عن المزاج الشعبي بعد الانتخابات البلدية في لبنان

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

لا يمكن إنكار ملامح التغيير التي افرزتها عمليات الاقتراع التي حصلت خلال شهرمايو/ ايار الماضي في لبنان. جزء من هذه الملامح له خلفيته المُضيئة والتي تستند الى أبعاد لا تدعو الى التشاؤم، اما الجزء الآخر؛ ففيه بعض الغرائب السياسية، وقد تكون مُستجدة على مساحة الحراك الشعبي، او الاهلي، وربما تكون من النوع الذي يؤسِّس لإنقلابات جذرية. والإنقلاب؛ مقاربة مصدرها عسكري – امني، عادة تبقى سرية الى ساعة التنفيذ، بمعنى انها تحمل سِمة المفاجأة. والمفاجأة جزء من سلاح المعركة، لأنها لا تعطي الطرف ألآخر فرصة البحث عن خطط المواجهة، او المقاومة.

في الخلفية المُضيئة للإنتخابات البلدية والاختيارية؛ انها اكدت على تمسُّك اللبنانيين بالاستقرار الامني، وبالحرص على عدم إحداث خضَّات خطِرة اثناء التحضير للإنتخابات، وإبان إجرائها، ذلك ان القدرة على إحداث تداعيات فتنوية – او اضطرابات امنية كبيرة – متوافرة عند العديد من القوة الحزبية، او عند بعض القوى العائلية او المحلية. وكان يمكن لأي  اضطراب كبير؛ ان يؤثر على سير العملية الانتخابية، او إلغائها برُمتها، وهذا لم يحصل. واكد اللبنانيون على العيش المشترك بين الاديان والطوائف، والخروقات الطفيفة التي حصلت من جراء سقوط بعض المرشحين هنا وهناك؛ لم تكُن بنيِّة إقصائية، او على خلفية تمييز طائفي، بقدر ما كانت ناتجة عن فوضى في التحالفات، او عن تراجع مستوى التصويت – مثال على ذلك ما حصل في طرابلس وادى الى سقوط المرشحين المسيحيين والعلويين، او ما حصل في بلدة المتين المتنية وادى الى سقوط المُرشحين الدروز.

وكشفت الجهة الأُخرى من الخلفية المُضيئة؛ المساحة التفاؤلية، حيث برزت عند القوى الامنية – وتحديداً الجيش وقوى الامن الداخلي – وكذلك عند الطاقم الاداري لوزارة الداخلية؛ قدرة فائقة على التحكُّم بضوابط الساحة، رغم الشوائب الكثيرة الناتجة عن الخلل السياسي والدستوري الذي تعيشه البلاد، ورغم الإختناق السياسي والاجتماعي الذي يشعر به اللبنانيون.

وفي الزاوية الأُخرى؛ فقد تركت الانتخابات بعض الامل من خلال تجديد جزء من السلطة في لبنان، يمكن ان تُحدِث بعض الخرق في جدار الإنسداد الاجرائي او التشريعي الذي تعيشه الدولة، وقد يكون حافز للإسراع في إتمام الانتخابات الرئاسية والنيابية المُتأخرة منذ اكثر من سنتين. رغم ان قانون البلديات لا يسمح للسلطات المحلية ان تمارس صلاحيات واسعة، كونها خاضعة لسلطة رقابة ادارية وقضائية مُتشدِدة، ويمكن لهذه الرقابة ان تُطيح بإي من الطموحات التي قد ترسمها بعض البلديات، كما ان هذه المجالس تتربع فوق فالقٍ من التناقضات العائلية و”الجببيِّة” التي تُهدِد بإنفراطها في اي وقت، لكون الرئيس ونائب الرئيس فيها يُنتخبان من اعضاء المجلس البلدي وليس مباشرةً من الشعب.

في زاوية الغرائب السياسية التي برزت من جراء العملية الانتخابية؛ ظاهرة التفلُّت من القيود التنظيمية التي تفرضها الاحزاب السياسية على مؤيديها. فكان واضحاً ان لدى عدد كبير من جمهور هذه الاحزاب نوايا إنتقامية، او اعتراضية، نجح هذا الجمهور في إخفائها عن المرجعيات الحزبية، واستخدمها كمفاجأة في صناديق الاقتراع، من دون خوف، او خجل. ولم يقتصر هذا الامر على انتخابات مدينة طرابلس، بل انه حصل في البلدات والمدن التي يتمتع فيها حزب الله وحركة امل بنفوذٍ واسع، كما انه حصل ايضاً في بعض بلدات الجبل، وفي مدينة بيروت، وقد لا يكون الامر طلاق بين بعض التيارات والاحزاب مع جمهورها، ولكنه رسالة تمرُدية لا بد من الوقوف عندها، خصوصاً انها جاءت بتشجيع غير مُعلن من قوى داخل هذه الاحزاب والتيارات، ضد مراكز نفوذ حزبية أُخرى، بمعنى آخر؛ كان هناك تصفية حسابات داخلية في عدد من الاحزاب والتيارات، اذا لم نقُل في معظمها.

في الجديد الذي بان من العملية الانتخابية ايضاً؛ ان الشباب برزوا كقوة اساسية لا يُستهان بها في المعركة الانتخابية، وهذا حقهم الطبيعي. ولكن بالمقابل بدىَ هؤلاء الشباب – او جزء كبير منهم – لا يملكون رؤية مستقبلية واقعية وواضحة تُحاكي الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والانتاجية والامنية، بل كان الحيِّز الاساسي من حركتهم يستند الى خلفية إنتقامية – من –  واعتراضية – على – الطبقة السياسية، والجزء الآخر من حراكهم كان تراشُق “فضائي” على مواقع التواصل الاجتماعي، في الغالب منه غير واقعي، واحياناً يحتوي على عبارات الشتم والإهانة، مما خلق مخاوف من الاجيال الاكبر سناً منهم،  ذلك لأن هذه المعادلة التهجُّمية الانتقامية وبلغةٍ قاسية؛ لا تكفي لبناء مُستقبلٍ افضل يطمحون اليه، فتحصين البناء؛ لا يشترط هدم كُل ما هو موجود، بل ان الواقعية تفرض على الاجيال الجديدة ترميم الموجود والتأسيس لبناء افضل. ان الشجرة التي تزرعها اليوم لا تأكل منها غداً، بل علينا قطف ثمار الاشجار المزروعة منذُ زمنٍ طويل، وزراعة اشجار جديدة لإستثمارها في المُستقبل؛ قد تكون اكثر إنتاجاً للثمار… وقد لا تكون كذلك، فعندها نكون قد خسرنا الماضي ولم نصنع المُستقبل الذي نريد .

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية