هوية الموحِّد الشاب: لماذا الضياع؟

بقلم سامر بو كروم

أنباء الشباب

غالبًا ما يشعر الشاب الدُّرزي بالضياع حين يتحدَّث عن مذهبه. فأسرار المسلك الدرزي لا تُكتسب بين ليلة وضُحاها، إنَّما تحتاج لدراسة وجٌهد. كذلك، يضعف مجتمعنا المدني بإخراط المشايخ في نشاطاته، ويُقصِّر المجتمع الروحي في الاندماج بالإنخراط بالنشاطات المدنية، ما يقلِّل من اللقاءات بين الشبيبة والمشايخ. وقد زادت هذه الهُوة بين المشايخ والشباب الدُّرزي، حتى أصبح الشاب لا يعرف من مذهبه إلّا المظاهر والعادات والتَّقاليد المُرتبطة به، وأصبح كالمغترب يرى ظاهر الدين لا باطنه، مما يُبعده عن رسالة المسلك التوحيدي الذي هو باطنيٌّ بطبيعته.

تظهر هذه الهوَّة في الدراسات والمراجع التي تُكتب عن المجتمع الدُّرزي، ففي كتاب Heirs to Forgotten Kingdoms, Journeys into the Disappearing Religions of the Middle East للكاتب جيرارد رسل، قُسِّم فيه الدروز إلى جهَّال وعُقَّال (المشايخ). والجهّال، كما قال الكتاب، غير ملتزمين بأي قانون أو مسلك ديني. بالرَّغم من أنَّ هذا الكلام غير دقيق، إلَّا أنَّه يبرز خللًا واضحًا في العلاقة بين المشايخ والشباب. وفي هذا الكتاب ذُكرت الطَّائفة الدرزية كأحد الأقليَّات التي ستنقرض بعد فترة من الزَّمن.

أمَّا المشكلة الأخرى التي تحول دون معرفة الموحِّد الشاب هويَّته الدينية هي وفرة المراجع والكتب التي تحتوي على الأخطاء وسوء الفهم، من الكتَّاب الأجانب إلى الكتَّاب العرب وحتى الكتّاب الدروز، كما أكَّد الشيخ الدكتور سامي أبو المنى، رئيس اللجنة الثّقافية في المجلس المذهبي للطائفة، في ندوة أقامتها رابطة العمل الاجتماعي في مقرِّها في فردان، حول “المظاهر الثقافية عند الموحِّدين الدروز”.

وأضاف شارحًا خصوصيَّة المذهب الدّرزي في كنف الإسلام. إذ إنه ليس بدينٍ جديد يسعى للتَّبشير، إنَّما هو فرعٌ من فروع الإسلام، جاء ثمرة لاجتهادٍ فكري ومعرفي طويل.

Nadwe Rabta

حتَّى بالتَّسمية، أخطأ المؤرِّخون، كما أكَّد د. سامي مكارم في كتابه “العرفان في مسلك التوحيد”. فقد سمِّيوا بالدروز نسبة لداعٍ من الدُّعاة، وهو نشتكين الدرزي، الذي عصى التَّعاليم ونشر الأكاذيب في الدَّعوة. وهكذا أُلصق الاسم بهم. أمّا الشيخ أبو المنى فأكَّد في النَّدوة بأن تسمية “الدروز” نشطت سياسيًّا في الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية، وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، وذلك بهدف سلخ الموحِّدين عن هويَّتهم الإسلامية العربية، وخلق المشاكل بينهم وبين الفروع الإسلامية الأخرى.

وقد برز ضياع الشباب الدرزي في اللِّقاء الذي جمع بعضهم في فندق فينيسيا، في حدثٍ أدارته مؤسَّسة الرَّاحل د. سامي مكارم، بدعم وتشجيع مؤسَّسة التُّراث الدُّرزي، حين تحدَّث عدد من الطُّلاب الدروز المقيمين والمُهاجرين عن صعوبة إيجاد مصدر موثوق للحصول على المعرفة الدّينية الصحيحة.

Torath el durzi

وأكَّدت المؤسستان أنهما تعيان هذه المُشكلة، وقد عملتا لطبع عدد من الكتب والمراجع للتوضيح والشرح. كذلك أكَّد الشيخ أبو المنى في الندوة على توجُّه المجلس المذهبي في نفس المنحى، حيث يتم طبع سلسلة كتب من المجلس لرفض الأخطاء والإشاعات الخاطئة عن المسلك التَّوحيدي وتصحيحها.

في الختام، يجب التَّأكيد على كلام الدكتور مكرم بو نصار في ندوة الرَّابطة الذي شدد على ’الحاجة لرجال الدّين المثقفين والمٌنفتحين. ونزيد ونقول، أنَّ الحاجة كبيرة أيضًا للشباب الواعي السَّاعي وراء المعرفة الدينية الحقَّة، وللنشاطات والندوات واللقاءات الجامعة بين الشباب الدرزي والمشايخ الكرام، بهدف التّوعية.