الصيف السوري الملتهب!

أسعد حيدر (المستقبل)

11 ساعة امضاها الجنرال جوي فوتيل قائد القوات الاميركية في الشرق الاوسط، وقائد القوات الاميركية الخاصة سابقاً، في «عين العرب» السورية، ولم يثر انتباه أحد. كأنه أصبح أي حدث في سوريا لم يعد حدثاً، مهمة الجنرال فوتيل كما اعلنت، التحضير لهجوم واسع على الرقة لتحريرها من «داعش». رغم اهمية المعركة القادمة، فإنها لا تكفي لهذا الصمت المقصود والملغوم. لم يكن ضرورياً هذا النزول العسكري الرفيع لو لم يكن يؤشر الى تحول اميركي عميق من الحرب في سوريا، سيترك بصماته على مساراتها مستقبلاً. الساعات الاحدى عشرة التي امضاها فوتيل تشكل «تعويضاً عسكرياً مفتوحاً على تطورات لاحقة عن الضعف السياسي الذي طبع السياسة الاميركية في سوريا. مهما كانت تبريرات ومبررات هذا الضعف تحت بند سياسة اميركية بخسائر صفر ذات مردود رابح متطور ومحفز.

السؤال الكبير، لماذا قرر الرئيس باراك اوباما في هذا التوقيت انزال احد كبار جنرالات الجيش الاميركي الى الجبهة، وهو الذي يعمل الآن في البيت الابيض وكأنه سيغادره حكماً غداً؟

يبدو ان اوباما لا يرغب في أن يأتي الرئيس المنتخب الى البيت الابيض، ليجد ملف الشرق الاوسط فارغاً بلا رصيد على الصعيدين العسكري والسياسي، في وقت «تلتهمه» الحرائق وتمزقه عشرات «الألغام» المزروعة قديماً وحديثاً. على الاقل سيجد الرئيس القادم «رصيداً» يشكل ملفاً مفصلاً عن الوضع والاحتمالات والامكانيات والعلاقات مع خمس قوى متزاحمة ومتنافسة ومتواجهة وهي: روسيا وإيران وإسرائيل وتركيا والسعودية.

لا تريد واشنطن سواء «الاوبامية» منها او «القادمة منها»، ترك روسيا قيادة الحرب والسلام في سوريا. مثل هذا الانفراد يفتح على الاندفاع نحو انخراطها في صوغ ملفات شرق اوسطية عديدة، تحقق لها ما تطمح اليه «الشراكة الكاملة» في قيادة السياسة العالمية. من مصلحة واشنطن حالياً وبسرعة العمل على استثمار الحالة السورية مباشرة وميدانياً، لأن مثل هذا الاستثمار يشكل عملية «إدخار» واسعة في منطقة تعرف تفاصيلها بدقة. واشنطن تتأكد يومياً انها مهما نزعت نحو الاهتمام بمنطقة المحيط الهادئ لا يمكنها التخلي عن الشرق الاوسط. ما تريده واشنطن حتى الآن حمل موسكو على إبرام تسوية سياسية في سوريا. عنوانها الكبير «لا داعش ولا الاسد». موسكو ليست بعيدة من هذا، المهم حجم «الثمن» الذي ستحصل عليه.

اما طهران، فإنها اوقعت نفسها ومعها حليفها «حزب الله» في «رمال متحركة» ليس من السهل الخروج منها من دون خسائر. رسم المرشد آية الله علي خامنئي بقاء بشار الاسد «خطاً احمر»، يجعل من سقوطه خسارة استراتيجية فادحة، لها آثارها وتردداتها على السياستين الداخلية والخارجية الايرانية. لذلك تعمل ايران حالياً على تصعيد الموقف الى درجة ان قادة «الحرس الثوري« والجيش الايراني عادوا الى خطاب «الشيطان الاكبر» والاستعداد لهزيمته، علماً ان هؤلاء القادة يعرفون بالتحديد حجمهم وقوتهم وقدراتهم على مواجهة الجيش الاميركي.

اكثر ما يثير طهران من التطورات السورية ان امساك واشنطن بقيادة العمليات العسكرية لتحرير الرقة والفلوجة ومن ثم الموصل من «داعش»، سيكسر خططها للامساك بالخط البري الممتد من بغداد الى دمشق وصولاً الى بيروت. خسارة ايران لهذا الهدف الاستراتيجي ينزع منها الامساك بصياغة مستقبل العراق وسوريا ولبنان. اكثر ما يمكن ان تحصل عليه في هذه الحالة بعض المكاسب المحدودة والمحددة. فرض الشروط في الجبهات الممسوكة عسكرياً مختلف جداً عن المفاوضات السياسية حيث التنازلات اساسية. من البداية كان على طهران ان تدرك ان موسكو مهما تعاونت معها فإنها ستبقى بحاجة الى واشنطن، واذا كان عليها ان تختار التعاون لتحصل على الشراكة الدولية فإن الواقع يفرض عليها عدم التردد واختيار واشنطن.

السعودية التي قادت «عاصفة الحزم» اكدت حضورها وحقوقها في المشاركة مباشرة في صياغة الخط الممتد من صنعاء الى دمشق فلبنان. نجاحها في اليمن اصبح منظوراً، يفتح لها الحدود والملفات امامها.

تركيا لم تعد بعيدة من التدخل المباشر في الحرب السورية. في انقرة يقال ان «ثمة شيئا يطبخ في قيادة الاركان» وذلك بعد القصف المتكرر على «كيلس»، واعلان اردوغان« ان هذا القصف هو عملية انتقام وثأر تاريخي». تركيا بعد إسقاطها للسوخوي الروسية اصبحت اكثر «اطلسية» لذلك يجب ملاحقة القرار الاميركي لتحديد حجم التدخل التركي. في جميع الاحوال، تركيا الاردوغانية لن تقبل ابداً سقوط حلب بيد الاسد طهران موسكو. بالنسبة اليها هذا خط احمر يمس أمن تركيا الاستراتيجي.

أخيراً فإن اسرائيل التي حافظت على موقفها الذي انتج المحافظة على بقاء الاسد، بالتعاون مع موسكو، مضطرة الى إعادة حساباتها بعد ان اصبحت طهران هي التي ترسم سياسة دمشق العسكرية والسياسية. مهما كان بقاء الاسد مهماً لاسرائيل فإنها مع وجود موسكو وواشنطن يمكنها القفز فوق «الخطوط حتى الحمراء منها« من اجل حماية امنها الاستراتيجي.

لن ينجو احد من التصعيد في سوريا، يمكن رسم خط بياني للعنف واللهيب المتصاعدين بلا ضوابط في سوريا هذا الصيف. بانتظار ما ستفرزه سوريا ميدانياً وما ستنتجه التطورات السياسية الداخلية في واشنطن وطهران. ويمكن الحديث عن بداية تشكل شرق اوسط جديد.