عن خطايا وأخطاء الثنائي المسيحي.. بلدياً

جليل الهاشم (المستقبل)

ليس من شك في ان اللبنانيين من خلال إقبالهم على الاقتراع ولو بنسب مختلفة وفق المناطق، أكدوا خيارهم الديمقراطي في مقاربة هذا الاستحقاق، وأيضاً توجيه رسالة بالمباشر إلى كل المعنيين عن رفضهم تأجيل كل محطة دستورية.

إلا أنه مع طي صفحة الانتخابات البلدية والاختيارية على النتائج التي باتت معروفة بما فيها من خلط أوراق وتحالفات وجمع تناقضات، بدا المشهد مختلفاً في الساحة المسيحية، غريباً أحياناً وغير مفهوم معظم الأحيان.

ما يجدر التوقف عنده في هذا الإطار، كان تسجيل حالات اعتراض حزبيين بعضها جزئي وبعضها ملحوظ في وجه أحزابهم بعامة لا سيما في الوسط المسيحي. كما تسجيل موجة استنهاض واسعة في مدن وبلدات كبرى في وجه تحالف الثنائي القواتي – العوني الذي أنتج «ورقة نوايا»، لم تتلمس المناطق المسيحية التي خيضت فيها المنازلات الانتخابية تحت لوائه أياً من مفاعيله باستثناء محاولات حجز المقاعد وتعزيز الحضور الحزبي وإلغاء زعامات وحيثيات بالسياسة.

يقول مرجع روحي ماروني إن «للأحزاب حقاً طبيعياً لا يجادل فيه في خوض الانتخابات. لا بل ان هدف كل حزب هو إيصال مشروعه من خلال الفوز بالانتخابات. لكن ما لم نفهمه في كل ما جرى هو أين هو هذا المشروع الذي تلطى بستارة المصالحة المسيحية؟ أفي جونية حيث خيضت معركة الوجود المسيحي المشرقي في وجه نعمت افرام؟ أم في زحلة التي تم تحريرها من «داعش»؟ أو في تنورين حيث النائب بطرس حرب أو في القبيات حيث النائب هادي حبيش والنائب السابق مخايل الضاهر، هل شكل هؤلاء مشكلة ومانعاً في تعميم المصالحة المسيحية»؟!.

يوم وقعت «ورقة النوايا»، استبشر الكثيرون خيراً. ومع حملات التأكيد على عمق التحالف وجوهره في ترويج غير مسبوق استمر شهوراً ليترجم في آخر تجلياته في الاستحقاق البلدي والاختياري، تنفس المواطنون الصعداء. ظن بعضهم ان فرص العمل ستفتح. البعض الآخر أخذ يبشر بمشاريع إسكانية لتثبيت الوجود. طيبون في المناطق الوسطية والجردية اعتبروا ان «البرادات» ستفتح أمام إنتاجهم، لا بل سيسوق إلى الخارج دون عراقيل. آخرون استعادوا تجربة السبعينات للدكتور جورج فريحة في الهيئات الشعبية والتعاضد الاجتماعي والصحي والتعليمي. أما المسيس منهم فراهن على قانون انتخابات جديد وانتخاب رئيس للجمهورية وتثبيت المناصفة في المؤسسات الرسمية…

«لا هذه ولا تلك» أسر لنا نائب عكاري: «مننونا بمصالحة وطي صفحة سوداء بينهما، ليعودا وينقضا مجتمعين على باقي المكونات المسيحية. كنا نأمل منهما تثبيت المواجهة الوطنية ضمن المشروع الواضح في تعزيز استعادة الدولة موقعها والمؤسسات الدستورية عملها. أليس هذا ما نصت عليه «ورقة النوايا»؟ لكن يبدو ان النائب دوري شمعون أولوية في هذا المسار ونعمة افرام وفريد الخازن ومنصور البون وبطرس حرب ونحن. لا بل كل من يناقشهما في أمر محلي أكان في جزين وعائلة الحلو أكبر دليل، أو في الأشرفية في داخل بيت التيار الواحد، أو مع مخاتير في بشري وغيرها«.

قطب شمالي عتيق أبدى أسفه لكل ما جرى وسأل: «من سيصالح من الآن، في تنورين والقبيات وبشري وقبلها في زحلة وجزين ودير القمر وجونية؟«

أضاف:» لم يتعظ البعض انه ما هكذا تكون المنافسة البلدية. لقد رفض الوجدان المسيحي عبر تاريخه الطويل كل المحاولات الالغائية أكانت مباشرة أم مبطنة. الأنكى أنهم لم يقرأوا لا مداولات ومقررات المجمع الماروني الأخير ولا الارشاد الرسولي ولا شرعة العمل السياسي التي أصدرته الكنيسة. وإن فعلوا، فخطيئتهم أعظم، لأنه بالمواربة والاحتيال وعبر عملية ديمقراطية حاولوا طحن شخصيات وعائلات سياسية وزعامات وطنية من الجنوب مروراً بجبل لبنان وصولا إلى البقاع وانتهاء بالشمال.. وفشلوا«.

مهما يكن، الأكيد ان الانتخابات البلدية أظهرت تراجعاً عاماً في وضعية كل الأحزاب دون أي استثناء. فمنها من واجه صعوبة في السيطرة على الوضع في أكثر مناطق نفوذه قوة، وبعضها فشل في فرض الأسماء على اللوائح وفي التحكم باللعبة الانتخابية. ورغم أن الأحزاب في المحصلة حصدت نجاحات كبيرة، إلا ان النتيجة الواقعية للأمور تشير إلى انها بدت مأزومة ولم تنجح في تقديم نماذج متقدّمة للهيئات المحلية، وهي باتت تواجه مشكلة ثقة ومصداقية ومشروع محاسبة تجاه محازبيها ومناصريها.

مسيحياً، صحيح ان «التيار الوطني الحر» شهد أوضح الانقسامات والتجاذبات في الأشرفية (بين زياد عبس ونقولا صحناوي) وفي جل الديب (بين نبيل نقولا هيئة «التيار») وفي جزين (تمايز آل الحلو الحلفاء التاريخيين لعون الذين أنتجوا لائحة مقطوعة الرأس) مع صفعات قوية في جونية وغوسطا وعكار، لكن «القوات اللبنانية» لم تنج من أخطاء كبيرة في التقدير في الأشرفية والحدث وجونية وزحلة وفي بشري وقضائها وفي الكورة وطبعاً في تنورين وعكار، في وقت يشير فيه مراقب محايد إلى أنها «ظهرت وكأنها قدمت الكثير لحليفها الجديد دون أن تحصد بالمقابل حصة وازنة، ومن يدري كيف ستكون الأمور في ظل هكذا تحالف في الانتخابات النيابية؟«.

يقول مرجع نيابي كبير في مجلسه الخاص تعليقاً على النتائج الانتخابية في المناطق المسيحية: «رغم الممانعة والعنتريات التي رفعها البعض في وجه النظام الأكثري، أظن أنهم سيتمسكون به على أساس انه الأنسب لهم في ظل ما حصدوه في أكثر من عرين انتخابي لهم«.

نائب ووزير سابق يشرح كلام المرجع النيابي ببساطة كسروانية قائلا: «حصد عون في جونية عاصمته الانتخابية كما أسماها 50,05 % وخرج أكثر من 35% على المشيئة «القواتية» في بشري، فهل يتم القبول بالنسبية؟ أظن ان النتائج ستعجل بشكل او بآخر بالعودة إلى قانون الستين!.