حلب تدخل الهدنة الهشة وقوات النظام تستمر بالتصعيد!

ساد الهدوء نسبي مدينة حلب، منذ ساعات الفجر الأولى في أعقاب اتفاق أميركي – روسي، على تمديد اتفاق الهدئة في سوريا، بعد ان انهار تحت وطأة أعمال القصف العنيف الذي شهدته مدينة حلب على مدى أسبوعين طاول المستشفيات والمناطق السكنية التي سقط فيها مئات القتلى. فأعلنت الخارجية الأميركية عن دخول وقف إطلاق النار في حلب حيز التنفيذ منتصف ليل الأربعاء – الخميس بتوقيت دمشق، ولكنها أشارت إلى أن القتال لم يتوقف. وكانت الاتصالات الأميركية – الروسية تكثفت خلال اليومين الماضيين لضم مدينة حلب إلى الهدنة قبل ان تعلن عن توصلها لاتفاق مع روسيا على توسيع نطاق وقف إطلاق النار ليشمل مدينة حلب المحاصرة، مؤكدة أن الجانبين الأميركي والروسي ينسقان لتعزيز مراقبة الترتيبات الجديدة.وتوقعت الخارجية الأميركية أن تضغط روسيا على الأسد للالتزام بالترتيب الجديد وبالتزامن مع ما ستقوم به أميركا مع المعارضة بغية الالتزام بالهدنة. فيما أعلن النظام السوري عبر وسائل إعلامه أنه سيلتزم بالهدنة في حلب لمدة ثمانٍ وأربعين ساعة اعتبارا من صباح الخميس.

قبل ساعات من اعلان التهدئة أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من خطة النظام السوري لحصار المدينة وتهجير 400 ألف شخص إلى تركيا، من جهته أعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول: إن وزير الخارجية الفرنسي جان-مارك آيرولت دعا نظراءه السعودي عادل الجبير والقطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني والإماراتي عبدالله بن زايد والتركي مولود جاويش أوغلو إلى اجتماع في باريس الاثنين لبحث الوضع في سورية. ولم يعلن بعد ما إذا كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري سيشارك في الاجتماع. وكان ايرولت شارك في اجتماع رباعي في برلين ضمه مع نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ورياض حجاب الذي قال إن المعارضة وصلت إلى طريق مسدود مع نظام الأسد في مفاوضات جنيف، مضيفاً: “يجب أن تكون هناك اتفاقية شاملة وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2268 تشمل كل المناطق السورية التي توجد فيها المعارضة المعتدلة من دون تمييز أو اقتطاع”. وطالب بوقف شامل للنار بمبادرة جديدة تضع جدولاً زمنياً واضحاً للانتقال السياسي من دون الرئيس بشار الأسد لاستئناف مفاوضات جنيف.
كيري ولافروف
من جهته رجح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استئناف المفاوضات السورية خلال الشهر الجاري، لكنه استبعد أن تكون مباشرة بسبب “تصرفات غير مسؤولة للهيئة العليا للمفاوضات” المعارضة. ولم يستبعد عقد اجتماع وزاري قريباً لمجموعة دعم التسوية، لكنه حمل “واشنطن وحلفاءها” مسؤولية تهديد الهدنة. وقال إن الأسد “ليس حليفاً لروسيا مثل تركيا بالنسبة إلى الولايات المتحدة”، مؤكداً أن موسكو “تدعمه للحفاظ على الدولة ومواجهة الإرهاب فقط”. وكانت موسكو اشترطت لضم حلب إلى الهدنة خروج المسلحين من (الفصائل المعتدلة) من مناطق الاشتباك مع (جبهة النصرة) وإغلاق الحدود مع تركيا، وقال لافروف في وقت سابق إن عسكريين روساً وأميركيين يناقشون هذا الموضوع. وتطرق إلى نظام التهدئة المعلن في اللاذقية، معرباً عن أمله بتحويله إلى هدنة شاملة من دون سقف زمني.

مصادر من المعارضة السورية شككت في قدرة النظام على الاستمرار في التهدئة، كما شككت في رغبته بالعودة الى طاولت المفاوضات في جنيف كما يأمل المبعوث الدولي استيفان دي مستورا، ورأت “أن النظام ذاهب إلى مزيد من التصعيد ويعدّو العدة بدعم وتوجيه من إيران للسيطرة على حلب، وسط صمت دولي عارم”، وأن قناعة تسود في اوساط النظام وحلفائه “بأن كل العوامل الداخلية والإقليمية والدولية هي لمصلحة النظام وحلفائه، والاعتقاد بأن هناك نافذة من الفرصة، يجب اقتناصها”، إنها السنة الأخيرة من عهد إدارة الرئيس باراك أوباما قبل الانتقال إلى إدارة جديدة.
وترى المصادر ان الخطة العسكرية لقوات النظام القائمة على حصار حلب وقطع خطوط الإمداد مع تركيا وإدلب وحماة، ما هو إلا استكمال لخطة سابقة نفذت في حمص، فالقصف الممنهج على حلب وضرب المستشفيات والمدارس ومحطات المياه والجوامع، لإضعاف روح الصمود لدى المدنيين، وكي يشكلوا عوامل ضغط على المقاتلين المعارضين. لتكرار تجربة حمص والغوطة، (قصف، حصار، تدمير وتجويع وتسويات محلية).
عزل حلب عن إدلب، سيمهّد الطريق للمرحلة الثانية القائمة على اتباع سياسة (الأرض المحروق)» في إدلب. وإذا كان وجود عناصر من (جبهة النصرة) كافياً لإعطاء الضوء الأخضر الأميركي لروسيا كي تحاصر حلب عبر الإقرار بصعوبة التمييز بين النصرة والآخرين، فإن سيطرة (جيش الفتح)، الذي يضم (النصرة) وفصائل إسلامية حليفة، سيكون كافياً لإعطاء غطاء لتدمير إدلب واتباع نموذج غروزني فيها.

تعتقد المصادر ان استخدام شعار محاربة الإرهاب في سوريا وفر للتدخل الروسي الداعم للنظام غطاء أميركي واضح قطع الطريق امام أي محاولة للتدخل السعودي والتركي المؤيد للمعارضة وفق ما كشف وزير الخارجية الروسي في مقابلته الصحفية مع وكالة الإعلام الروسية، لكن ذلك لن يمنع دعم اسطنبول والرياض للمعارضة السورية لمنع سقوط حلب، والتدخل ميدانيا اذا اقتضى الامر ذلك، فحلب تشكل نقطة تحول في موازين القوى الاقليمية بين تركيا وروسيا من جهة وإيران والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى.
وترى المصادر أن ضيق الخيارات أمام المعارضة وحلفائها، تدفع بإتجاه بلورة خطة مقابلة تتمثل بتوفير الدعم الكافي للمعارضة المعتدلة كي لا تسحق في السنة المتبقية من إدارة أوباما مع زيادة الانسجام بين الكيانين العسكري والسياسي. وهنا تطرح إمكانية تزويد المعارضة بأسلحة إضافية ونوعية.
وعلى خط المفاوضات المتوقفة ترى المصادر ان موسكو وواشنطن تضغطان باتجاه العودة الى جنيف، فيما ترفض المعارضة العودة الى المفاوضات دون تحديد سقف زمني لها، وقبل رفع الحصار عن المناطق السكنية المحاصرة في الزبداني والغوطة وريف حلب، وإطلاق سراح المعتقلين من سجون النظام، والتأكد من استعداد وفد النظام البحث في المرحلة الانتقالية وفق جنيف (1)، وهذا ما يرفضه النظام مدعوما من روسيا وإيران.
فوزي ابوذياب