كلوفيس مقصود ظهير العروبة والتقدمية وفلسطين

د. قصي الحسين

اعتبر أن الذكرى الـ 68 للنكبة – 48 الفلسطينية، إنما هي ذكرى موت وقيامة، بعد رحيل كلوفيس مقصود في هذا اليوم 15 أيار 2016. ألم تكن فلسطين على ظهره أينما حل أو رحل. ألم تحمله النكبة على ظهر موجة إلى بحر بيروت، وهو ابن العشرين عاماً. ولهذا ربما تماهت به نكبة شعبه، فتماهى بها تعويضاً عن الإحساس بخسارة وطن ونزيف جرح سال من جبهته على ساحل الشويفات في لبنان.

موت وقيامة في آن، في الذكرى 68 لاغتصاب فلسطين، لمما نال كلوفيس مقصود اليوم في رحيله، كرامة لعروبته ولبنانيته وتقدميته وفلسطينيته، ولم ينله أحد غيره. لمما ذاقه وحده من عذوبة النضال لثلاثة أرباع القرن، ولم يذقه أحد غيره.

000

 عاشت العروبة بين ظهرانيه كدوحة باسقة، وما كان يدري أتتفيأه أم يتفيأها. صنوبرة العمر عند كلوفيس مقصود قرنها دوحة العروبة. وجهان مشمسان في مرآة النضال اليومي والتعب الوطني والقومي والتقدمي. ودأب مستمر بين الشويفات وفلسطين والشويفات والمختارة. والشويفات والقاهرة. تحت ظلال الأرز. أرز لبنان وأرز الشوف وأرزة العلم اللبناني.

رضع لبنان العروبة من ثدي أمه ماري، معلمته الأولى في القومية، وعرف الطريق باكراً لدى ناسك المختارة المعلم كمال جنبلاط، حيث ناخت به راحلته. فهي مأمورة. على باب مثلث أرض الميعاد: العروبة والتقدمية وفلسطين.

يقول بشارة مرهج (وزير ونائب سابق): “كلوفيس مقصود الذي دخل ميدان السياسة من بيت كمال جنبلاط وحزبه الاشتراكي، سرعان ما اتصل بالنبض العربي الناهض على خطى جمال عبد الناصر، الثائر على الاستعمار القديم في قنال السويس، وعدن والجزائر وبغداد”. وهو يضيف: “بقي المفكر التقدمي، الآتي من الشويفات على علاقة طيبة بجنبلاط الأب، لكنه انطلق في الفضاء العربي مترافقاً مع جبران مجدلاني وموريس صقر في التواصل مع البعث وشبابه التقدمي الرافع على سواعده في شوارع حلب والموصل وعمان، صورة القائد المصري الكبير، الذي نقل العرب من مستنقع الهوان والاعتراض إلى عنفوان الإرادة والثورة” (السفير 12/5/2016 العدد رقم13367، ص3)

كمال جنبلاط وعبد الناصر

في الذكرى الثامنة والستين لنكبة فلسطين، تماهت في الراحل العروبي التقدمي كلوفيس مقصود النكبة. امضى العمر يحلم بالعروبة وفلسطين، ولما رآها تموت وتدفن في الرقة وفي شوارع دمشق وحمص وحلب وبغداد، أغمض عينيه ومات. وصفه فيليب سالم، براهب العروبة: “يقول آرثر كوستلر في كتابه:”ظلام عند الظهيرة”: يهون على المرء أن يموت بعد أن يرى أرض الميعاد”. لكن كلوفيس مقصود لم ير أرض الميعاد. رأى أرضاً تحترق. من فلسطين إلى دمشق إلى بغداد إلى اليمن إلى ليبيا. رأى أرضاً تشتعل. أرضاً تغتصب. يغتصبها العنف ويحكمها الحقد. رأى القومية العربية تتلاشى أمامه كالسراب ورأى الانتماء إلى الوطن ينحدر إلى الانتماء إلى الطائفة، لذا كان صعباً عليه أن يموت” (النهار العدد 25977 تاريخ 17/5/2016، ص 1)

حقاً، إن كلوفيس مقصود اليوم في رحيله عنا، إنما تماهى بفلسطين في الذكرى الـ 68 لنكبتها، فهو مثّلها في موت وقيامة. يقول كمال خلف الطويل الذي التقاه في آب الماضي في المستشفى بواشنطن: ذهبت وصديقين طبيبين إلى مشفاه لأجده عند الشفق، ما بين السبات والوعي. ندهت عليه باسمه لأجد عينه تطرف وبعض لسانه يقول: عروبة.. بيروت، وليشدّ بوهن على يدي” (الأخبار العدد 2887 تاريخ 17/5/2016، ص 10)

ظهير العروبة والتقدمية وفلسطين، إلى حيث ماري وهالة سلام وكمال جنبلاط وعبد الناصر، نم قرير العين.

—————————

(*) أستاذ في الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث