قضية معلمنا الشهيد …وعباءة الفقيد!

هدى بحمد

أنباء الشباب

نسجت عباءته في الهند هناك تحت شجرة “المانجو” الضخمة الدهرية، وربما الأبدية.

هناك قدمت للمعلم عباءة هندية، عباءة مصنوعة من أيادي فقراء غاندي، عباءة معطرة بالغار، والمسك والعنبر…

فكانت هذه العباءة مزركشة برسوم قديمة قديمة، تحكي حضارة الهند والانسان وانسانية…

ارتدى المعلم العباءة وحملها معه الى خلوته، خلوته التي نقشت عليها ايات الكون ووحدته، وصفات الانسان وكينونته…
حملها المعلم الى خلوته الى قمم ذاك الجبل، يحاكيها وتحاكيه، يحكي لها حكياه، وطبعه وطبيعته ومزاياه، يفشي لها محبته لبني قموه ورعياه.
يلتف المعلم بها ويشكو لها شكواه، فتحتضنه عندما يلجأ اليها في البرد والامه وتقواه…

ذات يوم… نزل المعلم من خلوته…في الأعالي حيث هو باكراً باكراً، وصعد درج القصر، ومشى متمهلاً، ووقف في وسطه ونظر الى الوراء الى التاريخ كله الى ساحة القصر الواسعة حيث يتجمع رجال الشهامة والكرامة من الأبطال والشجعان…

ثم صعد الى الأمام، داخل القناطر الحجرية القديمة القديمة فحجرها التاريخي وحده يتكلم … يحفظ التاريخ كله … فيحكي قصة القاصد الملهوف والزائر الشغوف، ويحكي جواب السيدة، سيدة القصر العطوف، ومنهم يحفظها عن ظهر قلب ويتقن روايتها باعتزاز وفخر وعنفوان، تحكي عتق الزمان لكثرة اقدام الزائرين من زمان حيث مشى عليها الأجداد والاباء وكل الأعيان، وينظر المعلم اليها محدقاً ويصعد اليها ويمشي مبتسماً لها ومدققا.

يحرك يديه ويتنهد وكأنه يريد أن يختزن قليلاً من الهواء القصر في رئتيه من رائحة الأجداد ووالديه. ثم ينظر محدقاً في الشلال طالباً منه ألا يتوقف ابداً.. أبداً فهو العطاء للقصر هو العنوان حتى لو تبدل الحاضر فهو كالماضي… ولو تبدل الزمان لكن سيبقا هنا: الانسان نعم الانسان سيبقى له هذا المكان والعنوان…

المعلم كمال جنبلاط1

ثم دخل المعلم الى غرفته الى كتبه ودفاتره مودعاً: وتكلم مع سطورها ومع كلماتها أيضاً بحنان..

ثم ذهب جانباً وتخاطب مع الحكمة بخشوع كذلك مع الانجيل والقرآن، طالباً منها تبديل القميص والغفران…

ونادى بأعلى صوته حافظ أن يحزم الحقائب ويشد الرحال ويتوجه الى ما لم يكن في الحسبان، قائلاً له: أن يذهب ويودع زوجته والأولاد والخلان…
ونادى فوزي برخامة صوته المعهود قائلاً: “نحن على اتم الاستعداد للسفر، السفر القريب القريب… والبعيد البعيد…

وسار الركب، وسار الركب المتواضع بالصفاء والشامخ كبرياء والكبير عدداً بعناصره الثلاثة.. وعبر الموكب بوابة القصر والجميع حوله رفعوا للمعلم التحية فرد المعلم التحية ولا يعلم ما كانت النية…

فنظر المعلم الى الوراء، الى الجبل الصديق ونادى بأعلى صوته وهو صامت، صامت… للتاريخ العريق
“ان الصراع في سبيل الحق هو انتصار في كلتا الحالتين، أكانت نتيجته على السواء الاستشهاد الساحق، أو النصر الساحق…”

وسمع الصوت الصامت الهادر يتموج بين الوديان، ويهز الصخور الدهرية والأركان، ويهز شجر الصنوبر وأرز الجبل الشامخ بعنفوان حتى الجذور فيها في الاعماق وفي أعماق الوديان…

image-02
“سر يا حافظ” قال المعلم اقترب اللقاء، تحرك الركب، مشى الموكب، واستشهد المعلم، واستشهد الرفيقان، وودعوا الزمان واهتزا كل شيء في المكان..
ورجع الموكب المهيب على الأكتاف يترنح أمامه الموسيقى الخليلية له تصدح ووراءه الفرسان الابراهمية تصهل وتمرح…

ففي هذا النهار المهيب، لبس العباءة الوليد،عباءة الاب الفقيد، وحملى قضية كمال الشهيد، فوقف بوجه العديد، ليعاهد من جديد، اننا قوم عنيد، عزيمتنا من حديد، عن درب الحق لا نحيد، نعم فنحن أبناء الكمال، ابناء العزة والانتصار، نقسم أن تبقى المبادئ والقلم سلاحنا، باقون على نهجك معلمي عشاق الاستقلال والحرية، باقي فينا رمز القضية وصانع الهوية…

باقون يا كمال…