جهل بالتعاملات المصرفية ام قرار بقلب الطاولة؟

 د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

بصرف النظر عن هوية الاشخاص الذين قاموا بزرع العبوة الناسفة خلف مبنى بنك لبنان والمهجر في 12/6/2016 ، لا يمكن عزل التفجير الارهابي عن السياق العام لتطور الاحداث في بيروت، حيث تفاعلت الاوساط السياسية والمالية مع الواقعة على شاكلة مُتداخِلة، برزت فيها مجموعة من المعطيات التي تحمُل دلالات متعدِدة، ومتنوعة.

القانون الاميركي الذي يفرض عقوبات مُشدَّدة على حزب الله، مرَّ بمراحل عديدة قبل ان يوقعِه الرئيس باراك اوباما في 18/12/2016. وسبق للكونغرس بمجلسيه ان اقرَّه بالاجماع، لكن الرئيس فضَّل عدم التوقيع عليه إلا بعد سريان مفعول الاتفاق بين ايران من جهة والولايات المتحدة الاميركية ومعها الدول دائمة العضوية في مجلس الامن + المانيا من جهةٍ ثانية، وقد يكون التأخير في التوقيع يهدف الى استفراد حزب الله، او لإبعاد الشبهة عن صفقة قد تكون مُرِرَت على حساب الحزب وبعِلم الجميع.
لا يمكن الاستخفاف بالقانون الاميركي ضد الحزب، ذلك كونه لم يصدر في سياق عقوبات عادةً ما يتخذها الرئيس الاميركي بحق اطراف – او اشخاص – خارجيين. وقرار الرئيس يمكن العودة عنه بسهولة من قبل الرئيس ذاته، امَّا القانون فيختلف من حيث الشكل، ومن حيث المضمون عن القرار الرئاسي، وبالتالي فالعودة عنه دونها صعوبات كبيرة، وقوة تطبيقه اكثرُ إلزاماً وشمولية من القرار. والقانون الذي يستهدف حزب الله والمتعاملين معه، صدر تحت اسباب موجبه خطيرة جداً – وفقاً للتحليل الاميركي – بحيث لم يكتفي المُشرِّع في الاشارة الى موضوع الارهاب، بل ادرجَهُ في خانة الرد على ما ادعى: انه بسبب المشاركة في عمليات تبييض الاموال وتجارة المُخدرات.
سبق ان صدرت عقوبات مماثِلة على بعض الدول او المنظمات من قِبل المُشرِّع الاميركي، ولكن الجهات المعنية تعاطت معها بطريقة مُختلفة عما حصل مع حزب الله. فعلى سبيل المثال: فإن النظام في سوريا التفَّ على العقوبات الاميركية من خلال بدائل مالية، وحوَّل تعاملاته الى العملة الاوروبية، وفتح حسابات موازية في بنوك دول مُجاورة، ولم يتعرَّض للبنوك التي تعمل على الاراضي السورية – وهذه البنوك الغت حسابات الاشخاص المشمولين بالعقوبات – ومنها فروع بنك لبنان والمهجر بالذات والمتواجدة في سوريا.
يقول خبراء في التعاملات المالية الدولية – ومنهم وزير مالية سابق – ان المُكلفين من قبل الحزب في التعاطي مع ملف العقوبات الاميركية؛ لايملكون خبرة في التعامل مع هكذا اوضاع، وكان عليهم مقاربة الامر بطريقة مُختلِفة، لا تُسبِّب الاضرار التي حصدها الحزب من جراء مواقفه الاخيرة، لاسيما السياسية منها. وما “زاد الطين بلَّة” المواكبة الارتجالية لما جرى – خصوصاً بعد متفجرة فردان – من قبل الذين يدورون في فلك الحزب – سياسيين واعلاميين – وهؤلاء استقدموا الشُبهات اليه من خلال دفاعهم الفاشل عنه. وكادوا يسببون بأزمة وطنية كُبرى، تُثير مخاوف من تفجير الاوضاع في لبنان برمتها، ومنها اعادة التذكير ب 7 ايار جديدة.
لا يمكن تحدي العقوبات الاميركية بطريقة “صبيانية” او ارتجالية، ذلك لأن المنظمومة المالية الاميركية تتحكَّم بالتعاملات المالية الدولية برُمتها، شئنا ذلك او اعترضنا. وممارسة الضغوط على المصارف اللبنانية التي تحمي الاقتصاد اللبناني حالياً؛ يعتبر ضرباً من الجنون، لأن المصارف اللبنانية لايمكن لها ان تعيش خارج إناء المنظومة المالية الدولية، وعند ذلك نكون امام تطبيق عقوبات على حزب الله بالشكل، ولكن فعلياً نكون امام حفلة تدمير مُمنهجة للاقتصاد اللبناني برُمته، وبالتالي المغامرة بإستقرار البلاد.
يمكن للتعامل بخبرة، وبحرفية، وبحوار؛ ان يُجنِّب حزب الله المأزق، وبالتالي يُنقذ لبنان من الكارثة المالية، او الامنية. إلا اذا كان المقصود قلب الطاولة برمتها على الاستقرار اللبناني في ظلِّ هذه الاوضاع المتوترة، فنكون حينها امام مجهولٍ مُخيف، وقد يدفع حزب الله الثمن الاكبر لهذا المجهول، لأنه سيفتح ابواب خطرة جديدة امام مسيرتهِ الشائكة.
وحده الحوار مع المصارف، ومع حاكم مصرف لبنان؛ يساعد حزب الله على تخفيف الاضرار، وإبعاد الشبهات.

اقرأ أيضاً بقلم  د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

نظرية العزل السياسي سقطت الى غير رجعة!

الموازنة اللبنانية بين المعلوم والمَخفي!

التعقيدات التطبيقية في قانون الإنتخاب الجديد

عن فترة السماح السياسي للعهد

الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر

عن الانتخابات والاكثرية والنسبية والطائفية وصحة التمثيل

الحكومة اللبنانية بين التكليف والتأليف والميثاقية

السلَّة والدستور اللبناني  

المختارة تُعيدُ التذكير بالفكرةِ اللبنانية

عن المزاج الشعبي بعد الانتخابات البلدية في لبنان

الانتخابات البلدية: حسابات القرايا* وحسابات السرايا

عن دور الدبلوماسية اللبنانية

كيف تتعطل إنتخابات الرئاسة اللبنانية؟

النازحون السوريون إلى لبنان: مأساة إنسانية متفاقِمة

الإنعطافة القواتية!

2016: زمن الاعتدال ونوافذ الانفراج

الحكومة اللبنانية: إتفاق وإختلاف تحت سقفٍ واحد