ماذا ينتظر لبنان بعد الانتخابات البلدية والاختيارية؟

تنتهي صباح الاثنين القادم همروجة الانتخابات البلدية والاختيارية، بعد انتهاء الجولة الرابعة من الاستحقاق الوطني في لبنان الشمالي حيث انتهت فجر اليوم مهلة الترشيحات حيث اعلن فوز عدد من المخاتير والمجلس البلدية بالتذكية، وكما سارت الانتخابات البلدية في محطاتها الثلاث السابقة فإن اتجاه المحطة الرابعة لن يحمل الكثير من المفاجآت سيما وان تحالف الاقوياء في عاصمة الشمال واجواء التوافق في زغرتا تعطي للعملية التنافسية بعدها العائلي الداخلي فيما قد تشهد القبيات والبترون معارك مواجهة رافضة لمحدلة “تفاهم معراب”.
بعيدا عن اجواء الانتخابات البلدية التي تتباين قراءة نتائجها بين من يضعها في سياق التحولات الاستراتيجية المؤثرة في تركيبة المجلس النيابي المقبل بعد ان اقفل الرئيس نبيه بري الباب امام اي محاولة تمديد جديدة له، وانعكاس ذلك على تكوين السلطة السياسية ونظام الحكم، وبين من يضعها في سياقها المحلي التنموي وطبيعة التركيبة الاجتماعية العشائرية التي تتكون منها القرى اللبنانية والعائلات الروحية فيها، والتي اظهرت قدرة تأثير تفوق تأثير الالتزام الحزبي والسياسي والعقائدي على الناخبين الحزبيين، في ظل غياب المشاريع الاصلاحية والبرامج التنافسية عن ساحة المعارك الانتخابية. فيما يتفق الجميع على خروج الاحزاب السياسية من هذا الاستحقاق منهكي القوى والتنظيم والانضباط الحزبي، وبحاجة الى مراجعة دقيقة في برامجها وفي معنى الالتزام.
بعبد القصر
بعد الانتخابات البلدية ينتظر لبنان استحقاقات عديدة لم يعد بالامكان تأجيلها تحت اي ذريعة من الذرائع لاسيما الخلافات الوزارية، سيما وان الانتخابات البلدية لم تعطي لاي من القوى السياسية سلطة مطلقة او انتصار كاسح في اي من المناطق كي يعمل على استثماره لا على طاولة مجلس الوزراء ولا على طاولة الحوار التي باتت اشبه بجلسة حوار لأجل الحوار، وتعبئة للوقت بانتظار اتضاح صورة المنطقة التي يلفها الغبار الاسود القاتم.
ومن اولى هذه الاستحقاقات، انهاء الشغور الرئاسي الذي يدخل عامه الثالث عشية عيد المقاومة والتحرير، والشروع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يعيد لموقع الرئاسة حضوره ودوره في ظل الازمات المتتالية التي تحيط بلبنان وتتغلغل في صلب مؤسساته تعبث فيها فساداً وتشرذماً وتعطيلاً، واذ يبدو من الصعب دخول هذا الاستحقاق طريقه السليم في ظل الربط المتعمد لمصير لبنان بمستقبل المنطقة لا سيما الحرب الدائرة في سوريا، يعلّق اللبنانيون الآمال على مسعى تضطلع به فرنسا، جزء منه علني والآخر خلف الكواليس، لاخراج بلدهم من أزمتهم السياسية المتوالية فصولا، والتي تقوم على خارطة طريق من أربع نقاط:
أولا، انتخاب رئيس للجمهورية وفق الاصول الدستورية لست سنوات غير قابلة للتقليص.
ثانيا، تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات الرئاسية، تمثل المكونات السياسية كافة ولا تستثني احدا، وسط توجّه غربي لابراز الطاقات لا سيما الشبابية، بعد ان أثبت الشباب جدارة ومهارة في تعامله مع مختلف القضايا.
ثالثا، وضع قانون انتخابي جديد يؤمن صحة التمثيل لجميع الاطراف بمن فيهم المسيحيون الذين يشكون من وصول عدد كبير من نوابهم، من خلال اصوات الناخبين المسلمين اوبطلب من القيادات الاسلامية.
رابعا وأخيرا، اجراء الانتخابات النيابية في موعدها ورفض اي محاولة للتمديد للبرلمان الحالي بعد ان مدد ولايته مرتين وبات عمره 8 سنوات.
خارطة الحل الفرنسية تتعارض مع ما طرحه الرئيس بري في جلسة طاولة الحوار الاخيرة والتي تقوم على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها وفق القانون الحالي إذا ما نجح المجلس في إقرار قانون جديد للانتخابات، لا بل فإن الرئيس بري اقترح ايضاً تقصير مدة المجلس اذا تم الاتفاق على قانون جديد للانتخابات تنكب اللجان النيابية المشتركة على دراسته، دون ان يلفت الى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية كمدخل اساسي لاي حل.
في هذا السياق ترى مصادر دبلوماسية متابعة ان التعارض في الخيارات بين خارطة الطريق الفرنسية، وبين مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري التي رأى فيها القائم بالاعمال الاميركي السفير ريتشارد جونز بأنها “مثيرة للإهتمام”، وقال بعد زيارته الرئيس سعد الحريري في “بيت الوسط”، ان “اقتراح الرئيس نبيه بري اجراء انتخابات نيابية تليها انتخابات رئاسية مُثير للاهتمام، ويجب على الجميع ان يأخذوه جديا بعين الاعتبار، واعتقد ان الرئيس الحريري يفعل ذلك”. وردا على سؤال عما اذا كان يؤيد اجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، أشار الى “انني لست من الاشخاص الذين يقولون بأن على شيء ان يحصل قبل الاخر، المهم ان تحصل الامور”، مضيفا “تحدثنا عن الفراغ الرئاسي وأحث مجددا الشعب اللبناني على القيام بكل ما باستطاعته لملء هذا الفراغ، واعتقد ان ترهل المؤسسات يشكل خطرا كبيرا على لبنان ومن الضروري ان يجد اللبنانيون حلا لانتخاب الرئيس، وقد تفتح مبادرة رئيس البرلمان الباب امام ذلك.”
مصرف لبنان
على الرغم من ان الملف ملء الشغورالرئاسي بشكل مدخلال اساسيا لمعالجة الأزمات اللبنانية المتلاحقة فإن ملف قانون العقوبات الأميركية ضد تمويل حزب الله والتي باتت تطرق ابواب المصارف اللبنانية اصبحت تشكل خطرا مضاعفا على الاستقرار النقدي وبالتالي الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وفي هذا السياق باشر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لقاءات خاصة لمعالجة ذيول أولى تطبيقات القانون الاميركي، حيث تتركز اللقاءات على “تفسير التعميم الرقم 137 والبيان الذي أصدره الحاكم من باريس الأسبوع الفائت”، حيث أكد سلامة أمام المجتمعين “أن الهدف هو تجنّب حصول تعسف في التنفيذ في حق بعض الحسابات، لكنه شدد في المقابل على أن القانون سينفذ”.
ومن الاستحقاقات الملحة التي باتت تشكل خطرا على الاستقرار الداخلي ايضاً، العنصرية والشوفينية اللبنانية ضد النازحين السوريين التي ترافقت مع تفسير خاطئ لتقرير الامين العام للأمم المتحدة حول حال النازحين والمهاجريين في العالم، والموجه الى الجمعية العامة في دورتها السنوية في ايلول المقبل، بحيث يرفع البعض شعار “التوطين” كفزاعة بوجه اللبنانيين عامة والمسيحيين خاصة وهذا ما حسمه الرئيس تمام سلام في كلمته أمام مؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني التي استضافتها تركيا اذ أكد على موقف لبنان الرافض لتوطين هؤلاء ومطالباً المجتمع الدولي بتقديم المساعدات للبنان ليقوم بتحمل أعباء مليون ونصف مليون لاجئ على اراضيه.
هذه الاستحقاقات الثلاث والتي ينقسم عليها اللبنانيين، باتت بحاجة الى معالجة جدية وملحة بعد الصحوة من سكرة الانتخابات البلدية، قبل ان ينجرف لبنان في غفلة من الزمن نحو اتون النار المشتعلة في سوريا على وقع الانقسام الدولي الروسي – الاميركي.
فوزي ابوذياب