قادة ولدوا لزمانهم ولغير زمانهم

فيصل مرعي

عند اشتداد الازمات، ينبري قادة كبار، رأباً للصدع، ودرْءاً للمخاطر. ومن هؤلاء القادة، جبابرة مشهود لهم، بالحوار، والانفتاح، والايمان بالتنوع، والمواقف الصلبة على قاعدة الالتقاء والمصير، فكان ان حفظ التاريخ اسماءهم. واليوم، نشهد بعضاً من امثالهم، بعد ان دار الزمان، فأتى بمثل هؤلاء، اسياداً، غطارفة، بنوا اطارف المجد، على التليد الذي شاده، وبناه، اسلافنا، واجدادنا، وقادتنا الذين تركوا بصماتهم على مر العصور والدهور، فكانوا اسياد المصالحات والتهدئة، والتسويات المشرفة، حفاظاً على الهوية والانتماء، ناهيك عن استشرافهم للمستقبل، وايمانهم بقيام دولة العدالة، والقانون، والمؤسسات، داعين الى التغيير، الذي لا بد انه آت لا محالة، في حال ارادوا بقاء لبنان ووجوده. الا ان ظروفاً محلية، وإقليمية حالت دون تحقيق هذه الدعوة، ودون تحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم، نشلاً للبنان من ازماته وعثراته، لا سيما لجهة محو الفرقة بين اللبنانيين، بسبب هذه الطائفية المقيتة، وبسبب هذا الهوس بالسلطة، والامساك بها سياسياً واقتصادياً، وبسبب كذلك، هذه الوصايات والاحتلالات التي جثمت على صدر لبنان واللبنانيين ردْحاً من الزمن. ولقد حاول هؤلاء القادة، جاهدين على التخفيف من وطأة هذه الطائفية التي ما ان تتوارى، سرعان ما تطفو، ويشتد اوارها، لتزيد من حدة التناقضات الاجتماعية والطبقية المستشرية، والتي لم يعد بالامكان مداواتها بسهولة، قيامة لوطن علماني، تلغى فيه الفروقات، وينتفي فيه التعصب والتمييز.

وهكذا، استمر الذين تولوا مقاليد الحكم في عنادهم وارتهانهم، فتجذّرت الطائفية، ومن بعد المذهبية اكثر فأكثر، تارةً من خلال الاثارة العصبية، واخرى من حمل شعار الخوف، تثبياً لنفوذهم ومواقعهم. فما احوجنا الى هؤلاء القادة، والى من أتى بعدهم، اخلاصاً، وتجليّات بعيدة المدى والأفق، والى رؤاهم في ظل الهزائم والنكسات المتتالية، والارتماء في احضان الغير، وسط هدير الثورات والفوضى، والاضطرابات التي يشهدها العالم العربي، فكان ان رموا بلبنان في هوة اللحد العميق، اقامة للبنان الشتيت، لا لبنان الموحد، لبنان الجديد.

هؤلاء القادة، مضوا جسداً، ولم يمضوا فكراً، وفلسفة، وتضحية، وعملاً انسانياً في سبيل تحقيق امنيات الشعوب المظلومة، فدفعوا بنضالاتهم المسيرة الى الامام. وقد كان في نيتهم تحقيق المزيد من التقدم نحو العلمانية والديمقراطية الصحيحة لولا ان عوامل واسباباً حالت دون تحقيق ما يصبون اليه، وما يبتغونه.

في ظل التخبط عن حق، وفي ظل الازمات الكبيرة، والاحداث، والمفاصل التاريخية، هنالك قادة كبار، ينزعون دائماً الى التوافق، والى اقامة تسويات عادلة دون تنازل، آخذين في الاعتبار مفهوم الالتقاء مع الشريك، والانفتاح على كل تيار سياسي، والقدرة على تحديد اهداف المرحلة، والانسجام معها، تبعاً للظروف الذاتية والموضوعية، مستندين الى قيم التضامن، والتنوع، للولوج الى صوغ برنامج يدفع بالوطن باتجاه وحدة اجتماعية، ووطنية تحصِّن الجميع، وتبشِّر بأيام واعدة. ونعني بالوحدة اكثر ما نعني: وحدة المصير، والتلاقي، وحدة المساكنة، والعيش المشترك. إنهم اراحوا الناس في حياتهم، وفي غيابهم، من الفتن والمحن، ومن عدم زوال اوطان، ومن كل ما يغدو كيَّة في القلب، وهماً يطاول الجميع.

وبحق نقول: انهم قادة ولدوا لزمانهم، ولغير زمانهم. في ذكرى الاول من أيار، نعاهدكم على اكمال المسيرة، والاهتداء بهديكم، والاقتداء برأيكم.

 

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…