قانون انتخابي ومجلس نيابي بحلة جديدة؟!

فيصل مرعي

يُعاني لبنان منذ ولادته، ازمات سياسية عدة، ابتداء من ميثاق 1943، وحتى هذه اللحظة، مخلفاً وجارِّ وراءه أزمات اقتصادية، واجتماعية كادت تودي بالوطن الى ما لا تحمد عقباه. وكان آخر هذه الازمات السياسية، ازمة انتخاب رئيس للبلاد، وأزمة القانون الانتخابي، وتفعيل المؤسسات.. ناهيك عمّا سببه هذا الميثاق من دوران لبنان في فلك قوى خارجية، كانت وما زالت تعمل على نهشه، وابتلاعه. وقد ثبُت ذلك من خلال ما شابه من تدخلات، واملاءات، ووصايات، واحتلالات نتيجة ميثاق لا يصلح لمطلع هذا القرن، فضلاً عن شهية بعض ساسته في الاستئثار بالسلطة، والتحكم بمقدراته ومقوماته، تاركين الشعب في غياهب المجهول، يجرِّر اذياله، وحيداً ، لا معين، ولا حاضن له، بسبب ميثاق صنع في اقبية الظلام، فوصلنا الى ما وصلنا اليه من تردّ سياسي، واقتصادي، واجتماعي، وحتى امني، ضرب في العمق بنيته وفرادته في هذا الشرق الكبير.

أمّا ما يهمنا، بعد مُضي الاستحقاق البلدي والاختياري، فهو القانون الانتخابي، القديم- الجديد، الذي يندرج في خانة الاصلاحات لاسياسية الكبرى، والذي أتى به كل على قياسه، غير مدركين بما ستؤول اليه قادم الايام وابعادها، متناسين في الوقت نفسه، ان للمستقبل منطقاً، وان للتاريخ صولة وجولة طال الوقت ام قصر. وحتى اللحظة، ما زالت الطبقة السياسية، تراوغ، وتداور، وتُحجم عن القيام، ولو بخطوة، باتجاه العمل على قانون النتخابي ينقذ هذا الوطن الجريح من وحول الطائفية البغيضة، ارتقاءً بلبنان الى مصاف الدول الديمقراطية الراقية. والعجيب، أنها مدة بقائها في سدة الحكم، راحت تزداد امعاناً في ضرب العيش المشترك، وفي ضرب النفحات الديمقراطية التي كانت تُطل من وقت لآخر في العمق، فراحت هذه الطبقات السياسية تتوالد، وتتناسل من بعضها البعض. طبقات لم تعرف الحداثة والعصرنة يوماً، فبقيت تدور على نفسها دون النظر بعين البصيرة، ضاربة بعرض الحائط حقوق الشعب السياسية المشروعة.

البلديات

لقد ارادوه، قانوناً كيدياً، تلقينياً، وظلامياً يُحاكي العصور الغابرة، قانون منح الطبقة السياسية تمثيل نفسها من خلاله لا غير، ما كاد يهدد كيانية الوطن، ويجعله وقوداً، ولقمة سائغة للآخرين. لقد ازالو المسحة الديمقراطية التي تحلى بها هذا البلد منذ ولادته، والتي نشأت معه دون منة من احد، فائقاً فيها اشقائه العرب.

واليوم ، وبعد الانتخابات البلدية الاخيرة، أصيبت الطبقة السياسية، بدوار ما بعده دوار، ستكوي نارها امتيازاتهم ما قبعوا في ابراجهم، والنظر الى الناس من عَلُ، ومن دون الشعور بأوجاعهم وآلالمهم. فمن سيكون حمَّال اثقال هذه الاستحقاق ونتائجه؟ فإما الابقاء على قانون الستين، الذي ذاق الناس مرارته، منذ سبعين سنة ونيِّف، بما حمل معه من تزوير، ومحاصصة، ورشوة، ومال… مبقياً كلاً في مكان، محدثاً التوتر بين الناخب والنائب في اكثر الاحيان، وجاعلاً من النائب معقِّب معاملات لا غير، متناسياً التشريع، والتعاطي مع العناوين السياسية الكبرى، والالتقاء مع الشعب على قاعدة توفير الاولويات للمواطن، وفي مقدمها الأمن الاجتماعي.. هذا النوع من القوانين من المستحيلات العجاف، ان يرسو على صدور اللبنانيين مجدّداً، وان تدفع اجيالينا الصاعدة ثمن التلاعب بمستقبل اولادنا واحفادنا.

وإما تغيير صورة لبنان، وتحديث حياته السياسية، بإيجاد قانون انتخابي تطمئن اليه النفوس، صحوة للضمير، وعودة للبنان الاصالة والقيم..

وأخيراً، انتهز الشعب الفرصة، وقال كلمته المدوية، بخلغه ثوب القدم، ملتحفاً بعباءة الفقراء والمعذبين. يبقى ان نشير الى ان الطبقة السياسية تأخرت عن تحقيق آمال الشعب وطموحاته، بحيث لم يعد بمقدورها انتاج نفسها، فشاحت وهرمت، وعجزت، فكُشف المستور، يوم تأكد بعد هذه الانتخابات ان الكلمة الاولى والاخيرة للشعب لا غير. فمن يزرع الشوك، يجني الجراح، فاتعظوا واعتبروا يا أولى الالباب. فإلى قانون انتخابي حديث، ومن ثمّ الى مجلس نيابي بحلّة جديدة.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…