“هآرتس”: حرب لبنان – نجاح أم فشل؟

 في هذا الصيف تكون قد مرّت عشرة أعوام على نشوب حرب لبنان الثانية، ومن هذا المنظور يمكننا محاولة تفحص ما إذا كانت حرباً ناجحة أم فاشلة. لقد أصدرت لجنة فينوغراد [لجنة التحقيق الإسرائيلية للبحث في إخفاقات حرب تموز/يوليو 2006] حكمها، وربما سيحاول مؤرخون عسكريون قول كلمتهم. ولكن النقطة الأكثر أهمية حالياً ليست تفحص الماضي بحد ذاته، وإنما الاستعداد للمستقبل واستخلاص الدروس من هذه الحرب.

يشير قادة إسرائيل الذين قادوا الحرب رداً على النقد الموجه إليهم، إلى الهدوء الذي يسود الحدود الشمالية منذ وقف إطلاق النار بوساطة من الأمم المتحدة 33 يوماً من القتال و164 قتيلاً إسرائيلياً مدنياً وعسكرياً، مقابل عشر سنوات من الهدوء، هل هذه المعادلة علامة نجاح أم فشل؟ وفي حال وقوع حرب مستقبلية ضد حزب الله، هل يمكن اعتبار هذه النتيجة مرضية أو حتى نجاحاً؟ وما هو الثمن الذي سنكون مستعدين لدفعه مقابل فترة هدوء تفصل بين حرب وأخرى؟ وهذه المسألة مطروحة أيضاً فيما يتعلق بالجنوب حيث حققت عمليات عسكرية جرت الواحدة تلو الأخرى، هدوءاً لفترات موقتة، بل وحتى صرح زعماؤنا بأن هذا هو هدفهم – سنوات معدودة من التهدئة، قبل تجدد هجمات “حماس”.

إن خوض الحرب من أجل تحقيق بضع سنوات من الهدوء اعتبر هدفاً معقولاً في السنوات الـ25 الأولى لقيام إسرائيل، لأن إسرائيل لم تكن قادرة حينها على إلحاق هزيمة كاملة بالجيوش العربية، واعتبرت الهزائم المتكررة استراتيجية ناجعة هدفها دفع زعماء الدول العربية إلى إدراك أنهم غير قادرين على إلحاق الهزيمة بإسرائيل في ساحة القتال. وبالفعل نجحت هذه الاستراتيجية. وكانت حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973] المحاولة الرابعة والأخيرة لمهاجمة جيوش عربية إسرائيل.

 لكن، هل هذه الاستراتيجية ناجعة أيضاً ضد تنظيمات إرهابية مثل حزب الله و”حماس”؟ وهل من المعقول افتراض أنه بعد تبادل الضربات ستستنتج هذه التنظيمات أنه من غير المجدي محاولة الهجوم مجدداً؟

 عندما نبحث في هذه المسألة يجب أن نأخذ في الاعتبار عاملين: الأول أن تصرف الإرهابيين وتصرف زعمائهم يختلف عن تصرف الحكام العرب الذين همهم الأول المحافظة على بقائهم السياسي، فالإرهابيون الذين يفكرون بمصطلحات خلاصية ويعملون وفق جدول أعمال خلاصي، مستعدون لأن يخسروا معارك كثيرة، اعتقاداً منهم بأن نصرهم مضمون عندما يحين أوانه.

العامل الثاني هو البعد الجديد الذي أضيف إلى النزاع مع التنظيمات الإرهابية بعد تسلحها بالصواريخ والقذائف الصاروخية. وعلى الرغم من كونها أضعف بكثير من إسرائيل من الناحية العسكرية، فإن هذا السلاح يمنح الإرهابيين قدرة على الردع في مواجهتها يجب أخذها في الاعتبار. ومن الواضح أن أي تجدد للأعمال العدائية سيؤدي إلى هجوم مكثف بالصواريخ والقذائف ضد السكان المدنيين في إسرائيل. وينطبق هذا الاعتبار بصورة خاصة على حزب الله، الذي يملك أكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة، وأيضاً على “حماس” التي تحتفط بآلاف الصواريخ. إن الضربات التي أنزلتها إسرائيل بهما في الماضي يمكن حقاً أن تردعهما عن الهجوم من جديد، لكن عامل الردع يسري أيضاً على إسرائيل. وكل زعيم إسرائيلي مجبر على أن يدرس جميع انعكاسات تجدد القتال.

 لقد كانت السنوات العشر التي مرت منذ حرب لبنان الثانية والتي تأثرت أيضاً بتدخل حزب الله العميق في القتال في سورية، فترة من الردع المتبادل. لكن هذه السنوات استغلها حزب الله من أجل توسيع وتكثيف ترسانته من الصواريخ والقذائف. وفي المواجهة المقبلة مع إسرائيل سيأتي الحزب أكثر استعداداً من الماضي، مع قدرة كبيرة على إلحاق الدمار بمدنها. والدرس واضح: جولة أخرى من القتال لا تقضي على القدرة العسكرية للإرهابيين معناها أنه ستكون هناك جولات أخرى مثلها، وفي كل مرة سيكون الإرهابيون أكثر استعداداً.

—————-

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية