كيف نؤمن العمل للشباب اللبناني؟ خارطة طريق من تسع نقاط!

بقلم سامر بو كروم

أنباء الشباب

من الطَّبيعي للشاب اللبناني اليوم التفكير بالهجرة، سعيًا وراء لقمة العيش. ففي سنوات الدِّراسة الأخيرة، يسعى الشاب إلى الحصول على وظيفة تناسب اختصاصه، تكون على مستوى طموحه وتؤمِّن لقمة العيش. وأصبح من المُعتاد سؤاله عن أي بلد سيقصد بعد التخرُّج. يجد الشَّاب نفسه منقسمًا بين حبِّ الوطن والعائلة والمجتمع اللبناني، وإرادة التطور والتقدم وإثبات الذَّات في الغربة. هذا الصراع الدَّاخلي بين البقاء أو السَّفر تخطى كونه قضية نفسية ليُصبح قضية اجتماعية تطال المجتمع اللبناني بأسره. ففي لبنان القليل من الوظائف والكثير من طالبي العمل، مما يؤدي، طبعًا، إلى هجرة المفكرين والمبدعين والمثقفين ورجال الأعمال.

أخذت جريدة “أنباء الشباب” على عاتقها مسؤولية الاستفسار عن أسباب محدودية الفرص والحلول المحتملة، لذلك قام فريق الجريدة بمقابلة الخبير الاقتصادي وبروفسور الاقتصاد في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور مكرم بو نصار.

د. بو نصار

-للهجرة سيِّئات كثيرة معروفة على الاقتصاد الوطني، إذ تحرم الوطن من ابتكارات وقدرات شبابه المُنتج. هل للهجرة ايجابيات على صعيد لبنان؟

ان  تاريخ لبنان هو اغترابي بامتياز حيث يوجد أكثر من احد عشرة ملايين لبناني منتشرين في الخارج. الهجرة اللبنانية هي الأكبر والأقدم بين هجرات الشعوب العربية قياسًا الى عدد سكان لبنان. وكما أشرت، للهجرة سلبيات متعددة ولكن لها ايجابيات ايضًا. ان المغتربن هم الشِّريان الحي وأحد الرَّكائز الأساسية للاقتصاد الوطني وهم يمثلون وجه لبنان الحضاري والثقافي في العالم. يمتلك المغترب اللبناني رؤوس أموال بشرية واجتماعية وعلمية وثقافية إضافة إلى قدرات مالية كبيرة. وهو يلعب دورا كبيرا في رسم صورة مضيئة عن وطنه في الخارج ويساهم في إنعاش الدورة الاقتصادية في لبنان حيث تبلغ  تحويلات المغتربين حوالي 8 مليارات دولار سنويا.

-إن وضع لبنان الاقتصادي لا يُمكنه من تأمين فرص عمل كافية. هل يمكنك تقدير نسبة البطالة بشكل عام ولدى الخريجين الجدد بشكل خاص؟

الاحصاءات الدقيقة حول نسبة البطالة في لبنان غير متوفرة؛ الا ان الارقام المتداولة تشير الى ان نسبة البطالة في العام 2015 كانت حوالي 25 بالمئة ومنهم 36 بالمئة من الشباب. أما بالنسبة للطلاب الجامعيين، فيتخرج سنويا حوالي 30  ألف طالب من جامعات لبنان الموزعة على مختلف المناطق. عدد كبير من هؤلاء المُتخرجين لا يجدون عملًا في لبنان. يُسافر اكثر من ثلث الخريجين كل سنة للعمل في الخليج العربي أو أوروبا واميركا في حال توفرت لهم الفرصة. وهذا يعني أن الإقتصاد اللبناني لا يستطيع إستيعاب خريجيه الداخلين إلى سوق العمل.

lebanon_beirut_aub_campus

-ما هي الخطوات المطلوبة لمعالجة هجرة الشَّباب اللبناني الكفوء؟

يكمن الحلُّ في عدة خطوات منها ما هو قصير الأمد، ومنها ما هو طويل الأمد لضمان استمرار الحل.

تكون الخطوة الأولى في معالجة قضية الهجرة في لبنان جمع معلومات أكثر حول هذه الظاهرة. وبالتالي يجب العمل على إصدار معلومات تحليلية ودورية محدّثة عن الهجرة.

أما الخطوة الثانية فهي تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص واقرار القانون الخاص في هذا المجال مما يساهم في خلق فرص عمل.

تتبعها الخطوة الثالثة وتشمل برنامجاً اقتصادياً هدفه تخفيض تكاليف المعيشة، وبشكل خاص تخفيض كلفة تأمين المسكن. ولا بد هنا من الاشارة الى اهمية التَّحفيزات التي اطلقها مصرف لبنان في هذا المجال، من خلال دعم الفوائد للقروض السكنية.

أما الخطوة الرابعة فهي الاسراع والبدء جديا بعملية استخراج النَّفط التي ستؤمن دخلا مهما للبنان مستقبلا وتساهم في خلق فرص العمل للشباب اللبناني.

working-in-an-office
والخطوة الخامسة هي التَّركيز على تقنية المعلومات وقطاعات الأغذية اضافة إلى قطاعات أخرى يتمتع فيها لبنان بالميزة التنافسية. ويُعدّ التَّعليم المهني والتقني مجالاً مهماً للاصلاح في البلاد، ويساعد على تعزيز وإنشاء برامج تتناغم مع حاجات السوق.

تتبعها الخطوة السادسة، وهي إعادة النظر في الإختصاصات التي يتم تقديمها من أجل إدخال شهادات تتناسب بشكل أفضل مع حاجات السوق المحلي وذلك بعد إجراء دراسة وطنية لحاجات سوق العمل اللبناني.

أما الخطوة السابعة فهي ضرورة التواصل بشكل اكبر مع المغتربين اللبنانيين، وتشجيعهم على الاستثمار في بلدهم الأم لبنان. ويمكن للمغترب اللبناني أن يساهم في تمويل مشاريع إنتاجية متعددة، على الصعيد الصناعي والسياحي.

والخطوة الثامنة هي تشجيع المتخرجين ان يبادروا الى التفكير بانشاء مؤسساتهم الخاصة بهم وادارة عملهم بانفسهم. وفي هذا المجال قام مصرف لبنان ومنذ فترة طويلة بتوسيع دائرة الحوافز للتسليف المحلي المدروس والمنظم وذلك لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة او لمتابعة التعليم العالي. ومع بداية العام 2013، أطلق مصرف لبنان حوافز اضافية  لتفعيل النمو الإقتصادي يتضمن حوافز لدعم السكن والتعليم ومشاريع الطاقة المتجددة والإبتكار ومشاريع البحوث والتنمية ورواد الأعمال وشتى القطاعات الاقتصادية.

وقد ساهمت هذه الحوافز بسبة نمو قدرت بـ1.5 بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي سنة 2013. واطلق مصرف لبنان رزمة حوافز جديدة لدعم الاقتصاد اللبناني في سنة 2014 و2015. كذلك  اصدر المصرف التعميم رقم  331 في اب 2013،  الذي يسمح للمصارف والمؤسسات المالية بالمساهمة، ضمن حدود 3 بالمئة من أموالها الخاصة، في رسملة مشاريع ناشئة وحاضنات أعمال وشركات مسرِعة للأعمال يكون نشاطها متمحورا حول اقتصاد المعرفة.

ان مصرف لبنان يساهم من خلال هذا التعميم في دعم الكفايات الفكرية وأصحاب الإبتكارات المهنية التي تندرج في إطار اقتصاد المعرفة حيث يقوم بتغطية للمخاطر تصل لنسبة 75 بالمئة من الإستثمارات التي تقوم بها المصارف في صناديق الإستثمار أو مع شركات لها علاقة بإقتصاد المعرفة. إن إقتصاد المعرفة قطاع أساسي ومهم للاقتصاد اللبناني، ويأمل مصرف لبنان من خلال هذا التعميم تشجيع المتخرجين اللبنانيين تأسيس شركات جديدة واعدة، يمكن أن تتحول مستقبلا الى شركات مساهمة توفر فرص عمل جديدة وتساهم في النمو الاقتصادي.

أخيراً، الخطوة التاسعة هي الحد والتوقف عن اعطاء الرخص لجامعات جديدة في لبنان حيث اصبح لدينا حوالي خمسين جامعة مؤخرا. فلبنان بلد صغير وليس بحاجة لهذا العدد من الجامعات الجديدة، ويجب الاهتمام بالمحافظة على المستوى العلمي والثقافي والاكاديمي الذي تميز به لبنان على مر السنين.

ختاما، أكَّد الدكتور بو نصار على أهمية الاستقرار الامني والسياسي كونها العنصر الاهم لتحقيق نمو اقتصادي وخلق فرص عمل للشباب اللبناني، وتمنى ان تكون الفترة المُقبلة أفضل على لبنان وشبابه الخريجين الذين هم مستقبل لبنان الواعد.