جنبلاط والحريري … إلى أين؟ 

ناهي نصر الدين

أنباء الشباب

لطالما عرف الجمهور اللبناني عامة وجمهور ١٤ آذار أيام ثورة الأرز خاصة،  الثقة المتبادلة بين رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري. تلك العلاقة التي تمثل استكمالاً لصداقة سيد المختارة مع الشهيد رفيق الحريري، والتي تمثّلت “بالاحتضان السياسي” من جنبلاط للحريري الإبن منذ دخوله المعترك السياسي. وبالرغم من التباين في التحالفات السياسية لاحقاً، ظل الإحتضان الجنبلاطي قائماً.
عملاً بمبدأ الاحتضان السياسي، وبالتزامن مع المواقف الإصلاحية والنهضة الشبابية التي يدعو لها جنبلاط جميع الأحزاب والقوى السياسية، كانت النصائح الجنبلاطية موجهة لإبن “رفيقه”! وفي الإفطار الأوّل الذي أقامه الرئيس الحريري، ردٌ بما بين السطور على النصائح الجنبلاطية. فهل استدرك الحريري تلك النصائح؟ ومن بعد رده “إلى أين؟”
انطلاقاً من المنبر “التويتري”، ومع ترقب اللبنانيين لنتائج الانتخابات البلدية في بيروت، غرد جنبلاط “حتى الشيخ سعد مش مقتنع بلائحة البيارتة”. الجميع ضحك لهذه التغريدة، نظراً للموقف الذي حدث مع الشيخ سعد، ولكن ماذا وراء التغريدات؟ فالحريري دعم لائحة على حساب لوائح أخرى. فكيف لمشروع رفيق الحريري اللبناني أن يختصر في بلدية ونقف بوجه مطالب شعبية صارخة؟
في الطلة الإعلامية الأخيرة للنائب جنبلاط التي كانت تمثل “الكلاسيكو السياسي” انتظر جميع اللبنانيين هجماته التكتيكية وكانت تسديدات جنبلاط قد هزّت شباك عدة، أبرزها شباك الحريري. وتميزت تلك التسديدات أنها كانت على شكل نصائح.
جنبلاط ال بي سي
النصيحة الجنبلاطية بما يتعلق بالمملكة العربية السعودية بدأت بقول جنبلاط “إحترز من أقرب الناس إليك في دارتك وانتبه!”
وقد لاقت هذه المقولة تحليلات عدة في أوساط الجمهور اللبناني، إضافةً لحديث جنبلاط عن دعوته للسعودية للتمسك بالحريري.
ومن الظاهر أن الشيخ سعد قد أخذ بنصيحة جنبلاط فردّ مباشرة عبر تويتر “مشوارنا طويل يا بك”. وقد استكمل الحريري أخذه بنصيحة جنبلاط في إفطار من خلال حديثه عن العلاقة مع السعودية قائلا: “هي مناسبة لأقول لكل من يعتقد أنّ بإمكانه الإصطياد في ماءٍ يريده عكراً”، أنّ ما من شيء يمكنه أن يعكّر العلاقة بيننا وبين المملكة العربية السعودية. نحن من عائلة ليس لديها الا الصدق والوفاء، وتيار المستقبل من مدرسة الوفاء، والمملكة مملكة الوفاء، ومن باله مشغول بهذا الامر فليطمئن، ومن لديه سوء نية لا يسعنا خلال شهر رمضان الا ان نقول: سامحه الله!
وهكذ يكون الحريري قد استمع لنصيحة جنبلاط، مع الرد على من يحاول الدخول بينه وبين السعودية مع سعيه أن “يطمئن” من باله مشغول قاصداً بهذا جنبلاط.
أما في موضوع الاعتدال والحريرية السياسية، قدم جنبلاط نصيحة للرئيس الحريري بأن يبقى معتدلاً ولو بقي وحيداً، وأضاف: “يجب معارضة الشارع وليس بالضرورة ان يسير الزعيم مع نبض الشارع معلقاً اذا انزلق الحريري الى الخطاب الطائفي والتجيشي فما الذي يميّزه عن المشنوق وريفي؟ المطلوب ان يبقى معتدلاً”.
وفي خطابه من بيت الوسط، قد تطرق الحريري لموضوع الاعتدال الذي يشدد عليه في جميع إطلالاته ولكن هذه المرة مع نكهة الدفاع عن الشباب الذين يتعرضون للتجني أحياناً حسب قوله، وقد عبر: “نحن في تيار المستقبل، سنبقى نمارس فعل الإعتدال وسنبقى نتصدّى لهذه المحاولة وهذه الفتنة بكل ما أوتينا من قوّة، لكننا لن نسكت بالمقابل على أخطاءٍ ترتكبها بعض الأجهزة، وحملات التجني التي تشنّها بعض الجهات السياسية والإعلامية على الشباب المسلم بذريعة مكافحة التطرف والإرهاب.
افطار بيت الوسط
وهذه مناسبة لأدعو رجال الدين المسلمين منكم إلى مواصلة الوقوف في وجه هذه الفتنة، ورجال الدين المسيحيين منكم إلى شهادة الحق بأنّ ما ترونه وتلمسونه وتخبرونه كلّ يوم وفي كل مكانٍ من لبنان لا يمتّ إلى هذه الفتنة وهذه الضّلالة بصلة.”
وبموقفه هذا احتفاظٌ بدور “الاعتدال الحريري” مع لفت النظر إلى نيته لحماية الشارع السني، وحتى “من بعض الأجهزة” كما ورد في تصريحه، وهذه النية بنكهة الاعتدال النابذ للتطرف. فأصاب سيد المختارة الهدف مرة أخرى…
قراءة الرسائل الجنبلاطية للحريري بدءاً من “تويتر” وصولا لكلام الناس، والانتقال لاحقاً لخطاب الحريري الذي تطرق لمواضيع قد أشار لها جنبلاط سابقاً مع أخذه مواقف واضحة على أكثر من صعيد من “داخل بيتة” حسب تعبير الزعيم جنبلاط، والداخل اللبناني إن كانت البلديات أو موقف الاعتدال، وصولاً للعلاقات مع المملكة، كل هذا دليل على أخذ الحريري بعين الاعتبار “النصائح الجنبلاطية”، وعلى مدى تأثير رؤية زعيم التقدمية على المواقف السياسية؛ هي الرؤية التي يتضح عمقها يوماً بعد يوم.
فهل سيحافظ الحريري على تلك الرؤية في ظل التغيرات السياسية اللبنانية؟ وأين سيكون الحريري من رؤية وليد جنبلاط للسياسة مستقبلاً؟
الأجوبة رهن الاستحقاقات القادمة، حتى نعرف “جنبلاط والحريري إلى أين؟”