بعد سبع سنوات: بري ينعي 8 و14 آذار كما فعل جنبلاط  سنة 2009

عندما اتخذ رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط  قراره الجريء، والمفاجىء بالخروج من فريق 14 آذار والتموضع في الوسطية، وذلك في إجتماع الجمعية العامة للحزب التقدمي الإشتراكي التي عقدت آنذاك في فندق البوريفاج في الثاني من آب 2009، علق رئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى طريقته على تلك الخطوة التي كانت مفاجأة للحلفاء قبل الخصوم بالقول: “قلت لكم أنّ وليد جنبلاط لايمكن أن يضيع البوصلة، هذا هو جنبلاط الذي يعرف كيف يحدد مواقفه بالزمان والمكان”.

اليوم وبعد إنقضاء ست سنوات وثمانية أشهر بالكمال والتمام، ذهب الرئيس بري في موقفه من الحلة الآذارية التي انبثقت في أعقاب جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أبعد ما ذهب اليه صديقه النائب جنبلاط الى الإعلان في مؤتره الصحافي الذي عقده مؤخراً في السادس والعشرين من نيسان الجاري الذي يصادف تاريخ انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005، وقد يكون هذا التوقيت لا علاقة له بالماضي لا من قريب ولا من بعيد.

المهم برأي الرئيس بري  أنّ فريقي 8 و14 آذار أصبحا جسدين محنطين والتحنيط في علم الفراعنة هو إقرار بالموت مع المحافظة على الشكل. وهذا يعني أنّ الفريقين الآذاريين هما اليوم  في عداد الأموات، ربما من اللحظة التي خرج منها وليد جنبلاط من 14 آذار.

وقد تكون الظروف المحيطة برئيس المجلس مختلفة تماماً عن ظروف النائب جنبلاط ولذلك تأخر في الكشف عن ورقة النعي الى هذا التاريخ. والمهم في الأمر أنّ بري وجنبلاط أدركا قبل غيرهما استحالة المضي بتحالفات لا تشبههما لا من حيث الشعارات، ولا من حيث الممارسة.

ولا بدّ من التذكير بأنّ  الفتنة المذهبية التي أطلت برأسها على لبنان  في ربيع 2008 كادت أن تحوله الى بركان من الدمار والدماء لولا من حكمة المخلصين لهذا البلد ومن بينهما بري وجنبلاط.

ومنذ تسوية الدوحة وانتخاب الرئيس ميشال سليمان حتي انتهاء ولايته في 25 أيار 2014، لم ينتج عن فرقي 8 و14 آذار سوى المزيد من التأزم السياسي الخطير، في ظل ظروف صعبة ومعقدة تمر بها المنطقة العربية، ما زال خطرها محدقاً على لبنان، وما زالت تداعياتها تنذر بمخاطر كثيرة اذا لم تتظافر جهود المخلصين في تطويق ذيولها والقضاء عليها في مهدها قبل فوات الأوان.

أما الأسباب التي دفعت برئيس المجلس الى مثل هذا الموقف فكثيرة ومتشعبة، وفي مقدمها تعطيل الإستحقاق الرئاسي من الفريق المفترض به أن يكون من أول المتحمسين له والمطالبين بإنجازه، أي الجانب المسيحي بجناحيه 8 و14 آذار التي لا يترك مناسبة إلا ويدعي فيها الحرس على حقوق المسيحيين وعدم السماح بالتفريط بها ما عدا رئاسة الجمهورية لأنّ كل قطب ماروني من الأقطاب الأقوياء يعتبر نفسه مشروع رئيس جمهورية ولا يريد أن يتنازل لغيره. فذهب بعضهم الى تحالفات ثنائية جمدت كل مفاعيل الإتصالات القائمة لحلحلة هذه العقدة. وأما بشأن انعقاد المجلس لتشريع الضرورة، فتعلو الصرخات دفاعاً عن الميثاقية ومخالفة الدستور، ناهيك عن الخلاف القائم حول قانون الإنتخاب، فالكل يريد قانوناً مفصلاً على قياسه وممنوع على غيره الإستفادة منه.

هذه الأمور مجتمعة من  الأسباب التي أدّت الى هذا المأزق الذي لا خروج منه في المدى المنظور هي التي أعيت رئيس المجلس كما أعيت غيره من القيادات المخلصة في هذا البلد ودفعته الى القول ما قاله عن 8 و14 آذار ووصفهما بالجسد المحنط.

لعل رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يتشابه مع النائب جنبلاط في أمور كثيرة، هو الآخر لم يضيع البوصلة، لأنه منذ تسلمه مقاليد الرئاسة الثانية في هرمية الدولة اللبنانية، يمتاز بالحكمة، ورجحان العقل، وطول الإناة وعدم الإنزلاق الى المستويات الدنيوية الرخيصة. فهو من بين القلة القليلة التي لم تصب بعدوى الغرور والتعصب، والتسلط، والتطيف، والتمذهب، التي أصيب بها غيره من السياسيين، ولم يعد بوسعهم الخروج من الشرنقة التي تشرنقوا بها، فأضحوا أسرى لمواقفهم المغلقة.

وعلى الرغم من حنكتة وقدرته على تدوير الزوايا، والعمل على احتواء كل التناقضات القائمة بلباقة، وكياسة، وفراسة، قلما اجتمعت بغيره من السياسيين، فمع ذلك وجد نفسه في نهاية المطاف أمام الحالة التي أصابت النائب جنبلاط في الـ 2009. فكان لا بدّ له من الخروج منها الا بنفس الطريقة التي خرج  منها صديقه  رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي. فالزعيمان الكبياران بري وجنبلاط تمكنا في لحظة مصيرية من تاريخ هذا البلد، من تحقيق الكثير من الإنتصارات، فهل التاريخ سيعيد نفسه بعد الإعلان عن هذه النهاية  غير السعيدة لـ 8 و14 آذار؟

—————————

(*) صبحي الدبيسي