جيل من أطفال سورية من دون جنسية

رويترز – تعيش نور ابنة السبعة أشهر في خيمة من القماش المشمع منصوبة في مخيم صغير للاجئين على رقعة طينية من الأرض في سهل البقاع اللبناني.

وتواجه أسرة نور، التي ولدت لاجئة، بعدما فرت من الحرب في سورية تحدياً لتسجيل مولودتها في مكتب تابع للإدارة المحلية في لبنان، حتى لا تنضم الطفلة إلى جيل يتزايد بسرعة من الأطفال من دون جنسية، بسبب افتقارهم إلى اعتراف قانوني أنهم من مواطني دولة ما.

ويزيد عدد اللاجئين في لبنان لجهة عدد السكان عنه في أي بلد آخر في العالم، لكن لبنان ليس طرفاً في اتفاقية الأمم المتحدة للعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، ولم يسمح للأمم المتحدة بإقامة مخيمات رسمية للسوريين.

وتشير دراسات أجرتها وكالة الأمم المتحدة للاجئين ومجلس اللاجئين النرويجي إلى أن عدد الأطفال الذين لم تسجل ولادتهم في لبنان قد يصل إلى 50 ألفاً، مشيرةً إلى أن وكالات الإغاثة تواجه صعوبات مماثلة في تسجيل الأطفال في الأردن والعراق وتركيا التي تستضيف ملايين اللاجئين السوريين.

وهذا يعني أن عدد الأطفال السوريين الذين يحتمل أن يصبحوا بلا جنسية أكبر بكثير من ذلك على الأرجح.

وقالت مسؤولة الشرق الأوسط في منظمة اللاجئين الدولية داريل غريسغرابر أنه «بالنظر إلى عدد حالات الولادة، أعتقد أننا نتحدث عن مئات الآلاف الذين يحتمل ألا يكونوا سجلوا في المنطقة ككل».

ويتطلب الاعتراف بنور كمواطنة سورية بالكامل الخوض في عملية كافكاوية تستلزم زيارة مكاتب حكومية مختلفة والمرور بنقاط تفتيش عدة في الطريق إلى بيروت والاتصال بالسفارة السورية وهو شيء يخشاه كثير من اللاجئين الهاربين من الحرب الأهلية، فيما تعتبر وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان التي تتولى مسألة اللاجئين إن الخطوات المطلوبة «واضحة ومتناسبة»

ويخشى والدا نور البدء في هذه العملية وقد طلبا إخفاء اسميهما خشية أن تستهدفهما الفصائل المتحاربة في سورية أو إلقاء السلطات اللبنانية القبض عليهما، ولم يحاولا تسجيل ولادتها رغم إدراكهما لما يعنيه ذلك فيما بعد.

وقالت الأم «نحن خائفان على مستقبلها. خائفان من أننا لن نتمكن من أخذها معنا إذا أردنا العودة إلى سورية لأنها لا وثائق لها».

ويواجه الأطفال الذين لا شهادة ميلاد مسجلة لهم فصلهم عن أسرهم إذا حاولت عبور حدود دولية بهم، بما في ذلك عبور الحدود إلى سورية. ومن دون شهادة الميلاد لا يوجد دليل قانوني على الأبوين أو محل الميلاد.

لكن الوالدين يواجهان عملية تسجيل معقدة وغير واضحة في كثير من الأحيان، وهما يخشيان القبض عليهما إذا حاولا التنقل كثيراً في لبنان.

وتنصح الأمم المتحدة ومجلس اللاجئين النرويجي وهو منظمة إغاثة انسانية اللاجئين بتنفيذ ثلاث خطوات مهمة لتسجيل المواليد في لبنان. وهذه الخطوات ليست هي كل الخطوات البيروقراطية المطلوبة للحصول على الجنسية السورية بالكامل للطفل لكنها الأكثر أهمية وخاصة فيما يتعلق بالوقت.

فعلى الأبوين أولاً الحصول على إخطار بالولادة من المستشفى الذي ولد فيه الطفل أو من القابلة القانونية، ثم أخذ الإخطار وأوراق الهوية الخاصة بهما وشهادة الميلاد إلى أقرب موثق محلي لتسجيل الطفل الوليد، وبعد ذلك يصدر الموثق شهادة ميلاد ويتقاضى في العادة رسماً يصل إلى 20 دولاراً. وأخيراً يسجل الوالدان الشهادة لدى أقرب مكتب حكومي محلي للتسجيل في لبنان.

ويجب استكمال هذه الخطوات قبل أن يكمل الطفل عامه الأول وإلا ستصبح هذه العملية مكلفة للغاية ومعقدة وتستلزم اللجوء للقضاء ومحامين واختبارات الحمض النووي «دي إن ايه».

ويقول المجلس النرويجي للاجئين أن لاجئين كثر يستسلمون لأنهم لا يملكون المعلومات ويخافون من السلطات أو لمجرد عدم امتلاكهم للمال اللازم للتسجيل بكل بساطة.

وتتحدث الأمم المتحدة عن صعوبات مماثلة، وتحاول وكالات الإغاثة توعية الأسر، لكنها تتعرض الى ضغوط كبيرة بسبب أعداد اللاجئين الذين يعيشون في كثير من الأحيان في مناطق من الصعب الوصول إليها.

وتقول الأمم المتحدة إن حوالي 70 ألف طفل ولدوا للاجئين السوريين في لبنان منذ العام 2011. ولا يشمل هذا الرقم الأسر غير المسجلة لدى الأمم المتحدة والتي لا تملك مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تقديراً لها.

وذكر مسح أجرته المفوضية في نهاية العام 2015 وشمل 2500 أسرة، أن «68 في المئة منهم لم يستكملوا الخطوة الثالثة ليظل أطفالهم غير مسجلين». وتوضح أرقام مجلس اللاجئين النرويجي من كانون الثاني (يناير) العام الماضي أن أكثر من 80 في المئة من حوالي 800 لاجىء أجريت مقابلات معهم غير مسجلين.

وقال الباحث في منظمة «هيومن رايتس ووتش» بيل فان اسفيلد إن «هذا يدفعك للاختباء. وغياب وثائق الهوية يجعل كل شيء آخر في حياة الإنسان أكثر صعوبة. وقد يغلق باب حقوق مهمة مثل التعليم والرعاية الصحية إذا لم يكن لك وجود من الناحية الرسمية. وتضطر للعيش في منطقة رمادية أو حتى تعامل معاملة المجرمين».