اكثر فاكثر بالقديم الذي خبروه ويرفضون هذا الجديد الذي قدم نفسه بديلا وهو في مناسبات شتى وفي السلوك اليومي لا يفعل سوى استعجال الحلول محل القديم في عمل انتقامي لا اساس له وفي رغبة اقطاعية وراثية اسواء بكثير من مجريات التجربة السياسية اللبنانية المعروفة.

هناك أحزاب حصرت مصلحة الجماهير بمصلحة رئيس الحزب واقربائه ولم تتورع عن بناء أشد التحالفات تناقضا من اجل الوصول فطردت وجمدت وجوها بارزة فيها لأنها تجرأت وقالت رأياً مغايراً علماً ان لا تداول سلطة في هذا النوع من الاحزاب منذ قيامها قبل نحو أربعين عاماً. في وقت شهدت البلدان الديمقراطية التي يتغنون بها تغيير عشرات رؤساء الاحزاب وعشرات النواب ورؤساء الحكومات وبعضهم تقاعد باحترام فأراح وارتاح الا في لبنان حيث تسود “الديمقراطية” على طريقة بوسفور ولي الدين يكن.

ان احزابا من هذا النوع لا تنتمي حتى الى عصر الاقطاع السياسي انها في مرحلة أسبق على المرحلة الاقطاعية وربما يصح تسميتها بمرحلة نظام القنانة والفرق واضح بين المرحلتين في عصر الاقطاع بات الفلاح شريكاً بطريقة ما للإقطاعي أما في عصر القنانة فالمواطن ليس إلا قناً يؤمر فيطيع ولو كان الثمن حياته وحياة أفراد عائلته.

عصر القنانة السياسية اللبنانية نعيش مظاهره اليوم رغم كل الادعاءات، مسؤول حزبي يطرد بسبب رأيه المخالف ووزير يصرف من العمل من دون حق في تقديم شكوى حتى الى وزارة العمل. ولذلك العمل الحزبي يعود الى الوراء وهو ما يجعلنا نتذكر ونتمسك بتلك التجربة التي بدأها كمال جنبلاط وكتب عنها قبل نصف قرن.

كمال جنبلاط

أليس خلاقاً ان يجتمع مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي والجمعية العامة لاتخاذ قرار “باعتماد النظرة الجدلية في تحليل أوضاع السياسة والاقتصاد والتراث الثقافي” وصولاً الى اتخاذ القرارات الضرورية.