هل تناور موسكو بتمسكها بالاسد أم بتفاوضها مع مجلس التعاون الخليجي؟

لم تنجح محادثات موسكو بين ممثلي مجلس التعاون الخليجي ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تذليل العقبات التي تعترض استكمال المفاوضات السورية في جنيف ولا في عودة الوفود المشاركة الى ربوع الدولة الاوروبية المحايدة، حيث لا تزال الخلافات حول مستقبل سوريا ومصير الاسد تحول دون تقدم العملية السلمية، لا بل فإن تلك الخلافات اسهمت في عودة الطرفين الى تسعير جبهات القتال واشعالها.
الخلافات حول مصير الاسد بين دول الخليج العربي ومجموعة الدول الداعمة للشعب السوري ومنها اميركا وبين روسيا وايران الحليفة للاسد، وعودة اعمال العنف واستمرار الحصار ومنع وصول المساعدات الانسانية، ادت الى اسقاط الهدنه ودفعت بالمبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دي ميستورا بالتريث في الدعوة الى جولة جديدة من المباحثات حيث قال بعد مشاورات استمرت زهاء ساعتين في مجلس الامن “أن المفاوضات السورية لن تعقد قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع”.
وأضاف في بيان وزعه مكتبه “أن مبعوث الأمم المتحدة يرغب في إحراز تقدم على الأرض خاصة فيما يتعلق باتفاق وقف الأعمال القتالية وإيصال المساعدات الإنسانية”.
مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة سامنثا باور كشفت للصحفيين بعد إفادة دي ميستورا أمام مجلس الأمن “إن صبر مبعوث الأمم المتحدة بدأ ينفد، وأنه عبر عن إحباطه المستمر من عدم وصول المساعدات الإنسانية والأخطار الحقيقية على اتفاق وقف الأعمال القتالية والحاجة لتحقيق تقدم حقيقي في المباحثات السياسية.”
وقالت “أنه يتوجب على روسيا مسؤولية خاصة للضغط على نظام الأسد كي يلتزم باتفاق وقف الأعمال القتالية ويكف عن قصف المدنيين الأبرياء وحصارهم.” وأقرت باور “بوجود مخاوف بسبب فشل الشراكة الأمريكية الروسية بشأن سوريا في إنهاء الحرب المستمرة منذ خمس سنوات”. وتابعت قائلة “نعتقد أن الحل هو مواصلة الضغط على روسيا وإيران لاستخدام نفوذهما على حكومة الأسد.”
ديمستورا
كلام المندوبة الاميركية لم يسلك طريقه الى التنفيذ حيث ان روسيا لا تزال تتمسك بالاسد وتبتز مجموعة الدول العربية والغربية المعارضة له، وهذا ما أكده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعد اجتماع بين وزراء خارجية دول المجلس مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو من “أن الخلاف بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا في شأن سوريا لا زال على حاله، بما فيه مصير رأس النظام السوري بشار الأسد”. وطالب الجبير في مؤتمر صحافي مشترك مع لافروف، الأسد بوقف الأعمال القتالية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وأكد أن وقف الأعمال القتالية ضروري من أجل استئناف المحادثات لتنفيذ عملية الانتقال السياسي في سوريا، وعلى “رغم الخلافات بالرأي أحياناً مع روسيا لكن الرؤية المشتركة موجودة ولا نمانع التشاور حتى في الأمور العالقة”.
اما لافروف الذي استعاد أجواء الجولات السابقة من الحوار التي عقدت بين الجانبين، أكد أنه “منذ بدء اجتماعاتنا في أبو ظبي قبل خمس سنوات، أظهر الحوار فاعلية في المسائل الإقليمية والدولية”، آملاً أن يعطي هذا الاجتماع الأخير “زخماً لعلاقاتنا”. وأكد أن روسيا ودول مجلس التعاون أكدا التزامهما قرارات مجموعة الدعم الدولية لسوريا وقرارات مجلس الأمن، كطريق وحيد للتوصل إلى حل الأزمة. وأبرز أهمية “الاتفاق على الآلية الشاملة التي ستتولى كتابة الدستور وإجراء الانتخابات في سوريا”، لافتاً الى أن مجلس الأمن أقر فترة 18 شهراً كوقت محدد لكتابة الدستور وإجراء الانتخابات في سوريا”.
مصادر مقربة من المجتمعين في موسكو كشفت للأنباء “أن الخلافات بين الجانبين لا تزال قائمة وليس الأسد النقطة الخلافية الوحيدة بين الجانبين، فالمفاوضات أظهرت بوضوح تمسك روسيا بالاسد من خلال تكرار لافروف مقولة أن الشعب السوري هو من سيقرر مصير بلاده، رداً على أي محاولة للبحث في مصير الأسد”، كما أظهرت سعياً روسياً واضحا لاضعاف المجموعات التي تقاتل النظام، وتحديداً “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” فموسكو تريد إدراج التنظيمين على لائحة المنظمات الإرهابية، بينما أيدت الرياض انضمامها إلى اللجنة العليا للمفاوضات، المجموعة الرئيسية الممثلة للمعارضة السورية في مفاوضات جنيف”. وهذه أيضا نقطة خلاف بين روسيا ودول الخليج، تريد من خلالها موسكو ضرب العصب العسكري للقوة التي تواجه النظام، وليس ضرب تنظيم داعش كما تدعي، وهذا ما دفع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واوكرانيا إلى إحبطت محاولة قامت بها روسيا في مجلس الأمن لادراج المجموعتين على قائمة المنظمات “الارهابية” واستبعادهما بالتالي من مفاوضات السلام بين النظام والمعارضة”
2016-05-27 11.09.06
وطلبت موسكو رسمياً في مجلس الأمن اضافة “احرار الشام” و”جيش الاسلام” على قائمة الإرهاب بحجة ارتباطهما بتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، الا ان طلبها واجه رفضاً من الدول الاربع.
الخلافات الروسية مع دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والتي حالت دون عودة المفاوضات السورية الى جنيف، لم تحل دون عقد الاجتماع الرابع للحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي في موسكو، والذي كان قد انطلق عام 2011، واستضافته 3 عواصم خليجية منذ انطلاقه هي أبو ظبي والرياض والكويت. وهذه المرة الأولى يعقد في موسكو، وقد ركزعلى الأزمة السورية ومسألة الطاقة، والذي اتفقت يه دول الخليج وروسيا على العمل سويا لمنع الأعمال الإرهابية ودحرها من خلال التعاون الدولي، والاعتراف الكامل بالدور المركزي الذي تلعبه الأمم المتحدة وفقا لميثاقها، والتنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولا سيما القرارات رقم 2170، و2178، و2199، و2253. واستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، ودعم جهود مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ولجنة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، واعتماد اتفاقية شاملة بشأن الإرهاب الدولي في أقرب وقت ممكن.

جاء ذلك في بيان مشترك صدر بعد نهاية الاجتماع الوزاري المشترك الرابع للحوار الاستراتيجي الذي انعقد في العاصمة الروسية موسكو؛ إذ ترأس الجانب الروسي سيرغي لافروف وزير الخارجية، فيما ترأس جانب مجلس التعاون الخليجي عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري لمجلس التعاون، بمشاركة الدكتور عبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي.
واتفاق الجانبان على عقد الاجتماع الوزاري المشترك الخامس للحوار الاستراتيجي في 2017 في البحرين.
ورفض الوزراء في بيانهم ربط الإرهاب بأي دين أو ثقافة أو مجموعة عرقية، مشددين على تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب ولمعالجة العوامل المؤدية إلى انتشاره والقضاء على مصادره، أو أي نوع من الدعم للإرهاب والتطرف العنيف، بما في ذلك تمويلهما، فضلا عن مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ودانوا الإرهاب بأشكاله ومظاهره كافة.
كما رحب الوزراء بالمبادرة التي طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتشكيل جبهة لمكافحة الإرهاب واسعة النطاق على أساس المعايير القانونية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، والعمل بموجب الاتفاق والتنسيق الوثيق مع الدول الإقليمية التي تتحمل العبء الأكبر في مقاومة الإرهابيين والمتطرفين.
مصادر مقربة من المجتمعين لفتت الـ”أنباء” إلى أنه “خلافاً للقاءات العربية– الروسية السابقة، لم يبرز أي تباين واسع حيال إيران، إلا أن في هذا اللقاء حيث عبر الجبير على “قلق دول المجلس من تصرفات إيران وتدخلها في شؤون دول المنطقة، وأكد ترحيب المجلس بأي جهد قد يؤدي إلى تغيير في سلوكيات طهران” فالتقط لافروف الاشارة سريعاً، وأكد أن لدى روسيا “علاقات جيدة مع الطرفين وتريد أن تستخدمها لفتح حوار مباشر بين إيران ودول مجلس التعاون”. ما يعطي للحوار الخليجي – الروسي بعدا سياسياً واستراتيجياً يتجاوز العلاقات الاقتصادية بينهما، سيما وان الوزير الروسي جذر من “محاولات إظهار الخلاف العربي– الإيراني على أنه انقسام في العالم الإسلامي” معتبرا أنها “محاولات استفزازية ولا تصب في صالح المنطقة”.
هل تنجح روسيا في فتح حوار عربي – ايراني في الوقت الذي بدأت التباينات الروسية – الايرانية في سوريا تصدع جبهة (الممانعة الروسية – الايرانية – السورية)، وهل ينجح مجلس التعاون الخليجي في الاتفاق مع روسيا حول سوريا والنفط والطاقة ويدخل معها في تحالف استراتيجي يعوض البعد الاميركي عن المنطقة اسئلة تبقى رهن المستقبل في منطقة تعيش مخاضاً كبيراً في مستنقع من الدماء.

————————–
(*) فوزي ابوذياب