مخاطر الاستعانة بالميليشيات في سورية والعراق

لينا الخطيب (الحياة)

بعد أكثر من عامين من سيطرة «داعش»، أعلنت الحكومة العراقية تحرير الفلوجة. على الرغم من أن الجيش العراقي لعب دوراً رئيسياً في هذا التحرير، لم يكن ليتمكن من تحقيق ذلك إلا بدعم من «الحشد الشعبي» (بالإضافة إلى التحالف الدولي لمكافحة «داعش»). وقد قدمت الحكومة العراقية دور «الحشد الشعبي» باعتباره مكملاً لدور الجيش، على الرغم من أن العديد من الجماعات تحت مظلة «الحشد» ليست تحت سيطرة الحكومة العراقية ولكن جهات أخرى بما فيها إيران.

هذا التأطير من قبل الدولة العراقية هو وسيلة لمنح الشرعية لتلك الجماعات وتبرير تدخلها العسكري لدعم الجيش العراقي الضعيف، الأمر الذي يسمح للدولة العراقية بتحقيق هدف عسكري، وهذا بدوره يزيد من شرعية الدولة. ولكن هذا الخطاب يسلط الضوء على دينامية أوسع موجودة ليس فقط في العراق ولكن أيضا في سورية، وهي الاستعانة بالميليشيات من قبل الدولة. ولكن، كما توضح حالة لبنان، في حين أن الاستعانة بالميليشيات قد تسمح للدولة بتحقيق أهداف عسكرية في المدى القصير، فإن لديها تداعيات جدية على شرعية الدولة وسيادتها على المدى الطويل.

تختلف سياقات النزاع في العراق وسورية في نواح كثيرة، فالأولى تحكمها حكومة معترف بها دولياً، بينما الثانية تحت حكم نظام يعتبره معظم أعضاء المجتمع الدولي فاقداً الشرعية. ومع ذلك، فإن مسار الصراع في سورية والعراق يظهر أن البلدين يشتركان في بعض أوجه التشابه. فكل منها لديه جيش ضعيف، إذ أضعف الجيش السوري من قبل المعارضة المسلحة (سواء كانت معتدلة أو متطرفة)، والجيش العراقي يفتقر للقدرة بعد أكثر من عقد من سوء الإدارة من قبل الحكومة ومؤيديها الدوليين.

ضعف كلا الجيشين يعني أن الدولتين دفعتا إلى الاعتماد على جهات عسكرية أخرى في المعارك البرية ضد «داعش» وغيره. في بادئ الامر، أنشأت الدولة السورية «قوات الدفاع الوطني» وهي ميليشيا مؤلفة من الموالين للنظام والذين قدمتهم الحكومة السورية كقوى شعبية تعمل طوعاً لدعم الدولة ضد «الإرهاب»، وفي ما بعد أصبحت تعتمد على «قوات سورية الديموقراطية»، وهي ميليشيات تهيمن عليها المجموعات الكردية والتي تقاتل «داعش» في شمال وشرق سورية. فيما يعتمد الجيش العراقي على «الحشد الشعبي» في المعارك غير المتكافئة ضد «داعش».

لكن هذا الاستخدام للميليشيات ليس مجرد نتيجة ضعف القدرة العسكرية. وراء تأييد النظام السوري لـ «قوات الدفاع الوطني» و»قوات سورية الديموقراطية» هدف تقديم قمع الدولة للمعارضة السورية كتحرك مدعوم شعبياً من أجل القضاء على الإرهاب. كلما حمل المزيد من «المواطنين»، خاصة من الطوائف أو الإثنيات المختلفة، السلاح للدفاع عن أنفسهم والدولة، كلما قويت سردية الدولة أنها تقوم بحماية نفسها وشعبها من الخونة والعناصر المزعزعة للاستقرار، وكلما أعطت شرعية أكبر لتصرفها القمعي.

في العراق، القصة ليست بنفس الشراسة، حيث لا يوجد في البلد نظام قمعي كنظام بشار الأسد، ولكن هناك أيضاً تكمن الرغبة في إظهار أن الدولة تحظى بتأييد شعبي، ولذا قدمت الحكومة مكافحة «داعش» كفرصة لإظهار أن الشعب يلتف حولها، فالرغبة في إثبات شرعية الحكومة الحالية، لا سيما أنها تواجه ضغوطاً متزايدة من الجهات المعارضة مثل التيار الصدري فضلاً عن كثيرين داخل الطائفة السنية، قادت إلى الثناء على «الحشد الشعبي» كحركة يقودها المواطنون تهدف إلى مساعدة مؤسسة من مؤسسات الدولة وهي القوات المسلحة. وجاء وجود المقاتلين من السنّة وطوائف أخرى داخل «الحشد الشعبي» ليمكن الحكومة العراقية في محاولتها تأطير مكافحة «داعش» كتحرك غير طائفي لتخفيف الضغوط عليها.

ومع ذلك، فإن سلوك «قوات الدفاع الوطني» و «قوات سورية الديموقراطية» و «الحشد الشعبي» لم يكن دائماً مطابقاً للخطاب الذي تستخدمه الدولة. فقد تم توثيق مشاركة «قوات الدفاع الوطني» في التنكيل بالمدنيين. وثبت أن بعض المجموعات الكردية ضمن «قوات سورية الديموقراطية» حاولت التطهير العرقي ضد العرب، في حين أن بعض الجماعات الشيعية داخل «الحشد الشعبي» شاركت في أعمال العنف ضد المدنيين السنّة. لا يمكن لهذا النوع من السلوك إلا أن يؤدي إلى زيادة نفور الطرف المتلقي من الدولة، ما يضعف محاولتها لنيل الشرعية في النهاية.

ولكن حتى لو ضبطت تلك الجماعات سلوكها لوقف هذه التجاوزات، فان زيادة مكانتها كفعاليات عسكرية رئيسية في الصراع يعني أنها، على المدى البعيد، لن تكون راضية عن تسوية للصراع ترضي النخب السياسية القائمة وحسب. كما أظهرت تجربة لبنان، من المرجح أن تتحول الميليشيات إلى جهات فاعلة سياسية في مرحلة ما بعد الصراع. في لبنان، «حزب الله» لم ينشأ من قبل الدولة ولكنه نشأ جزئياً بسبب ضعف الدولة ضد العدوان الخارجي الإسرائيلي. ولكن في حين باركت الدولة اللبنانية في الثمانينات دور «حزب الله» كحركة مقاومة ضد الاحتلال، فإنها في ذلك الوقت لم تتوقع تطور هذه المجموعة إلى الحزب السياسي الأقوى في البلاد والذي يستمد الكثير من قوته من قدرته العسكرية.

زيادة على ذلك، فإن الدعم الخارجي -من ايران لـ «قوات الدفاع الوطني» والعديد من مجموعات «الحشد الشعبي» ومن روسيا لـ قوات سورية الديموقراطية»- يعني أيضاً أن من المرجح أن تصبح تلك الجهات العسكرية في وقت لاحق أدوات سياسية للرعاة الخارجية، وبالتالي تساهم أكثر في تقويض سيادة الدولة. هذا هو ما حدث في لبنان مع «حزب الله»، والذي يعمل ليس كدولة داخل الدولة بمقدار ما هو دولة داخل ظل دولة.

اذا تم تطبيق هذا السيناريو على العراق وسورية، يمكن المرء أن يتخيل المستقبل المحتمل للجماعات مثل «قوات الدفاع الوطني» و «قوات سورية الديموقراطية» و «الحشد الشعبي» كمجموعات تستخدم أدوارها العسكرية القائمة كمنصة للمطالبة بدور سياسي. الخطر في هذا السيناريو ليس التغيير في الوضع الراهن الذي يأتي مع بروز أصوات سياسية جديدة. إذا اتخذ لبنان مثالاً، فإن بناء السلطة السياسية على أساس ضعف الدولة وكذلك على حيازة الأسلحة يعني أن هذه المجموعات ستكون أقل قابلية للموافقة على الاندماج في مؤسسات الدولة. وعلاوة على ذلك، فإنها يمكن أن تعمل بنشاط للإبقاء على ضعف الدولة من أجل تبرير هدف الحفاظ على سلاحها، فيما تساهم رعايتها الخارجية في استمرار ضعف الدولة. ولذا، في حين أن سورية والعراق اليوم قد تجدان في الميليشيات أداة لتعزيز شرعية الدولة، فإن هذا التكتيك قد يأتي بنتائج معاكسة على المدى الطويل.

* مديرة برنامج الشرق الأوسط و شمال أفريقيا في معهد «تشاتام هاوس»، لندن