الدكتور كمال معوض: إستمرار الشلل قد يدخلنا في المجهول!

تناولت “البيان” في حديث مع الدكتور كمال معوض، نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، ملفات لبنانية عالقة واستحقاقات قادمة في ظل مخاوف دائماً من انفجار وتدهور الوضع الأمني المضبوط حتى الساعة، وفيما يلي نص الحوار:

-من يقف وراء عرقلة ملف الرئاسة؟
ملف الرئاسة موضوع بيد الطبقة السياسية الممسكة، مبدئياً، بالحكم في هذا البلد. معظم هذه الطبقة السياسية أثبتت فشلاً كبيراً في الملف الرئاسي، وأصرت على ربطه بالتطورات الإقليمية. المسؤولية يتحملها أطراف متعددون لكن على رأس من يتحمل المسؤولية هم المرتبطون، بالنسبة لي، بالمحور السوري- الإيراني. إن حزب الله واضح في قراراته أنه لن يقبل برئيس للجمهورية ما عدا رئيس ينفذ سياسته على الأرض اللبنانية. هذا الشرط الذي يعجب التيار الوطني الحر وتحديداً الجنرال ميشال عون هو مقبرة للديمقراطية. عندما نحصر الخيار الرئاسي بشخص واحد يعني ذلك أننا قضينا على النظام الديمقراطي. في هذا الموضوع أرى شخصياً أن حزب الله ليس متحمّساً على الإطلاق للوصول الى رئيس للجمهورية. ولقد وضع شرطاً مستحيلاً كي لا نصل الى انتخاب رئيس للجمهورية. هنالك محاولة لربط لبنان أكثر فأكثر بما يحصل حوله. هنالك إصرار على ان لبنان لن يشهد رئيساً قبل أن تستقر الأمور في سوريا واليمن وقبل أن يكون النظام الإيراني قد وضح علاقته مع الغرب ووصل الى أقصى ما يمكنه بعملية المساومة على المجتمع الغربي. لو كانت الطبقة السياسية واعية في لبنان، كان بإمكانها ان تقف حاجزاً دون تسليم لبنان لحزب الله بهذا الشكل. ولكنّ قسماً منها عاجز وقسم آخر مرتبط بمصالح وبأهواء شخصية، فوصلنا الى ما وصلنا إليه بأن حزب الله وإيران يمنعان الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية.

-هل تعتقد أن الحل لأزمة الرئاسة هي عبر ولاية للجنرال عون لمدة سنتين مع العلم أنها تتطلب تعديلاَ للدستور؟
بمعزل عن تسمية الجنرال عون لهذه الولاية أو تسمية سواه، فإن اقتراح تعيين رئيس لمدة سنتين لا يبدو أكثر من محاولة لملء الوقت الضائع، باعتبار أن أسس هذا الاقتراح، أي رئيس لمدة سنتين، غير متوافر ويقضي تعديلاً دستورياً. كما أن الأطراف السياسية بمعظمها لا تقبل به وحتى الجنرال عون لا يقبل به، وقد وضع شرطاً أن لا يكون عاجزاً دون تكملة ولايته. وبالتالي من يريد أن يفرض تعديلاً دستورياً يمكنه بكل سهولة أن يفرض اجتماع مجلس النواب وانتخاب رئيس لمدة متكاملة وعودة انتظام الحياة السياسية. من هنا هذا الاقتراح غير قابل للحياة وهو أصلاً غير قابل للولادة، فإذاً إنه لعب في الوقت الضائع. وكفى ضحكاً على اللبنانيين باقتراح مثل هكذا مشاريع، وحتى لو جاء من أحد الرموز الدستورية الرفيعة في هذا البلد.

-هل سنشهد أي تعديل للدستور اللبناني أو تغيير للنظام سياسي؟
إذا استمر الوضع بهذا الفراغ المطلق أي استمرار الشلل في المؤسسات الدستورية، غياب رئيس للجمهورية، حكومة مشلولة غير قادرة على اتخاذ قرارات فعلية، مجلس نيابي غير قادر على التشريع وغير قابل على انتخاب رئيس للجمهورية، فقد نصل الى المجهول. وإن هذا المجهول مفتوح على كثير من الاحتمالات، وأحد من هذه الاحتمالات تعديل دستوري ما يُفرض بقوة السلاح، كما حصل في أيار 2008 وقد نشهد شيئاً شبيهاً له. إن البعض في لبنان مدعوم بإحساس من فائض القوة قد يصل به عقله السياسي الى محاولة فرض هكذا تعديلات. لكن تلك التعديلات لن تأتي بتوافقات لبنانية، بل ستكون غلبة لفريق على آخر، وقد يكون هذا ضرباً كبيراً للتنوع الموجود حالياً في لبنان.
أما حول النظام السياسي، فأرى أنه بحاجة الى تغييرات، لكن يجب أن تبدأ تلك التغييرات بتطبيق الدستور اللبناني الحالي، أي البدء بانتخاب رئيس الجمهورية ومن ثم إعادة تكوين السلطة عبر قانون انتخابات عادل ومتوافق عليه نوعاً ما حتى نصل الى شيء من تغيير النظام السياسي بما يلبي طموحات الجيل الصاعد خاصة.

-الجيش اللبناني ينشط في هذه الآونة في عمليات المداهمات والتوقيفات. كيف تقيم وضعنا الأمني عامة؟
وضعنا الأمني حتى الوقت الحاضر يبدو ممسوكاً. لا تزال قوانا الأمنية، رغم بعض المآخذ على عملها، ورغم بعض العراقيل على إعطائها كامل القدرات المطلوبة منها، تقوم بدور أساسي في حماية البلد سواء كان من ناحية الجيش أو من قبل الأمن الداخلي أو الأمن العام وسائر الأجهزة الأمنية الأخرى. هنالك إمكانية في الوقت الحاضر لضبط الوضع الأمني خاصة وأنني من خلال قراءتي الخاصة لا أجد أن القوى الدولية تريد فلتاناً للوضع الأمني في لبنان. في ظل هذا التوازن بعدم رغبة دولية وإقليمية لتفجير الوضع في لبنان ووجود مقبول للأجهزة الأمنية اللبنانية، نحن نتمتع بوضع أمني مقبول. ولكن في حال تطورت الأمور، وتغيرت معطيات إقليمية أو دولية، وفي حال استمرت مذهبة المؤسسات الأمنية بالشكل الذي شهدناه في الآونة الأخيرة قد نصل الى وضع لا تعود فيه القوى الأمنية قادرة على ضبط الفلتان الذي يمكن أن يزداد، خاصة إن ازداد الوضع سوءًا في سوريا، وما نشهده خلال هذا الأسبوع من مجازر ترتكب في منطقة حلب ليست بالإشارة الجيدة. إنهيار “المفاوضات” التي كانت تحاول الوصول الى حل انتقالي في سوريا ذهبت هباء والوضع الكارثي هناك الى مزيد من التصعيد. الوضع الأمني في لبنان ممسوك حالياً لكنه غير مضمون الى أبد الآبدين.

هل تم الإتفاق على قانون للانتخابات؟
لم يتم الاتفاق ولن يتم. من الصعب التخيل أن هذا المجلس النيابي الحالي سيتفق حالياً على قانون للانتخابات طالما لم ينتجب رئيساً للجمهورية. نقطة البداية هي انتخاب رئيس للبلاد. هناك 17 مشروع قانون عرض على المجلس النيابي وستبدأ اللجان النيابية المشتركة في دراستها وسنشهد بعد بضعة أشهر بصيصاً من النور. ماذا يعني هذا؟ إنه لعب في الوقت الضائع. كفانا مزاحاً في هذا الموضوع. كفانا ضحكاً على اللبنانيين. يجب أن ننتخب رئيساً للجمهورية لكي يكون دافعاً للتوجه نحو قانون انتخابات. نحن في الحزب نراه حسب القانون المختلط، وقد تقدمنا به سابقاً مع تيار المستقبل والقوات اللبنانية، وهذا المشروع قابل للتعديل وللتطوير، وربما يكون لدينا وجهات نظر متباينة حتى ضمن الحزب حول بعض التفاصيل، لكن البداية تكون من انتخاب رئيس للجمهورية. فلن نرى قانوناً للانتخابات في المرحلة القادمة.

على ضوء تدهور العلاقات اللبنانية- السعودية والخليجية عامة،هل هناك من خوف محدق بشبابنا الذين يعملون في دول الخليج؟
هذا أمر واضح وقد بدأ تطبيقه. وإذا كان يشمل فقط بعض المنتمين الى جو سياسي معين، لكن هذا الإجراء قد يطال اللبنانيين بشكل أوسع. إن من يلعب بالنار السورية يطعن اللبنانيين العاملين في الخليج في ظهرهم طعنة قوية ستؤدي الى ضرب أسس الاقتصاد اللبناني وضرب الاستقرار الاجتماعي في لبنان. لن تتحسن العلاقات اللبنانية- الخليجية باستمرار أولاً تدخل حزب الله في الشؤون السورية، وثانياً بالعبث الذي يمارسه وزير خارجية لبنان الحالي في القضايا العربية. نحن مع النأي بالنفس عن عدد من الأمور، لكن لسنا مع قطع الروابط الأخوية مع الأشقاء العرب. ان الدول الخليجية قد ساهمت ومازالت تساهم في إعمار لبنان، ساهمت وماتزال تساهم في ضخ الأموال لإنعاش الاقتصاد اللبناني، ساهمت وتساهم في استمرار عمل مئات الألوف من اللبنانيين. فحرام وإجرام على من يقوم بالعبث بهذه العلاقات. على حزب الله أن يوقف تدخله العسكري في سوريا وعلى وزير الخارجية أن يمارس دوره كوزير خارجية لكل لبنان وليس كوزير خارجية لمحور الممانعة السوري- الإيراني.

-كيف تقرأ إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية؟
نحن في المبدأ مع تطبيق كل الاستحقاقات الانتخابية. والاستحقاق البلدي يجب ان يحصل في زمانه المقرر. طالما وصلت السياسة الى هذه الضحالة ووصلنا الى شبه غياب للسياسة بمعناها الحقيقي، فلنسمح على الأقل بممارسة هذا الجو الديمقراطي في مدننا وقرانا وبلداتنا لكن دون أن نحمّل الانتخابات البلدية ما لا نقدر عليه في السياسة الفعلية. علينا ان نخفف التدخلات السياسية في الانتخابات البلدية والاختيارية، وأن نسمح لمكونات المجتمع اللبناني المتنوعة وما يسمى بمجموعات العمل المدني والفعاليات المحلية بأن تعطي أفضل ما لديها لمحاولة لعب دور تنموي محلي في المدن والقرى والبلدات. الانتخابات البلدية محطة أساسية لشيء من التغيير والتعديل ولضخ دم جديد في البنى المتخلفة في البلدات والقرى اللبنانية. كما نريد أن نحترم بعض التوازنات العائلية، فلا يجب أن نلغي دور النخب المجتمعية في العمل البلدي المتواجدة بعيداً أو داخل الأحزاب. لست مع شعار رفع يد السياسيين بالمطلق، ولست مع تسييس هذه الانتخابات البلدية، كما يريد بعض القوى، وكما يحصل تحديداً في المناطق المسيحية، حيث يحاول التحالف الثنائي فرض شروطه على كل مكونات المجتمع المسيحي. وهذا خطأ كبير قد يندمون عليه.

-نرى مواقف للنائب وليد جنبلاط في الآونة الأخيرة تنم عن حالة إحباط. لماذا؟
إن حالة الإحباط التي لمسناها عند وليد جنبلاط نابعة من كونه إنساناً واقعياً. لا شك ان وليد جنبلاط وبعد مرور عقود على عمله السياسي شعر بالدرك التي وصلت إليها الحياة السياسية في لبنان. وهو لا ينفي مسؤولية له فيما وصلنا إليه. لكن المقصود هنا أنه بعد حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس، وبعد “سلم أهلي” يدوم منذ أكثر من 25 سنة نصل الى شبه دولة ليس فيها رئيس للجمهورية، يعشّش فيها الفساد في كل مفاصلها، وتقرب ان تصبح دولة فاشلة، ديْنها العام أصبح هائلاً، الأرقام الاقتصادية مخيفة، البطالة وصلت الى حدود خطيرة، حياة سياسية ليس فيها الكثير من التنوع، انخفض المستوى الثقافي والفكري عند معظم حملة لواء السياسة، أمام فشل الأحزاب أو تقاعسها عن دور التحديث في المجتمع اللبناني، وصل وليد جنبلاط الى شيء من الإحباط. هناك قراءة واقعية لوضع سيئ ودون قطع الأمل بالمطلق هنالك تركيز على الدرك المنخفض الذي وصلنا إليه، ربما لتفجير طاقات عند جيل الشباب، وربما لدفع حزبنا للقيام بخطوات تجديدية تعيد النبض الى الحياة السياسية والألق للعمل السياسي الذي عرفناه قبل الحرب الملعونة التي قضت على الأخضر واليابس في لبنان.

-يحكى عن ان مدينة طرابلس ستكون جسراً لإعمار سوريا. هل تعتبر هذا الحدث فرصة جيدة؟
ان الموقع الجغرافي المميز لطرابلس وقربها من سوريا ومن سهل عكار يسمح لها أن تطمح بلعب هذا الدور، خاصة أن عدداً كبيراً من المجموعات الدولية قد أشار الى إمكان اعتماد طرابلس مركزاً لهذا المنعطف القادم. إنها فرصة كبيرة لطرابلس لتستمر بتطور المرفأ وتعيد التألق الى معرض طرابلس الدولي، وتعيد إحياء طرابلس القديمة عبر نكهة سياحية خاصة، وتزيد الانفتاح في طرابلس على المجموعات المتنوعة التي تعيش ضمنها أو حولها. طرابلس عليها ان تستعيد دورها الكوزموبوليتي، عليها ان تعود مدينة، لا يجب أن تبقى قرية كبيرة، إن عرف المسؤولون فيها في شتى الميادين كيف يطوروا هذه المدينة وكيف يحافظوا على التنوع فيها وكيف يعطونها وجهاً أشرق مما كان مطبوعاً عليها في السنوات الماضية، وعرفوا كيف يستخدموا موقعها الجغرافي المميز والمرفأ ومعرضها ومطار القليعات، ستكون طرابلس قادرة على لعب هذا الدور. ونفتح المجال ربما لألوف فرص العمل التي ستكون معروضة أمام الشباب الطرابلسي الذي اشتهر في السنة الماضية بعملية هربه من بحر الميناء. فليكن بحر الميناء منطلقاً لإعادة بناء هذه المدينة، لكن هذا يقتضي إرادة طرابلسية قوية، ودعماً من القوى الفاعلة في المجتمع الطرابلسي، وعدم استسهال توظيف الأموال بعيداً عن طرابلس.