قصر الاونيسكو غص بالحضور في ندوة المقدم فياض برعاية وحضور جنبلاط

خاص – “الأنباء”

في إحتفال جامع وحاشد تقدمه رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط وجمع كبيرمن الشخصيات السياسية والحزبية والدينية والإجتماعية، أقيمت ندوة حول كتاب أمين السر العام السابق في الحزب التقدمي الإشتراكي المقدم شريف فياض “نار فوق روابي الجبل” وذلك في قصر الاونيسكو تخللها أربع مداخلات لكل من: المدير العام السابق لتعاونية موظفي الدولة أنور ضو، الرئيس السابق لحزب الكتائب اللبنانية الوزير السابق كريم  بقرادوني، النائب أيوب الحميد، والمفكر كريم مروة.

بعد النشيد الوطني اللبناني، تحدث مدير الندوة مفوض الشباب في الحزب التقدمي الإشتراكي صالح حديفة، فقال:  “ليس سهلا على الإطلاق أن يكون شخص مثلي في جلسة كهذه. فنحن أبناء جيل ولد من رحم الحرب وعاش قساوتها أطفالا، ولا نذكر منها سوى لمحات من مآتم وأصوات أهازيج الموت وأناشيد القوة وعبارات الكره للآخر، لكنه من المفيد طبعا لنا كما للأجيال اللاحقة أن نطلع على تفاصيل ما حصل لا أن نختبئ منها؛ وخير من يكتب تلك المرحلة المقدم شريف فياض”.

أضاف: “وإذا كنا نحن الذين لم نصنع تلك الحرب ولم نشارك فيها، لا زلنا للأسف أسرى لتداعياتها في مختلف المجالات؛ فمن الواجب علينا لنا أن نكون جزءا قراءة تاريخية موضوعية بناءة لكل تلك المرحلة، وأن نبني على هذه القراءة ذاكرة جماعية واحدة تؤكد أن ما حصل كان عبثيا رغم كل القناعات والتضحيات والخسائر، فبذلك فقط ننقل مستقبلنا إلى حالة جديدة فعلية من العيش الوطني”.

تابع: “ثم للصعوبة سبب آخر؛ تتمثل في أن يكون موضوع الجلسة “نار فوق روابي الجبل”؛ صاحبه رجل قدم الكثير من التضحيات وبذل عمره في سبيل قضايا الوطن والعروبة، وأعطى إلى جانب رجل تاريخي هو وليد جنبلاط كل إمكاناته، وتحمل معه مشقات العمل في هذا الوطن المثقل بالجراح، ومن مواقع حزبية أساسية كان له الأدوار البارزة في محطات ومحطات”.

أضاف: “وإذا كان المقدم شريف فياض قد قدم في زمن الحرب كل معاني العمل والتضحية المبنية على القناعات الوطنية، وحمل في كل ما قام به هدف الحفاظ على الوطن من المنظور القائم آنذاك؛ فهو كان جزءا أساسيا في بناء زمن المصالحة وطي صفحة الحرب، وما تقديمه لهذا الكتاب التاريخي الا إسهام جديد منه للإضاءة على تلك الحقبة بكل فصولها، ولجعلها ماثلة أمام الجميع بما يؤسس لحالة التعلم من التجارب، وعدم العودة إلى الاقتتال مهما كانت الظروف”.

10

أما المدير العام السابق لتعاونية موظفي الدولة أنور ضو، فقال:

“نار فوق روابي الجبل”، كانت العرب تقول: “نار على علَم”

والعلَم هو الجبل. وكان ذلك عندها كناية عن الكرم. أما نار روابي الجبل عند المقدم شريف فياض، فهي كناية عن حرب الجبل التي أحرقت الزرع والضرع، وعطلت ميزان العيش المشترك، بل العيش الواحد في جبل لم يعرف، على الرغم من بعض السقطات في الحروب، الا اللحمة والتعاون والانفتاح والحوار.

اشتعلت نار الجبل، فوجد المقدم فياض نفسه في قلب اللهب المستعر، وهو الذي كان قد التحق بالمختارة عام 76 مستظلاً القامة الوارفة لكمال جنبلاط، ومؤسساً الجيش الشعبي ثم مؤثراً البقاء مع المعلم والولاء لمبادئه على العودة الى المؤسسة العسكرية مثلما عاد الكثيرون من كل الفئات، مبقين على ولاءاتهم للتنظيمات والطوائف والأحزاب.

شريف فياض يكتب من قلب الحدث، حيث كان فاعلاً لا محايداً. لذلك لم يكن كتابه سيرة ذاتية ولا تأريخاً صافياً، بل كان مزيجاً من الاثنين معاً. انه كتاب مصدر وليس مرجعاً فقط كونه يشكّل وصفاً حيّاً لأحداث كان المقدم في قلب حركتها النابضة. وهو كتاب من وجهة نظر معينة. صحيح .. ولكن كيف يكتب التاريخ غداً اذا لم تتوافر لدى المؤرخين المصادر والمراجع التي تمثل وجهات النظر المختلفة؟ ألا نعود بذلك مرة أخرى الى كتابة تاريخ فئوي، يعيد انتاج أجيال تتقاتل ولا تبني وطناً موحداً وأمةً متماسكة؟ تاريخ يحوّل كلّة بيت مري من جديد الى عبوة ناسفة فجرت فتنة 1860، ويتحوّل هو الى احدى العبوات الناسفة التي تفجر الحروب بين اللبنانيين.

من هنا أهمية الكتاب، الذي يأخذنا الى استنتاج عبرٍ سأحاول أن أشير الى بعضها، دون ادعائي الاحاطة بها كلها:

أولاً: كلفة الحرب:

يقول المقدم في كتابه: “ان كلفة التسوية مهما كانت باهظة تبقى أرخص من كلفة الحرب حتى لمن ينتصر فيها”.

الاحصاءات تشير الى مقتل حوالي 200,000 شخص وجرح واعاقة 300,000 وفقدان 17,000 شخص اختفوا قسراً، وتهجير ما يقارب نصف الشعب اللبناني.

الكلفة المادية المباشرة باهظة جداً

الخسائر: تهديم المدن والقرى – تدمير البنى التحتية – تراجع الاقتصاد – انهيار العملة الوطنية – تدني مستوى التعليم – ازدياد الهجرة – اختفاء الطبقة الوسطى – اذكاء الطائفية والمذهبية – وقوع لبنان تحت الوصاية السورية وتحت الاحتلال الاسرائيلي خصوصاً في الجنوب .. وهذا غيض من فيض.

2

ثانياً: عبثية الحرب:

خاض المقدم ورفاقه الحرب دفاعاً عن قضية وطنية ومن أجل لبنان أفضل، وهكذا فعل الآخرون.

فماذا كانت النتيجة؟

-انتقال الى طائفية أقوى ومذهبية أشرس، بدل الانتقال الى الدولة المدنية العلمانية.

-نقل الامتيازات ومركز القوة من طائفة الى طائفة.

-الدولة فقدت هيبتها، عندما شغر موقع الرئاسة، وتعطلت المؤسسات.

الفساد يعم البلاد والعباد، الأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية خانقة، المؤسسات الى افلاس، الأوضاع الأمنية ممسوكة لا متماسكة .. والأصعب من ذلك كله هو هجرة الشباب ونزف الكفاءات.

فأي هدف حققته الحرب لننفي عنها صفة العبثية؟ أو لم تكن كلفة التسوية أقل، كما قال المقدم؟

ثالثاً: “حرب الآخرين على أرضنا”

قالها غسان تويني، ثم لاقاه وليد جنبلاط فقال: “كلنا كنّا أدوات”.

صحيح أن العوامل الداخلية كانت قد وصلت الى تناقض كبير قبل الحرب، ولكن كمال جنبلاط كان يصر مع الحركة الوطنية على علاجها ديمقراطياً من خلال البرنامج المرحلي للإصلاح، وكذلك فعل وليد جنبلاط قبل حرب الجبل، ولما لم يسمع صوت العقل استغلت القوى الخارجية انقسامنا الداخلي، وتكرر المشهد نفسه منذ نظام الملل العثماني، مروراً بزمن القناصل، الى اليوم.

أما حان الزمن لنتحالف مع بعضنا في وجه كل أجنبي بدل التحالف معه في وجه بعضنا البعض، وبدل الدخول في سياسة المحاور والأحلاف التي ما جلبت لبلدنا الا التخلف والفقر والنار والدمار؟

7

رابعاً: حتمية العيش المشترك

على قاعدة التنوع ضمن الوحدة وقبول الآخر المختلف، وبناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية.

كل محاولات الأمن الذاتي فشلت، يقول المقدم، والفيدرالية حتماً فاشلة، لا مهرب من الوحدة ولكن على قاعدة الاعتدال، فبلد الـ 18 طائفة يقتله التطرف، متاريس الطوائف مهلكة وحدائق الوطن أمل وحياة، تعالوا نبن دولة المواطنة وحقوق الانسان، لا دولة المتاجرة بحقوق الطوائف.

انقسامنا الداخلي فجّره الصاعق الفلسطيني فحمل اللبنانيون سلاحهم معه أو ضده، فلا ندع انقسامنا حول الثورة السورية وتداعيات اللجوء السوري الى لبنان، مادة تجاذب جديدة بيننا، حتى لا ننقل الحرب الى أرضنا كما يقول المقدم أيضاً ..

المؤامرة خبيثة جداً، وحلف الأقليات يبيد الأقليات ولا يحميها.

في زمن سايكس – بيكو جديدة لنعمل معاً على تحييد لبنان عن النار السورية، كي لا ندفع ثمن التسوية من وحدتنا وأمننا ومستقبل أجيالنا.

خامساً: بعد الحروب التي خاضها، أوصى وليد جنبلاط الشباب اللبناني، ونجله تيمور على الأخص، “أن ابتعدوا عن الجهل والعنف” .. ودعانا شريف فياض الى الحفاظ على العلاقات الانسانية في الجبل التي رممها وليد بك، ورسخها بالمصالحة التاريخية مع صاحب الغبطة الكاردينال صفير. كما دعانا الى الحفاظ على انسانيتنا في عز الحروب والمواجهات، خصوصاً عندما روى لنا قصة العائلة التي احتضنها مع عائلته ورفاقه في جيش التحرير الشعبي وحموها من كل شر.

لا أريد أن أطيل فالكتاب يضج بالعبر والدروس والعظات، إنه كتاب محارب يمقت الحرب، ومناضل يريد أن يصوّب وجهة النضال.

قال لي عميد متقاعد في الجيش اللبناني: “شريف فياض رجل يتمتع بصفات الفارس” فتشت في كتب الأدب واللغة عن صفات الفارس عند العرب، فتبيّن لي أنها ثلاث: الشجاعة والكرم والوفاء.

صدق العميد بحسون، فالمقدم شجاع في الحرب بل هو من كبار كماتها، وشجاع في السَّلم وقد وقف بشجاعة الى جانب رئيس الحزب في ورشة ترميم العيش المشترك واعادة المهجرين، وهذا ما سنقرأ تفاصيله انشاء الله في كتابه الجديد الذي بدأ في وضعه حول مذكراته في أمانة اسر العامة التي تولاها لمدة ربع قرن. وهو الى ذلك شجاع في تحصيل الربح، وشجاع في تقبل الخسارة بروح عالية من التسامح والكبر والديمقراطية.

وفي الكرم هو كريم اليد والنفس والأخلاق.

أما الوفاء فيكفي ان يقول عنه رئيس الحزب: “هو أوفى الأوفياء وأشرف الرجال” ثم يضيف: “هو المتواضع الذي لم تهمه المناصب ولا الوزارات أو غيرها، وكان يستحق كل المناصب”.

4

شريف فياض العسكري الديمقراطي، المقاتل المحاور، الذي كلما علا مركزه خفض جانبه، والذي كلما اقتربت منه ازددت به ثقة ومحبة واعجاباً.

شريف فياض: إن وهى الجسد قليلاً تحت ثقل نفسك الكبيرة، إلا أنك، وكما تألقت في المحافل وانتصرت على الجحافل، ستتألق وتنتصر، وستبقى كما البوصلة تحدد وتوجه، همُّك انتصار فكر كمال جنبلاط الذي التقت قناعتك معه، همُّك هوية لبنان العربية، ودولته المدنية القائمة على الحرية والديمقراطية والمساواة، وهمُّك فلسطين..

أين هي فلسطين؟!!

كتابك سيبقى وثيقة مهمة للنار فوق روابي الجبل … وستبقى أنت نوراً فوق روابي الجبل والوطن .. كما ستبقى قدوة للقائد العسكري الذي ينتصر بأخلاقه قبل سلاحه، كأنك تطبيق حي لحكمة أبي الطيب المتنبي حين قال:

وما تنفعُ الخيلُ الكرامُ ولا القنا

اذا لم يكن فوق الكرام كرامُ

عافاك الله وأطال بعمرك لتبقى شلالاً هادراً بالخير والعطاء.

3

من جهته، الرئيس السابق لحزب الكتائب اللبنانية الوزير السابق كريم  بقرادوني، قال:

عندما دعاني المقدم شريف فياض للمشاركة في مناقشة كتابه بعنوان “نار فوق روابي الجبل”، لبيتُ الدعوة من دون تردد بالنظر الى علاقات الودّ التي سادت بيننا في زمن حرب لبنان وبعدها، واقتناعاً مني بأن كتاب المقدم يشكل فرصة لاجراء نقد ذاتي مشترك لمجريات حرب الجبل بعد مرور قرابة أربع وثلاثين سنة على حصولها. واغتنم هذه المناسبة لاتوجه بإسمي وبإسمكم بالدعاء لاخينا المقدم بالصحة والعافية والحضور الدائم.

ولا أخفي اعجابي بالاهداء الذي خطه لي المقدم بيده ويشير فيه الى ان كتابه “يلقي الضوء على ايام الخصومة والتقاتل آملاً ان نكون جميعاً قد تعلمنا الدرس واخذنا العبرة لنبني سوياً لبنان المستقبل ومؤسساته الدستورية”، فاستنتجتُ ان الكتاب يحمل في طياته قسماً يتعلق “بالخصومة والاقتتال”في الماضي وقسماً يتعلق “بالدروس والعبر” برسم المستقبل.

عندما قرأت الكتاب الذي يحتوي على 370 صفحة من دون الملاحق،  استغربت ان يكون الكاتب قد افرد 363 صفحة “للخصومة والتقاتل ” وسبع صفحات فقط “للدروس والعبر”، لكنه كان صريحاً وواضحاً كعادته، فكتب في الاسطر الاولى من مقدمته انه يرغب في “إنعاش الذاكرة” حول حرب الجبل.

صحيح ان المقدم شريف فياض، بصفته شخصية عسكرية بارزة، هو الاكثر أهلية للكتابة عن حرب الجبل التي قادها، وروى في كتابه تفاصيلها معركة معركة ومنها المعارك في كفرحيم والغابون وبيصور وعاليه وبحمدون وصوفر وسوق الغرب وبريح وعبيه وكفرمتى وبعورته وبتاتر والشحار وغريفه وحصروت والمطلة والمشرف ودير القمر والدامور والسعديات والشويفات واقليم الخروب وغيرها الكثير. لكن الصحيح ايضاً ان شريف فياض شخصية حزبية وسياسية مرموقة كان يمكنه الخوض ايضاً في حرب الجبل من جانبها السياسي، لكنه أحجم عن هذا الامر وأكتفى ببعض الايحاآت السياسية التي تعني الكثير.

 أشاد المقدم في كتابه ببأس رجال الحزب التقدمي الاشتراكي ومعهم دروز الجبل الذين اثبتوا أنهم مقاتلون أشاوس واشداء، وهذه حقيقة ثابتة. لكن ما أغفله المقدم ان الفضل في انتصار الاشتراكي ليس مرده الى ان رجال الكتائب والقوات اللبنانية كانوا اقل شدة وبأساً، بل مرده الى ان الدروز توحدوا، جنبلاطيين وارسلانيين وقوميين سوريين وشيوعيين، حول زعيم واحد عرف ان يدير حرب الجبل بحزم ومهارة وحنكة هو الرئيس وليد جنبلاط وقد ساندته سوريا ومجموعات فلسطينية . أما المسيحيون فانقسمت قياداتهم بعضها على بعض: رئيس الجمهورية الشيخ امين الجميل وحزب الكتائب اللبنانية راهنا على الادارة الاميركية لسحب الجيش الاسرائيلي من لبنان، القوات اللبنانية عمّت في داخلها النزاعات بين فادي افرام وفؤاد أبو ناضر وايلي حبيقة وسمير جعجع، الرئيس كميل شمعون عارض اصلاً صعود القوات اللبنانية الى الجبل، والجيش اللبناني وميشال عون قبعا بانتظار القرار السياسي الذي تأخر صدوره، ناهيك عن الظروف الدولية والاقليمية الملائمة للحزب الاشتراكي، فكان المارينز الاميركيون على أهبة الانسحاب من لبنان في وقت كان النفوذ السوفياتي عاد ليتمدد في المنطقة في ضوء عودة الجيش السوري الى لبنان وقرار الجيش الاسرائيلي الانسحاب منه والتلاعب بكل الاطراف اللبنانية على ما اعلنه منسق الانشطة الاسرائيلية في لبنان اوري لوبراني بكل وقاحة:” لبنان كالبيانو ونحن نلعب فيه على كل أوتاره”.

1

ومع اعترافي بالعجز عن مناقشة روايتك، يا صديقي المقدم، حول المعارك العسكرية التي استهلكت القسم الاكبر من كتابك،  فإني أطرح ست اسئلة وملاحظات تتناول الشؤون العسكرية والسياسية معاً وهي كالآتي:

أولاً: هل ان مقاتلي الكتائب والقوات اللبنانية كانوا مجرمين وقتلة ، كما صورتهم، يدمرون كل شيء ولا يقيمون حرمة لاحد، فيقتلون الاطفال والنساء والمسنين الابرياء بلا شفقة ولا رحمة؟ ام ان منطق الحرب لا يرحم أحداً، ويفسح في المجال أمام اصحاب العقول الثأرية الحامية بارتكاب أعمال هي مدانة في كل الاحوال جملة وتفصيلاً على الرغم من توجيهات القيادات المسيحية بحسن التعامل مع المدنيين؟

ثانياً: في المقابل هل ان مقاتلي الحزب التقدمي الاشتراكي وحلفاءهم  لم يدمروا بعض الكنائس، ولم يهجّروا معظم المسيحيين، ولم يقتلوا بعض الابرياء بمن فيهم المسيحيين الذين كانوا ينتمون الى الحزب التقدمي الاشتراكي؟ ليت كل مقاتليك تعاملوا كما تعاملتَ أنت مع عائلة مسيحية مؤلفة من ستة اطفال كانوا مختبئين في احدى مغاور وادي رشميا فحميتَهم واحتضنتَهم  وزوجتك الفاضلة وسلمتهم اصحاء سالمين الى الصليب الاحمر الدولي، وهم اليوم وأولادهم احياء يرزقون!

ثالثاً: أعجبت بصراحتك عندما كتبت ما حرفيته: “انا لست حيادياً ، انا حامل قضية قاتلت من اجلها”. كما أَتفهم انك تأثرت ، كما انا تأثرت، بكبيرٍ من بلادي  عرفته شخصياً هو الزعيم كمال جنبلاط الذي حمل قضايا العروبة، والعدالة، والارض، والكرامات، وحق الشعوب في تقرير مصيرها. لكن ألا تعتقد ان بعض الذين قاتلتهم وقاتلوك ينسحب عليهم قولك إنهم مثلك ليسوا حياديين بل حاملو قضية؟ أفليست السيادة الوطنية قضية تستحق القتال من اجلها؟ أَوليست الحرية قيمة تستحق الدفاع عنها بوجه الايديولوجيات الشمولية التي كانت سائدة حينذاك؟ أو ليس التوطين خطراً وجودياً محدقاً ولو لم يقاومه المسيحيون بالسلاح لكان لبنان اليوم الوطن البديل للفلسطينيين؟  أو ليس الوجود المسيحي الحر حق، كما وجود كل اقلية؟ أوليس افظع الحروب  وأعنفها هي التي يصطدم فيها حقان وقضيتان ومؤمنون من الطرفين؟

رابعاً: ألم يحن الوقت لنقتنع جميعاً ان ما يبرر وجود لبنان ليست الجغرافيا، ولا المساحات، ولا النفط، ولا الغاز، ولا عدد المقيمين والمغتربين ، بل مبرر وجوده هو التعايش الاسلامي- المسيحي وصيغة الحكم المشترك فيه؟ وقد بات هذا الوطن على الرغم من كل عيوبه وسقطاته نموذجاً للوحدة في التنوع الذي  يمكن الاقتداء به لحل بعض مشاكل الشرق الاوسط التي تعصف بها الحروب الهوجاء.

5

خامساً: وفي ظني ان المقدم شريف فياض يوافقني الرأي في ضؤ تجربته العسكرية والسياسية الغنية والفريدة على ستة دروس خلصت اليها من كتابه: أولها ان لا نطمئن الى وعود الخارج وضماناته بدليل ان كل من اعتمد على اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية خابت آماله وخسر في نهاية المطاف، وثانيها ان كل الحروب مدمرة وليس هناك حروب نظيفة وحروب وسخة بل كلها وسخة وأوسخها الحروب الاهلية، وثالثها ان العيش المشترك الاسلامي- المسيحي في خطر دائم وعلى اللبنانيين حمايته والحفاظ عليه، ورابعها ان الحقوق داخل الوطن الواحد لا تسترجع بالقوة وعن طريق الغاء الآخر بل عن طريق التلاقي معه، وخامسها ان الوحدة مهما كانت صعبة تصنع النصر وان الانقسام مهما كان مبرراً يوصل الى الهزيمة، وسادسها ان لجبل لبنان خصوصيته وهو يحتل موقع القلب في لبنان، وكما يكون القلب يكون باقي أعضاء الجسد، فإذا ما اهتزّ الجبل اهتزّ كل لبنان، واصبح الحكم مأزوماً والاستقرار مهدداً والمجتمع قلقاً والاقتصاد متراجعاً، واذا سقط العيش المشترك في الجبل سقط في كل لبنان وفي المنطقة أيضاُ.

وأنهي كلامي بدعوة صادقة الى كل الاطراف الذين شاركوا ليس فقط في حرب الجبل، بل في كل حرب لبنان،  وأنا واحد منهم ، أن نتناسى المعارك ، ونجلس وجهاً لوجه لنستخلص العبر، ونجرؤ على القيام بعملية نقد ذاتي مشتركة حول اسباب الحرب ونتائجها ودروسها تحت شعار اقتبسته عن المقدم شريف فياض الذي يقول فيه: “ان كلفة التسوية مهما كانت باهظة تبقى ارخص من كلفة الحرب حتى لمن ينتصر فيها”. هذا الكلام هو اكثر من شعار، انه الحكمة بعينها، وبهذه الحكمة آمل ان يحّل النور محل النار فوق روابي الجبل.

النائب حميد

ثم تحدث النائب حميد، فقال: عندما هاتفني الصديق العزيز المقدّم شريف فيّاض ليدعوني للمشاركة في هذه الندوة عن كتابه “نار فوق روابي الجبل” رحبّت دون تردّد. ليس لما أحمله في قلبي لشخصه من مودة فحسب، بل لما عايشناه سويةً في مرحلةٍ قاسية في تاريخ لبنان في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم، كنا فيها نواجه في كل لحظة الأخطار حتى الموت، وكل من موقعه ودوره والتصاقه بالأرض ومتابعته لكل شاردة وواردة من التحضير حتى إنجاز الخطوات المقررة وما يتخلل ذلك من قلق وترقّب في ظل ظروف سياسية وأمنية وتعقيدات محلية وخارجية. كانت فيها المحطات مؤلمة ومبهرة على حدٍ سواء، فيها الانتصارات والانكسارات. مؤلمة لما تسبّبه الحرب الداخلية من خراب ودمار وهجرة وتهجير ومآسٍ إنسانية تتنوّع أوجهها وتحفر عميقاً في الوجدان آثارها، وتداعياتها لا تزال شاهدة لم تمحها السنون وتعاقب الزمن.
أما الانبهار فمردّه إلى واقع لبنان هذا الوطن الذي استُولد منذ عشرينيات القرن الماضي والذي استُجمعت جغرافيته ومكوّناته من تقسيمات الاحتلال العثماني لهذا الشرق قبل اندحاره مع دول المحور إثر الحرب العالمية الأولى وإعادة توزيعه وتقسيمه من دول الحلفاء المنتصرة.
لبنان الذي عايش الحروب المتنقلة بين أبنائه وحروب اللبنانيين والفلسطينيين وشهد حروب إسرائيل عليه وأطماعها وعدوانها الذي لم يتوقف، والذي تعاقب عليه زائراً أو تواجداً أو نتيجة توافقات سياسية دولية وإقليمية العديد من جيوش العالم عربية وإسلامية ودولية، والذي في ظل قرارات مجلس الأمن يتواجد في جنوبه اليوم قوات من جيوش عدة وممثلين لدول عُظمى في إطار حفظ الأمن والسلام.

هذا الوطن الذي بات وطناً نهائياً لجميع أبنائه، كما جاء في وثيقة الوفاق الوطني، بقي يشهد بين فترةٍ وأخرى الكثير من الاهتزازات التي تصل حد الإطاحة به ككيان ووطن. ولكنه كان في كل مرة يعود إلى التعافي ثم الاهتزاز من جديد.

والسؤال المبهر الذي يُطرح دائماً كيف يستطيع أن يستمر ويبقى رغم الندوب العميقة التي تحفر في الجسد ولا تبقي من موقعٍ إلا وتلامسه. والجواب على ذلك قد يطول وتتعدّد التفسيرات وقد لا تلتقي دائماً.

ونعود إلى الكتاب الذي بين أيدينا وما خطّه المقدم شريف فياض فيه وما تخلّل تلك المحطات التي يعرضها وما رافقها وظروفها وأماكن حدوثها والتشابك الدولي وأقطابه المحليين والإقليميين. هذا الواقع الذي جسّد أبشع صور الحرب الباردة بين المعسكرين الجبارين والذي تُرجم في لبنان حروباً مدمرة، ناهيك عن الواقع اللبناني والنظام السياسي الطائفي والدعوة إلى تطويره والعناد الرافض لذلك واختلاط وتأثر وتداخل هذا الواقع بالوجود الفلسطيني والسوري والاحتلال الإسرائيلي.
لم يدعِ المقدّم فيّاض كما ذكر في مقدمة الكتاب أنه مؤرخ، ولم يدّعِ الحيادية فيما عرض ولكنه وكما قال “عايشت أحداثاً جساماً كنت فاعلاً فيها ومؤثراً في مجرياتها”. وهو في ذلك يصدقنا القول فهو الضابط المتمرس، وهو العقائدي المنحاز إلى أفكار مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي الشهيد كمال جنبلاط وإلى حامل رايته من بعده الأستاذ وليد جنبلاط، وهو العروبي الملتزم قضايا العرب المحقة وفي طليعتها فلسطين ومقاومة شعبها، وهو قبل كل ذلك الإنسان المنتمي إلى جبل أشم عُرف أهله بنو معروف بوطنيتهم وعروبتهم ورفضهم الضيم، وفي تاريخهم صفحات خالدة في مواجهة الظلم والمحتلين. والكتاب عرض لمرحلة زمنية تبدأ مع مقدمات الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982 وتنتهي في العام 1987. وهو استند في كل ذلك إلى الوثائق وأرشيف الصحف وبعض المؤسسات كما بعض المنشورات والكتب ورفاق الدرب والطريق، وما اختزنته ذاكرته وذاكرتهم من أحداث ومواقف، فيها الإخفاقات وفيها الانتصارات، وفيها المهادنة والترقّب، وفيها الجرأة حتى حدود التهوّر، وفيها الوقوع بين نيران الصديق والحليف والعدو، وفيها القلق على المصير والخوف من الاقتلاع، وفيها الشجاعة والثبات حتى الاستشهاد أو الانتصار، كما وفيها الإحاطة بالظروف السياسية والتعقيدات الجمّة التي عاشها لبنان في تلك المرحلة.

في عرضٍ مشوِّق لما شهده الجبل في تلك المرحلة والاحتلال الإسرائيلي البغيض الذي بدأ في حزيران من عام 1982 والذي أرادت إسرائيل من خلاله الوصول إلى اتفاق سياسي مع لبنان على غرار ما حققته مع دول عربية أخرى. نرى الدور الإسرائيلي على حقيقته غداة انسحابه من بيروت والجبل وبقية الأراضي اللبنانية المحتلة وكيف مهّد الأجواء للفتنة والاحتراب في كل بقعةٍ كان يستعدّ للجلاء عنها وهو الذي استقدم الغرباء عن الأرض وسلّحهم وجهّزهم ليرتكبوا المجازر ويعيثوا فساداً في الأرض، يمنّون الأنفس بالغلبة والانتصار وإخضاع الجبل والشوف وشرقي صيدا مراهنين على استمرار الاستقواء بالعدو الإسرائيلي وحلف الأطلسي وقواته فكان نتيجة ذلك إزهاق الأنفس وارتكاب المجازر والمحرمات والقضاء على البشر والحجر والتهجير المتبادل وجرح لا يزال يقطر دماً لم يلتئم بعد رغم ما بُذل من جهد.
هي إسرائيل عدوة لبنان والتي تراه النقيض لوجودها لتميّزه وتنوعه، والذين تحالفوا معها غرّتهم وأغرتهم بما فعلوا متوهمين أنهم بذلك يمنعون التغيير والتطوّر الطبيعي لنظامه السياسي ويحفظون الامتيازات. وهي حاولت عام 2000 نقل الفوضى والاضطراب إلى المنطقة التي كانت تحتلها في جنوب لبنان فخسرت الرهان ولم يقع أبناء الجنوب في فخّها.

ندوة

يتدرّج المقدّم فياض في كتابه وفي عرض لتسلسل الأحداث من واقع الجبل زمن الاجتياح الإسرائيلي ومواكبة القوات اللبنانية لهذا الاجتياح وتمركزها في عدة بلدات وقرى ومواقع في الجبل وما رافق ذلك من تنكيل وترهيب والمعارك التي انطلقت فور الانسحاب من بعض المواقع وما جرى من مآسٍ ومجازر وصولاً إلى معارك الشحّار والشوف ومرحلة الإدارة المدنية وصولاً إلى تشكيل لجنة الترتيبات الأمنية ودورها، ناهيك عن انتفاضة الضاحية وربطها بالجبل من خلال الشويفات والتنسيق الميداني بين حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي وصولاً إلى انتفاضة السادس من شباط في بيروت وانحسار سيطرة النظام على العاصمة وصولاً إلى اجتماعات لوزان وجنيف فالطائف وما رافق ذلك من أحداث أمنية ومداخلات وحوارات داخلية وخارجية.

يمر شريط الأحداث كشريط سينمائي تشاهده حياً ونابضاً أمام عينيك بكل ما فيه ويستوقفك ما كنته آنذاك وما قمت به، وتمر صور من مضى ورفاق المواجهات والتحدي في ظرف لا يسمح بالتراجع فالانخراط في المعركة كان حتمياً والانتصار هدفاً وإما شهادة وعزة.

ويحضرني هنا حكاية بيروت وانتفاضة السادس من شباط. وحكاية بيروت وانتفاضة السادس من شباط وربطها بالضاحية والجبل فلها طعمٌ آخر رغم ما شابها أحياناً من تفلت واضطراب. فكل منصف ومتبصر يقدّر أهمية ذلك وكيف أنها غيّرت وجه لبنان وفتحت طريق المقاومة إلى الجنوب والبقاع وعمق لبنان في سوريا. وكانت معارك بيروت والضاحية والجبل في أساس الوصول إلى الطائف والميثاق الوطني والتعديلات الدستورية.

أما الحديث عن لجنة الترتيبات الأمنية أو اللجنة الأمنية وما قامت به تمهيداً ومواكبةً للحوار السياسي الوطني فدور مشهود لا يخفى على متابع في تلك المرحلة من تثبيت لوقف إطلاق النار وإعادة الخدمات الحياتية إلى المناطق وإطلاق المخطوفين والبحث عن المفقودين والنواحي الإنسانية الأخرى التي مارستها فقد تحوّلت بعد مدة من إنشائها من إطار لمتحاربين بحماية دولية. – وأذكر أني ناقشت حينها والمقدم فياض قبل الجلسة الأولى واللقاء الأول هل نصافح الآخرين؟ وما هو شكل الطاولة التي نلتقي حولها مستديرة أم مستطيلة؟”- إلى خلية تضامن وتآلف وربطت بين أعضائها حتى علاقات عائلية وكل ذلك أسهم في نجاح عملها وما أريد منها رغم بقاء المواقف السياسية لكل طرف على ما هي عليه.

وأعود إلى الكتاب واستخلاص النتائج والعبر والاعتبار في خاتمته، حيث يخلص المقدّم فياض إلى أن “كلفة التسوية مهما كانت باهظة تبقى أرخص من كلفة الحرب حتى لمن ينتصر فيها”. خلاصة نحترمها ويا حبذا العمل دائماً بمقتضاها فلبنان كان دائماً بلد التسويات وواقعنا اليوم والتشظي القائم فيه والاختلاف حتى على ما كان من المسلمات، والانحلال الذي أصاب مؤسساتنا وعدم التوافق على سبل الخلاص وعدم القدرة على إنتاج قانون انتخابي عصري، وشغور سدة الرئاسة وتعطيل المجلس النيابي وبطء العمل الحكومي ورائحة الفضائح التي تطفو والتدهور الاقتصادي والمالي والحصار الخارجي في الوقت الذي يتعاظم فيه دور الإرهاب التكفيري ويهدّد الداخل كما الحدود والنفاق الدولي إزاءه وخطر إسرائيل الدائم كل ذلك يؤكد صوابية الحوار والتلاقي. فلا لبنان دون التقاء اللبنانيين وتحاورهم لحل مشاكلهم في وقتٍ يتخلى العالم عنا.
شكراً للمقدم شريف فياض لعلنا نتعظ ونصحو.

09

أما المفكر كريم مروة، فقال:

لهذا الكتاب، الذي نلتقي حوله وحول مؤلفه الصديق والرفيق المقدّم شريف فيّاض، صفتان أساسيتان تعطيانه أهميته.  الصفة الأولى هي أن المؤلف يروي  فيه، من وجهة نظره ومن موقعه السياسي في قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي، أحداثاً ووقائع أعطت للكتاب عنوانه “نار فوق ربى الجبل”.  وهي أحداث ووقائع تعود إلى حقبة من الحرب الأهلية أعقبت الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وشكّلت نقطة انعطاف سياسي فيها.  وبهذا المعنى وبهذه الوظيفة التي أعطاها المؤلف للكتاب يكون قد دخل في ما أعتبره تأريخاً لتلك الحقبة، رغم أنه يؤكد في مقدمة الكتاب بأنه ليس مؤرخاً.  أما الصفة الثانية للكتاب فهي أنه جاء في شكل رواية للأحداث ولدور المؤلف فيها في ما يشبه جزءاً من سيرة المؤلف الذاتية، رغم أنه لم يكن في نيّته أن يعطي لروايته لتلك الأحداث ولدوره فيها تسجيلاً لهذه المحطة من سيرته.

هاتان الصفتان، في قراءتي المجتزأة والإنتقائية للكتاب، هما اللتان تعطيانه أهميته.  إلا أنني أود، قبل الدخول في متن الكتاب، في قراءتي المجتزأة والإنتقائية فيه، أن أعترف بأنني ترددت عندما طلب مني صديقي المقدّم شريف فيّاض المشاركة في هذه الندوة حول كتابه، ثمّ وافقت، من دون أن أحرّر نفسي مما اعتبرته أسباباً لترددي.  هذه الأسباب، التي أبوح بها أمام المؤلف وأمامكم في مطلع مداخلتي هذه، هي ثلاثة.  السبب الأول، الذي لا علاقة له بموضوع الكتاب، هو أن عيني اليمنى التي استولت، برغم ضعفها، على وظيفة العين اليسرى التي كانت قد استشهدت في عام 1981 على يد طبيب أميركي في مدينة بوسطن قبل عشرة أعوام من انهيار التجربة الاشتراكية فيما يشبه الإنذار المبكر لذلك الانهيار، عيني اليمنى هذه لم تعد قادرة للأسباب الآنف ذكرها على تلبية حاجتي الضرورية إلى قراءة الكتب.  وصار لزاماً عليّ، عندما أحتاج لذلك النوع من القراءة للكتب، أن أستعين بصديق لكي يساعدني في تلك المهمة.  وكان، وما يزال، لديّ ثلاثة أصدقاء هم زوجتي رفيقة عمري نجوى ومرافقي نبيل وسكرتيرتي منى.  وبهذا المعنى، وفي ضوء ما أشرت إليه من صعوبات، لم أعد قادراً على قراءة الكتب إلا في شكل مجتزأ وانتقائي.  وفي قراءتي هذه كنت أختار المواضيع التي تدعوني إلى قراءتها.  ذلك هو السبب الأول لترددي.  السبب الثاني هو أنني أعترف بعدم إتقاني القراءة النقدية للكتب، ليس للسبب الآنف ذكره المتعلق بوضع نظري وحسب، بل لأن لهذه المهمة أبطالها.  وأنا لست واحداً منهم.

5

أما السبب الثالث فيعود إلى موضوع كتاب صديقي المقدّم شريف فيّاض الذي يذكّرنا بالحرب الأهلية.  وقد اعتدت أن أتحدث عن هذه الحرب في كتبي وكتاباتي بصفتها جريمة بكل المعاني، شاركنا في ارتكابها جميعنا، نحن اللبنانيين، أحزاباً سياسية وجماهير تابعة لتلك الأحزاب.  وأخص بالذكر في هذا الموضوع مسؤوليتنا، نحن في الحركة الوطنية بأحزابها جميعها. وأخصّ بالذكر تحديداً الحزبين الكبيرين اللذين كانا طليعيين في تأسيس تلك الحركة في أواخر الخمسينات ومطالع الستينات، أعني الاشتراكيين والشيوعيين.

وإذ أشير إلى هذا السبب بالتحديد في ترددي فلأنني أرى أننا لم نتحرّر جميعنا نحن اللبنانيين حتى الآن من النتائج الكارثية التي قادتنا إليها تلك الحرب المجنونة، وأننا ما زلنا نتخبّط في الصراع فيما بيننا بصيغ متجددة حول مشاريع وهمية وأحادية الجانب من هنا ومن هناك، على قاعدة المحاصصة الطائفية، مرفقة بصيغ متعددة الأشكال للاستقواء بالقوى الخارجية من كل الجهات والاتجاهات.  الأمر الذي جعلنا عاجزين عن الارتقاء إلى المستوى الذي يؤهلنا لقيادة بلدنا نحو المستقبل الأفضل الذي يطمح إليه ويستحقه شعبنا، في ظلّ نظام ديمقراطي تعددي، ودولة مدنية حديثة، دولة حق وقانون، متحررين فيها من كل ما ارتبط بالحرب الأهلية من انقسامات وصراعات ومشاريع وهمية ومن النتائج الكارثية للحرب.  وتوقفي عند هذا السبب يعود إلى أنني لم أر في قراءتي المجتزأة والإنتقائية للكتاب ما يشير إلى قراءة نقدية للحرب من قبل صديقي المؤلف.  وقد أكون مخطئاً، فأعتذر.

تلك هي الأسباب الثلاثة التي جعلتني أتردد في المشاركة في الندوة حول هذا الكتاب. إلا أنني، برغم هذا التردد، عدت إلى المشاركة احتراماً لطلب صديقي المقدّم شريف فيّاض.

وبعد، فإنني أود، منذ البداية، أن أسأل صديقي المقدّم فيّاض لماذا اختار هذا الوقت بالذات لإصدار هذا الكتاب، ولماذا اختار هؤلاء الثلاثة بالذات من أبطال الحرب الأهلية للمشاركة في الندوة حوله.   أسأله من دون أن أنتظر منه الجواب.  وأدخل على الفور في قراءتي للكتاب في الصيغة التي أشرت إليها.  وقد رأيت، من خلال سرد الأحداث والوقائع، أن المؤلف لم يكن يمارس، كمسؤول عسكري في تلك الحرب من موقعه في قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي، ما كنت أراه ضرورياً منه نقداً للحرب ونقداً ذاتياً للمشاركة فيها.  إذ هو اكتفى بالتأريخ لتلك الحقبة من الحرب وبنوع من السيرة الذاتية.  وهو ما أشرت إليه في مطلع مداخلتي.  وبدا لي وكأنه أراد منا نحن الثلاثة من أبطال الحرب أن نفعل مثله في قراءتنا لحرب الجبل.  أو هكذا فهمت.  وأبادر إلى القول بأن هذه المهمة التي طلبها منا صديقنا  المؤلف هي، بالنسبة إليّ على الأقل، مهمة صعبة.  لكن عليّ أن أعترف بأن تلك المرحلة من الحرب كانت واحدة من أهم مراحلها في الصراع بين التيارات السياسية فيها وداخل تلك التيارات.

إلا أنني لن أدخل في تقييم تلك المرحلة من الحرب، لا سيما في هذه اللحظة المضطربة من حياتنا،  إلا من موقع النقد للحرب من بداياتها حتى نهاياتها، ومن موقع النقد الذاتي، من أجل أن ننساها ونتحرّر من نتائجها الكارثية علينا، التي يشير إليها بوضوح المشهد الحالي في البلاد بكل تفاصيله.

وبالعودة إلى الكتاب فإنني أود أن أتوقف عند ما ورد فيه من إشارة إلى الإدارة المدنية في الجبل.  فهي كانت إدارة مهمة.  وكان لها ما يشبهها في شروط مختلفة الكثير من الإدارات المدنية في الحرب في مختلف المناطق.  وكانت في طابعها جميعها تشكّل سلطة بكل المعاني حاولت أن تؤمن الاستقرار في تلك المناطق باسم القيادات السياسية المسيطرة وباسم مصالحها.

نار فوق روابي الجبل

أتوقف عند هذه الإشارة حول الإدارة المدنية في الجبل، كما وصفها المؤلف، وحول الإدارات المدنية لتوصيفها فقط، من دون الدخول في التفاصيل المتصلة بها.  أما الإشارة الثانية فتتعلّق بالمذكرة التي وقّعها كلّ من شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ محمد أبو شقرا والأمير مجيد أرسلان ووليد بك جنبلاط.  وهي المذكرة التي تضمنت مجموعة مهمة من الاقتراحات التي كانت تشكّل، إضافة إلى الكثير من المشاريع والاقتراحات الأخرى، أساساً ممكناً للحوار بين القوى السياسية المتصارعة لإيقاف الحرب،   لو كان قد تمّ التعامل معها إيجابياً.  وفي هذه المذكرة بالذات إشارات واضحة إلى التعدد والتنوع عند اللبنانيين المتمثلين بأديانهم وبطوائفهم وبثقافاتهم المتعددة وبأنماط حياتهم المختلفة، وبكل ما يشكّل السمات التي تعبّر في قراءتي لها عن الشخصية اللبنانية وعن شخصية لبنان.   وأتوقف بشكل خاص عند الاقتراح الوارد في المذكرة بتشكيل مجلس شيوخ يضمن للطوائف حقوقها.  وهو اقتراح أسّس لما تمّ إقراره فيما بعد في اتفاق الطائف.  وفي تلك المذكرة العديد من الاقتراحات التي كانت تستحق الاهتمام، أسوة بسواها من الاقتراحات والمشاريع، وفي مقدمتها البرنامج المرحلي للحركة الوطنية الذي تمّت صياغته بقيادة القائد الشهيد كمال جنبلاط في مطالع الحرب. لكننا مع الأسف تجاوزنا جميع تلك الاقتراحات والمذكرات والمشاريع.  وتابعنا صراعاتنا في الحرب إلى أن جاء من يوقفها بالنيابة عنا، عربياً ودولياً، ويساعدنا في عقد مؤتمر الطائف الذي كلّفت الوصاية السورية بتطبيقه، فعملت على تجاهله ونقضه وتعطيله.  وما زلنا حتى هذه اللحظة عاجزين عن تطبيق بنود هذا الاتفاق الذي صار دستوراً للبلاد.

يمتلئ الكتاب بأحداث كبيرة، كما أشرت إلى ذلك، تمتد من عام 1982، عام الغزو الإسرائيلي للبنان وعام إطلاق جبهة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وصولاً إلى عام 1987.  وهو العام الذي توّجت فيه حروب العاصمة بحرب فرضت على الحزب الشيوعي متحالفاً مع الحزب التقدمي الاشتراكي في الرد على محاولات من بعض المسلحين في حركة أمل لاحتلال مراكز للحزب الشيوعي، بما في ذلك مكاتب جريدة الحزب “النداء”، وذلك بقوة السلاح لأسباب ما نزال نجهلها حتى هذه اللحظة.  وهي الحرب التي انتهت بخروج حركة أمل من بيروت ودخول قوات سورية إلى العاصمة بقرار مفاجئ.  وإذا كنت لا أرغب في الحديث عن حرب الجبل التي هي محور الكتاب فإنني أود أن أدقق في بعض ما كنت شاهداً عليه من أحداث امتدت من حرب الجبل، إلى حرب بيروت في عام 1987.  أول ما أريد الإشارة إليه هنا يتعلّق بما قامت به ومن أجله جبهة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي، التي أعلن عن انطلاقتها في السادس عشر من شهر أيلول من عام 1982 في البيان الصادر من منزل القائد الشهيد كمال جنبلاط موقعاً من الأمينين العامين للحزب الشيوعي ولمنظمة العمل الشيوعي، الشهيد جورج حاوي ومحسن ابراهيم، وبحضور ممثل عن حزب العمل الاشتراكي.  وما قامت به الجبهة من أعمال بطولية ضد الاحتلال بالشراكة مع مقاومين آخرين، لا سيما من حركة أمل، هو جزء مهمّ من تاريخنا الوطني نعتزّ به ويعتزّ به الوطن.

ويهمني، إضافة إلى ما أشرت إليه حول مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، من دون الدخول في تفاصيل أخرى مؤلمة متصلة بها، أن أتوقف عند انتفاضة 6 شباط في بيروت التي أعقبت دخول الجيش اللبناني إلى العاصمة في ما يشبه الاحتلال.  كنت شاهداً في حينه على دخول الجيش في تلك الصيغة إلى العاصمة، وكنت شاهداً في الآن ذاته على تلك الانتفاضة، بل كنت شريكاً فيها من موقعي في قيادة الحزب الشيوعي اللبناني. وأذكّر هنا بأنني كنت مع الرئيس نبيه بري والنائب زاهر الخطيب في المؤتمر الصحفي الذي عقدناه معاً في منزل النائب الخطيب لنعلن فيه الانتقال بفعل الانتفاضة إلى مرحلة جديدة في الحرب التي كانت العاصمة بيروت إحدى ساحاتها، كما يروي ذلك المؤلف في كتابه.  وهي المرحلة التي كنت شخصياً أتمنى أن تسير في الاتجاه الذي يقود إلى الانتهاء من الحرب، عشية القرار بعقد مؤتمريّ جنيف ولوزان.  لكن الأمور سارت في الاتجاه الذي تحوّلت فيه الحرب الأهلية إلى عدة حروب.  وأذكر في السياق ذاته بأنني ذهبت بعد تلك الانتفاضة للمشاركة في مؤتمريّ جنيف ولوزان باسم الحزب الشيوعي اللبناني.  وكنت في هذين المؤتمرين، اللذين ضمّا أمراء الطوائف، مع أصدقائي توفيق سلطان ومحسن دلول وسمير الصبّاغ وحسين قوتلي في ما يشبه أيتام الحركة الوطنية التي كانت قد بدأت تترنح في تلك المرحلة.  ثم انتهى المؤتمران من دون اتفاق على أيّ أمر.  واستمرت الحرب كما كانت عليه قبل انعقادهما.

وأود الآن، بعد تلك الإشارات الآنفة الذكر، أن أتوقف في الكتاب عند حرب بيروت في عام 1987،  تدقيقاً لبعض فصولها.  فقد شاءت الظروف، بعكس ما نرغب ونحب، أن أكون أنا بالذات، على غير عادتي، المسؤول السياسي عن قيادة العمليات العسكرية المشكّلة من الشيوعيين والاشتراكيين.

وقد ترافقت تلك الحرب بمفاوضات صعبة بيننا وبين أشقائنا في حركة أمل من دون الوصول إلى اتفاق لإيقافها.  ولا أحب هنا أن أدخل في تفاصيل ما كان قد وصل إلينا من إشارات واضحة سابقة على تلك الحرب تفيد بأن ثمة استعدادات كانت تجري لاحتلال العاصمة من قبل حزب التوحيد بقيادة سعيد شعبان وبدور من حركة فتح، أسوة بما كان قد حصل في طرابلس في عام 1983 عندما استوليا عليها، بعد دخول ياسر عرفات إليها في شكل مفاجئ، وسقوط 37 شهيداً من الشيوعيين في مكتب الحزب في منطقة الميناء.  ومعروف أنه تمّ تحرير المدينة في عام 1985 بالاشتراك بين القوات السورية وفصائل من أحزاب الحركة الوطنية ومن ضمنها حزبنا الشيوعي.  لذلك اخترنا يومذاك الحرب الدفاعية، بعد أن بذلنا جهوداً استثنائية، بما في ذلك في اللقاء الذي أجريناه مع الرئيس حافظ الأسد استنجاداً به للتدخل، ولم ننجح.

لقد أشرت إلى هذه التفاصيل من الكتاب المتصلة بحرب بيروت لكي أذكّر بالآلام التي ولّدتها لنا جميعنا، ولكي أذكّر في الآن ذاته بأننا أفشلنا فيها، بالصدفة، ما كنت أشرت إليه من خطة متصلة لاحتلال العاصمة من قبل سعيد شعبان وحلفائه.  لكنني لن أنسى حادث اغتيال المفكرين الشيوعيين حسين مروة ومهدي عامل، الأول في نهاية تلك الحرب والثاني بعد شهرين من وقوعها.  ولم نعرف يومذاك السبب في استهداف هذين المفكرين الكبيرين، رغم أننا عرفنا الفاعل،  وفرضت علينا القيادة السورية عدم الإفراج عن تلك المعرفة.

وبعد، فإنني أتساءل هل هكذا كان عليّ أن أقرأ كتاب صديقي ورفيقي المقدّم شريف فيّاض.  وقبل أن أستمع إلى رأيه أجيب بأن هذا هو ما وجدت أنه الشكل الملائم للدخول في كتاب عن الحرب الأهلية.  ذلك أنني، كما قلت في مطلع هذه المداخلة، صرت أصنّف الحرب بأنها جريمة، وصرت  أمارس النقد الذاتي لمشاركة حزبنا فيها مع شركائنا في الحركة الوطنية، ونقدي في الآن ذاته لكلّ من شارك فيها من القوى السياسية.  وأدعو الجميع في هذه المناسبة ومن على هذا المنبر  للقيام بقراءة نقدية لها وقراءة نقدية للذات من قبلهم، كما فعل حزبي في مؤتمره السادس في عام 1992،  وكما فعلت أنا شخصياً في كتبي وفي كتاباتي.   ووظيفة القراءة النقدية للحرب الأهلية، في هذه المرحلة التي نحن فيها الآن على وجه التحديد، أنها تساعد على إخراج وطننا من النتائج المتواصلة لهذه الحرب، والاتفاق فيما بيننا جميعنا على إعادة بناء وطننا وتثبيت وتطوير نظامه الديمقراطي التعددي على أسس حديثة، وإقامة الدولة المدنية الحديثة، دولة الحق والقانون فيه، على قاعدة اتفاق الطائف كمشروع مرحلي،  يتمّ تجاوزه في الاتجاه الأرقى في مرحلة لاحقة، عندما تتوافر الشروط لذلك.  وأذكّر هنا بأنني قد مارست مع صديقي كريم بقرادوني نوعاً من النقد الذاتي لدخولنا في الحرب في الكتاب الذي حاورنا فيه صديقنا المشترك طانيوس دعيبس في عام 1995، وأعطيناه العنوان التالي لدلالاته “الوطن الصعب – الدولة المستحيلة”.

أخيراً أتوجه بالتقدير والاحترام لصديقي ورفيقي المقدّم شريف فيّاض، ولما ولمن يمثله في الحزب التقدمي الاشتراكي قيادة وجماهير.  وأسمح لنفسي من على هذا المنبر بأن أدعو إلى تجديد حركتنا اليسارية في ما يتطابق مع شروط العصر، وفي ضوء ما قدمته لنا تجاربنا السابقة.  وأدعو، في الآن ذاته، القوى السياسية الأخرى إلى تجديد أحزابها كلّ منها وفق رؤيتها وفي ضوء تجاربها، وأن نعمل جميعنا، على قاعدة الحوار والتواصل والتكامل، من أجل مستقبل أفضل لوطننا الخالد لبنان.

77

وفي الختام، تحدث المقدم شريف فياض، فقال:

أتقدم بالشكر من رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط لرعايته هذه الندوة.

كما أشكر السادة المنتدين على الجهد الذي بذلوه والوقت الذي صرفوه لتتبع وقائع النار التي التهبت فوق روابي الجبل وللقراءة التي قدموها حول هذه الوقائع.

أشكر أصحاب المعالي والسيادة والفضيلة والسيدات والسادة على حضورهم الذي يدل على الإهتمام الصادق في درس أحداث الحرب اللبنانية الداخلية وآثارها السياسية والإجتماعية والمعاناة الإنسانية التي تعرض لها اللبنانيون عامة وأبناء الجبل بشكل خاص.

لقد كتبت، أيها السيدات والسادة، من الموقع الذي كنت أشغله في تلك المرحلة ومن الزاوية التي شاهدت فيها الأحداث وأنا أعلم أنني لا أملك الحقيقة كلها، فغيري نظر من زاوية أخرى وله تحليل آخر.

إن التعدد في النظر إلى تلك الأحداث والتباين في تحليل وقائعها ونتائجها يكمّل الصورة ويوضحها ويقود إلى الإقتراب من الحقيقة أكثر وأكثر.

ويهمني في هذا السياق أن أشير إلى أنني التزمت الكتابة عن الحدث بحد ذاته ولم أتناول بالتفصيل أدوار الأشخاص الفاعلين فيه والذين قدموا تضحيات جلّى وقاموا ببطولات على ضفتي خطوط النار. ليس في ذلك انتقاص من دورهم وتضحياتهم بل التزام بالموضوعية وبالمنهج الذي جعلني أغلّب الصدق على الصداقة وأقتدي بقول كمال جنبلاط :”إن المنتصر هو الذي يعرف كيف يكسب أخصامه من المواطنين من خلال صمته وتواضعه واكتفائه بما حدث وتحليله للواقع الموضوعي في تحركه

وتحرك أهدافه، لأن الإنتصار ليس قضية ذاتية شخصية بل هو بشكل رئيس فوز فكرة وتقدم مبادىء وسيطرة عقيدة واتجاه”.

لقد رافق الحرب اللبنانية مظالمٌ ومآسٍ ودمار على امتداد مساحة الوطن وليس في الجبل وحده وهذا أمر طبيعي في كافة الحروب ولا سيما الأهلية منها فتضرر النسيج الإجتماعي وتغلَّب العنف وذهنية الثأر على نهج العيش المشترك وعلى حرمة الجيرة فتصدّعت ركائز الوحدة الوطنية ووقع لبنان فريسة السياسات الإقليمية ومصالح اللاعبين الكبار على أرض الوطن الصغير ولا زلنا حتى اليوم ننوء تحت ثقل تلك السياسات والمصالح ويتعثر نهوض مؤسساتنا الدستورية والإدارية.

إنني على قناعة أن أحداً لم ينتصر في تلك الحرب وإن الثمن الذي دفعه لبنان كان غالياً جداً وما تحليل وقائع الأحداث إلا من أجل أخذ العبرة والاستفادة من دروس المآسي من أجل إعادة الاعتبار لفكرة المواطنة التي تتعدى المذهبية والمناطقية وتقود إلى بناء الدولة المدنية التي تستظل جميع المواطنين وتضمن لهم الحرية والعدالة والمساواة.

شكراً لكم دكتور أيوب حميد، الأستاذ كريم مروة، الأستاذ كريم بقرادوني، الأستاذ أنور ضو، الأستاذ صالح حديفة.

شكراً لحضوركم واهتمامكم أيها السيدات والسادة، الحضور الكريم

شكراً للدار التقدميةً

ولمدير قصر الاونيسكو الأستاذ سليمان خوري

متمنياً لهذا الصرح أن يبقى منارة للثقافة وحاضناً لتداول الأفكار وتفاعلها.