لا عجب إذا كانت الإنتخابات البلدية تستحضر كل الأوساخ الكامنة في عمق المجتمع، فهذا دليل على صحة القول بالمهمة الإنمائية للبلديات والإنماء يبدأ بالبنى التحتية، الواقع ان البنى التحتية الإجتماعية والغرائزية والنفسية هي التي تتحكم بمسار خيارات الناس وفي هذه الحالة إنماء طربوشاً فضفاضاً لهدف كاذب.

كيف نفسر إذا فتوى بانتخاب مجموعة من الأشخاص يتم انذالهم على بلدة او مدينة او قرية؟

وكيف نفسر قرع أجراس الكنائس من فئة ضد فئة تنتمي الى نفس الديانة وكيف نفهم نزول المستوى في الخيارات والإختيارات الى حد البحث في حجم الأجباب والأفخاذ والعشائر والعائلات او في حجم المذاهب والطوائف في هذه الدائرة او تلك.

الإنتخابات امر جيد ولا بد منها وإنطلاقها في دورتها الأولى قبل إستكمالها في دورات ثلاث أخرى أمر ضروري لإعادة الناس الى مفاهيم الإختيار عبر الصناديق وتجديد قيادتهم على مستوى المسؤوليات المحلية بشكل دوري. لكن هذه الإنتخابات التي جاءت بعد تمديدين للمجلس النيابي ومنع مقصود على مدى عامين لإنتخاب رئيس للجمهورية حملت في طياتها كل مساوئ فشل العمل الديمقراطي الطبيعي وكل أخطار منع الإقتراع الدوري وإقفال صناديق الإقتراع على كل المستويات.

لقد أدى إلغاء الإنتخابات النيابية وبعدها إلغاء الإنتخابات الرئاسية الى تفتيت شامل على مستوى الوعي الشعبي وفي البنى الإجتماعية والسياسية والحزبية وجعل من مناسبة الإنتخاب البلدي فرصة بات فيها المرشح يعتبر نفسه بديلاً عن النائب وعن رئيس الجمهورية وبات الجب والفخذ والعشيرة والعائلة يعتبرون فوزهم إمساكاً بمصير البلد، اما في ذهن هؤلاء جميعاً وليس سوى حدود النطاق العقاري للقرية أو المدينة.

حسنة الإنتخابات البلدية الراهنة الوحيدة هي انها تمرين أولي على حمل ورقة الإقتراع وإعداد تذكرة الهوية والتعرف على الصندوق ومقابلة رئيس القلم وبالتالي إعادة الإعتبار الى مغزى التجربة اللبنانية التي قامت رغم كل المساوئ والمآخذ على الاختيار والإنتخاب انها محطة يجب ان لا تجعل الناس يدخلون في عداوات بل عليهم ان يتعظوا بالنظر الى الأمام فهم يعرفون في أعماقهم ان الإختبار الذي يقومون به لا قيمة له من دون الشروع في إعادة بناء المؤسسات الأم وقوامها انتخاب مجلس نيابي جديد وقبله انتخاب رئيس للجمهورية. فهنا بالتحديد يكمن التحدي الذي يجب التصدي له وحله بأسرع وقت.