الرملية والجبل يودعان الشاعر أنور سلمان

الرملية- الأنباء

خطف الموت الشاعر أنور سلمان (١٩٣٨-٢٠١٦) بعد عقود من العطاء. بدأت إنطلاقته الشعرية الأولى بفوزه بجائزة مارون عبود للشعر في العام ١٩٥٦.
فقد شيعت بلدة الرملية -قضاء عاليه-مسقط رأس الشاعر أنور سلمان ابنها البارّ في مأتم رسمي وشعبي حاشد وسط أجواء من الحزن والألم على فقدان علم من إعلام الشعر العربي تجلّت في الكلمات التي ألقيت خلال التشييع.

بداية قدمت الإعلامية سناء ضو نبذة عن حياة الراحل، فتحدثت عن نتاجه الذي أغنى المكتبة الشعرية العربية بأجمل القصائد، وقالت إن “أنور سلمان كان يعتبر أن الشعر خارج الوزن والتفعيلة ليس شعرا”.

كما لفتت أن “غنى شعره بالموسيقى جعله أيضا شاعرا غنائياً بامتياز (لم يكن الراحل يحبذ هذا التوصيف) سيما أن الإذاعة اللبنانية في عصرها الذهبي صنفته شاعرا من الدرجة الأولى”.

لحنت قصائده وغناها مطربون مشهورون منهم السيدة ماجدة الرومي علما ان قصائده المغناة نالت جوائز عديدة وأبرزها جائزة اجمل أغنية عربية في مهرجان قرطاج عام ١٩٩٤ وجائزة اجمل أغنية عربية في مهرجان القاهرة عام ١٩٩٧.

وتطرقت ضو إلى عمل الشاعر سلمان في الصحافة، حيث شغل منصب مدير التحرير لمجلة مشوار الفنية. كما اعتبرت أن “الشاعر أنور سلمان لا يشبه أحدا، وحده الجمال يشبهه، أما التأثر فأمر بديهي وأما التميز والبصمة الخاصة، فهذا هو الإبداع!”

وفي تقديمها لصديق عمر أنور سلمان الوزير السابق إدمون رزق، قالت: “إدمون رزق أرزة من أرز لبنان أديب، شاعر سياسي، برلماني عريق، وفوق هذا لغوي ساحر يدرك أسرار اللغة، فهي عنده سماء ثامنة يحلق فيها نسرا لا ينكسر”.

بدوره قال الوزير رزق: “لا مؤبناً جئت ولا مودعاً، إلى الرملية التي أعتز بأصالتها وقد خبرت معدنها في أنور سلمان أحد رفاق العمر، رفاق الكلمة، رفاق الوطنية والإنسانية”.

وفي حديثه عن منمنمات قصائد الشاعر الراحل التي جاد بها، قال: “عندما رجوت منه أن يعيد الثقة بلبنان بعد المِحنة المأساة عام ١٩٩٠، أعطانا منمنمات قصائد لحنها وجدي شيا عبرت عن موقف لبناني في مواجهة الفرقة والتدمير. وأستذكر هذه المنمنمة من انامل أنور:
من قمر الاحزان
من نار ودخان
لملمتك من جرح أحمر
ورسمتك باللون الأخضر
فوق بياض الثلج فكان
إسمك رمزك مجدك يا لبنان

وختم رزق قائلا: “نحن لا نؤمن بأن هناك قوة في العالم وإن دكّت القلاع والحصون تستطيع أن تهدم بيتاً واحداً من الشعر. أنور في القلب باقٍ والرملية والجبل ولبنان يتمجدون بأمثال أنور سلمان”.

ثم كانت كلمة الشاعر الأمير طارق آلِ ناصر الدين بإسم إتحاد الكتاب اللبنانيين: “كلفني جمع من الأصدقاء وأخوة في إتحاد الكتاب اللبنانيين أن أرثيك نيابة عنهم يا صديقي أنور سلمان ورغم ما في هذا التكليف من تشريف، شعرت أني أغضبك قليلا، فلطالما قلت لي: بقدر ما أحب في الشعر الغناء لا أحب الرثاء!
لم ينتظرك جوزيف حرب كثيرا، فليس من تقاليده ولا من تقاليدك أن يطول موعد اللقاء”.

أضاف: “من سوء حظك يا صديقي أنور أنك من أصحاب المواهب ولست من طلاب المناصب أو من أتباع المذاهب ولو كنت من هؤلاء لزحفت القطعان إلى ضريحك تذرف الدموع الغبية ولفرضوا الحداد حتى على الشاحنات القاتلة، ولكنك شاعر موهوب وحرّ وشفاف. قدرك أن تعيش مظلوما وترحل مقتولا. لو كنت حاكماً أو خادماً لحاكم لنكسوا يوم رحيلك الاعلام ولكن سلطان شعر وصانع كلام، فمن حقك الآن أن تنام دون أن تؤذي اسماعك طبول السلطة ودون أن يلطخ صدرك وسام”.

وقال: “حبيبي أنور .. في لغة الحب والشعر لا تستحب كلمة الوداع، فالشعراء العشاق لا يرحلون! إذا إلى اللقاء يا صديقي، إلى اللقاء”.

ثم كانت كلمة لممثل وزير الثقافة روني عريجي ألقاها الشاعر نعيم تلحوق وجاء فيها:
“هل اعابوك يا أبا ربيع لأنك مارست فضيلة التوحيد عقيدة، فكنت كما أنت لا تخرج سيئة منك، كنت تشهد بإله واحد لكنك لم تصدق اي نبي دجّال. كم كنّا نتعارك بمكتبي في وزارة الثقافة حول القصيدة العاموديّة والقصيدة الحرة ونحتكم للشعر، فكنا نذهب إلى وجهات معرفية في الأدب والفكر حول منظومة القيم التي تحكم الأجيال فنتفق أخيراً على كما أن لكل زمان دولة ورجال، فإن للقصيدة أنغام وآيات، أفكار وجهات، فنخرج معا من التسويات إلى الشعر وحده”.

أضاف: “لقد إتفقنا أن المدح والهجاء والفخر أنماط تقليدية، فجلّ الأمر أن نزيل الأدب عن السياسة، فاجتمعنا معا على أن الشاعر الفنان بمقدوره أن يصنع ألف سياسي وليس بمقدور ألف سياسي أن يصنعوا شاعراً أو رساماً أو موسيقياً واحداً”.

بعدها ألقى الشاعر إياد أبو علي كلمة الرملية فقال: “ساعة كلفت بقول كلمة الرملية وتحسست ثقلا على كتفي، خدراً بأناملي ويدي، تحسس قلمي همّ كيف لي أن أقول فيك كلاما ثميناً وانت سيد الكلام الرصين الجميل الثمين. كيف لحرفي أن يصف حرفك؟ من أين آتي بسهل كسهلك، وجداول كجداولك! يا مبدعاً كان من ضيعتي ومنها انطلق الى العرب أمة البلاغة والفصاحة!”
وقال: “أنور سلمان سئلت ذات يوم متى ستشيد في الرملية لك بيتاً؟
أجبت شعراً في خاتمته مسك تقول:
تلك الربوع الخضر من موطني
تمشي على جفني لياليها
أن لم أعمر فوقها منزلاً
قلوب صحبي منزلي فيها”.

وأردف: “أيها الشاعر المرهف، علمت أبناءك، فكانوا أكفاء نجباء، يفخر بهم الوطن والإنسان. ربيع مترجم لعدة لغات وأظنه اليوم حائرا يبحث عن مترجم لمشاعر فقدك وصداقتك وابوتك، ويسار إبنك البارع المبدع في مجال الاتصالات، هو في حيرة، كيف يتواصل مع الحزن وغيابك الطويل المرير .. ونشأت ابنك المهندس المميز يسأل عن إتفاق على اللقاء، كيف جاء ولم تلاقه عند الباب باللهفة الحارّة والترحاب..”

وختم الشاعر بقصيدة رثاء قال فيها:
“مقطع من القصيدة التي ألقيتها اليوم في تأبين الشاعر المرحوم الأستاذ أنور سلمان.

رمليّةُ ” الشّعرِ كي تُهدي لكَ العبق”

أزرارُها انفتحَتْ وزّالُها شهَقا

قالت لنيسانَ: “نيسانَ الهوى هوَ

أنورٌ سيأتي بِنعشٍ فافرُشِ الطُّرقا

فيئًا وضوءًا وأزرارًا لأغنيةٍ

واجعل بيوتي كأبياتٍ لهُ ألقا

لا تَبكِهِ تُبكِهِ مَن قالَ فارَقَني
في كلِّ صَوبٍ أرى مِن روحِهِ رَمَقا

من صوتِهِ عسلًا من عطرِهِ غزلًا

من لطفِهِ حُللًا من شِعرِه أفُقا

كم كان يتعبُ كي تحلو قصائدُهُ

مُطوِّعًا مُرهِقَيهِ الحِبرَ والورقا

الموت يسبقُ كلَّ النّاسِ يأخذُهُمْ

إلّا مَعَ الشُّعَرا لا يربحُ السَّبقا

أمامَ نعشِك يمشي الحرفُ مُنتَحِبًا

وَضَيْعةُ الآهِ فَتّتْ فوقَهُ حَبَقا”

وفي الختام، كانت كلمة مؤثرة لإبن شقيقة الراحل السيد أكرم سلمان جاء فيها: ” ما عساي أقول في وداع الخال والصديق الصدوق أنور واصدق الكلام عن الاحبة يبقى حبيس الفؤاد. أجل، فأنور سلمان قلم وقلب. قلمه أبدع كمّاً من النتاج الأدبي اعتبره النقاد من اللآلىء النادرة التي رصعت تاج مملكة الشعر العربي الحديث. أما القلب: فآه وألف آه ،قمقم عطر ينضح محبة وعاطفة قلّ نظيرهما”.
أضاف: “أنور سلمان كان قوي الاعتزاز بالرملية ضيعته الجميلة، أحبها وتغنى بها، مُسقِطاً شعره عليها كالندى في العشيات ،وها هي اليوم تبادله المحبة وتكفنه بترابها. أرقد أيها الغالي بسلام إلى جانب ابنك الحبيب إيهاب. فأنت حيٌّ بذكراك فينا وفي بلدتك التي لن تنساك أبدا”.

وأخيرا تقدم باسمه واسم زوجة الفقيد واولاده ربيع، يسار ونشأت بالشكر لكل من واساهم في مصابهم الجلل،طالباً للجميع طول البقاء.

من ناحية أخرى، أبرق وزير الثقافة ريمون عريجي معزيا بوفاة الشاعر أنور نايف سلمان واعتبر أن برحيله يفقد لبنان قامة أدبية شامخة أثرت الساحة الثقافية اللبنانية بإبداعات رائدة ستضل تدلل على عطاءاته المتميزة في مجال الشعر. وأن أعمال الشاعر أنور سلمان ستبقى خالدة في ذاكرة الثقافة اللبنانية.

كما تقبلت العائلة التعازي في دار الطائفة الدرزية في بيروت التي أمتها شخصيات سياسية ودينية وإجتماعية.