عن الرؤية «النهضوية» الجديدة في تونس

د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

المؤتمر العاشر لحركة النهضة في تونس الذي انعقد بالقرب من العاصمة في 20-5-2016، كان علامة فارقة، لا يمكن تجاهل تأثيراته في السياق العام لحركة الإخوان المسلمين في المنطقة العربية، وقد شكل بنتائجه، رداً على المقاربات المتطرفة التي جنحت بها بعض الحركات الإخوانية نحو مهالك معتمة، أصابت دولاً عربية وإسلامية بالخدوش المؤلمة، كما أدخلت هذه الحركات بعض المفاهيم المغلوطة إلى الساحة الإسلامية، أسهمت في تأجيج التباعد، وضربت الفكرة الوطنية عن بكرة أبيها.
عقدة تقديم المصلحة الدينية على المصالح الوطنية، مفهومٌ خاطئ، درجت على اعتماده «حركة الإخوان» في أكثر من دولة، وكانت نتائجه كارثية، وتبين أن هدف الوصول إلى السلطة كان له الأولوية من وراء الدعاية الدينية، بصرف النظر عن الأضرار التي تستقدمها هذه الرؤية على المصالح المعيشية للشعوب.
في 24-1-2014، وأمام منتدى دافوس السويسرية الذي يعقده قادة من مختلف أنحاء العالم، قال زعيم حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي: «على حركة الإخوان ألا تفكر في إقصاء أحد، والديمقراطية ليست نظام ملائكة، بل إنها نظام بشر، ولها آلية إصلاح الأخطاء، كما أن مصالح الشعب هي المقياس لأي نجاح، بحيث لا يجوز تغطية الإخفاقات في إدارة الحكم بالاستناد إلى شعارات لها طابع ديني، فالدين لخدمة الناس وليس للاستقواء عليها بواسطته، والإسلام على وجه التحديد، هو دين عدالة وتسامح». كانت تلك الأفكار تمرداً على الذهنية السائدة عند الحركات الإخوانية.

ملامح الثورة الغنوشية ضد التشدد الإخواني، بدت واضحة أكثر فأكثر في خطابه أمام المؤتمر العاشر لحركة النهضة في تونس، وبحضور الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي. فقال: «على حركة النهضة أن تتحول إلى حزب سياسي ديمقراطي ومدني، وأن تخرج من الإسلام السياسي، ونريد أن يكون النشاط السياسي مستقلاً تماماً عن النشاط الديني، وهذا جيد للدين لكي لا يكون رهينة عند السياسيين، وجيد للسياسيين لكي لا يقال في المستقبل إنهم وظفوا الدين لغايات سياسية، كما أن المساءلة تصبح أكثر موضوعية، لأن محاسبة السياسي واجبة في النظام المدني، أما محاسبة رجل الدين فقد تكون لها تداعيات مختلفة».
تقديم المصالح الوطنية على الطموحات القطبية «الإقليمية» التي تدعو إليها «حركة الإخوان»، عقلنة واقعية للخطاب الإسلامي. ذلك أن الإسلام لا يتناقض مع الديمقراطية، كما أن هدفه مصلحة الناس، ولم يكن في يوم من الأيام وسيلة تستخدم للتحكم فيهم. أما المدنية فهي أيضاً وأيضاً جزء أساسي من الرؤية الإسلامية التي تدعوا لتحقيق العدالة بين الناس، وترسيخ المساواة على قاعدة المواطنة.

إن رؤية الغنوشي أكثر تطوراً من الأردوغانية الطورانية، وتتجاوزها في زوايا متعددة، وهي تحمل ملامح عروبية تعطيها طعماً مرناً في سياق تعاطيها مع الآخرين.
إن إعادة انتخاب الغنوشي على رأس حركة «النهضة» في تونس بالإجماع، يعبر عن ارتياح الأغلبية الساحقة من كوادر الحركة للأفكار الجديدة التي طرحها الغنوشي أمام 1200 من نخب الحركة الذين شاركوا في المؤتمر.

والمفارقة التي يمكن التوقف عندها، أن نائب رئيس الحركة عبدالفتاح مورو قال أمام المؤتمرين: «إن الحركة يجب أن تعمل لمصلحة تونس أولاً، ومن ثم لمصلحة النهضويين». هذه الرؤية تشير بوضوح إلى نضوج المقاربات المدنية والوطنية أفقياً في قواعد حركة النهضة، وستتبع تلك الأفكار الجديدة بطبيعة الحال، إعادة نظر واسعة في بعض الرؤى الخاطئة التي اعتمدتها القيادات الإخوانية في عدد من الساحات. نظراً للمكانة المتقدمة لحركة النهضة التونسية بين قريناتها الإسلاميات.

إن الأولويات التي اعتمدتها المنظمات الإخوانية في مرحلة من الزمن، أدت إلى اضطرابات داخلية في بعض الدول العربية والإسلامية، وكادت توقِع حروباً أهلية في أكثر من مكان.
إن النمطية المدنية في الحكم، لا تتعارض إطلاقاً مع الإسلام. كما أن الديمقراطية والتنوع سِمة عصرية تنطلِق من فكرة الشورى، وتطبق هذه الشورى بأدوات حديثة. والحداثة تعيش في كنف الإسلام بأريحية إن أبعدنا عنها الفوضى والتسلط.

 

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

قمة اللقاءات الجانبية

إشكالية تعطيل الحكومة اللبنانية

أفغانستان والديمقراطية والتفجيرات

صعوبات جديدة أمام السياسة الروسية

روسيا وألمانيا والمصالح الاستراتيجية

الاتحاد الأوروبي وملفات المنطقة

قمة هلسنكي والمخاوف الأوروبية

مستقبل لبنان بعد الانتخابات النيابية

الإعلان العربي لحقوق النساء من ذوي الإعاقة

الانتخابات الإيطالية وضباب القارة الأوروبية

الأسبوع الآسيوي – الأميركي

في حجم تأثير الأوهام السياسية

تغييرات في نمط العلاقات الدولية

إعادة خلط الأوراق في بلاد الشام

الأسرى الفلسطينيون والجرائم الدولية الموصوفة

العدالة الدولية عندما تصطدم بالسياسة

أسئلة بمناسبة ستينية الاتحاد الأوروبي

ميونيخ 2017: مؤشرات مُختلفة

حراك من نوع آخر في شرق المتوسط

عن تطور العلاقات السعودية – الصينية