إطلاق جائزة هاني فحص للحوار والتعددية في جامعة القديس يوسف

أقامت أكاديمية “هاني فحص للحوار والسلام” وكرسي اليونيسكو لدراسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القديس يوسف في بيروت وكرسي اليونيسكو في جامعة الكوفة ودار العلم – الإمام الخوئي، احتفالا في معهد الدراسات الإسلامية – المسيحية في كلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف، أطلقت خلاله جائزة “هاني فحص للحوار والتعددية”، كما وقعت الأطراف المشاركة اتفاقية تعاون في ما بينها.

حضر الاحتفال ممثل الرئيس سعد الحريري عضو كتلة “المستقبل” النائب عمار حوري، الوزير السابق ناظم الخوري، النائب السابق سمير فرنجية، ممثل مؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية التابعة للحزب “الديمقراطي المسيحي” بيتر ريميله، رئيس جامعة القديس يوسف البروفسور سليم دكاش، رئيس كرسي اليونيسكو لدراسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار البروفسور أنطوان مسرة، عمداء ومديرو كليات في جامعة القديس يوسف، إضافة إلى حشد من الأكاديميين والناشطين السياسيين والمدنيين والصحافيين والمثقفين والطلاب وعائلة الراحل السيد هاني فحص.

مسرة

بداية النشيد الوطني، ثم تحدث مسرة الذي استذكر صديقه الراحل العلامة هاني فحص، فقال: “أريد دائما الإصغاء إلى هاني فحص. كلمته محملة بالصدق والمحبة، مجسدة، نابعة من الخبرة، من المعاناة، ومن القلب تجاه سجال أيديولوجي سائد ومعلب”.

أضاف: “إنه رجل إيمان في زمن تعبئة ايديولوجية، ورجل مبدأ في زمن حيث القواعد البديهية في الحياة العامة تلوثت مع مساحيق تجميلية، رجل الشجاعة في زمن الانتهازية والتموضع والمسافة الواحدة تجاه التناقضات. كنت أدرك أحيانا إلى أي مدى نفسه حزينة بدون لجوئه إلى سجال عقيم أو اتهام الغير أو تصوير نفسه كضحية، لأن عمق إيمانه المعاش لا يأتلف مع أي مسلك عدائي. هاني فحص رجل الحوار الحق بدون مراوغة وبإدراك نير ورؤية وجرأة. إنه يعطي معنى وأبعادا للتفاعل الثقافي. في زمن استنسابية موحشة وأيديولوجيات مستترة بالدين وتجار هيكل يقتحمون كل الهياكل. هاني فحص متجذر في لبنانيته وعروبته وإسلامه وشيعيته… في إنسانية عالمية. هاني فحص الملتزم في الإيمان والحياة العامة لم يصمت طيلة ثلاثة أجيال على الأقل، مسؤولون عرب في مراتب دينية عليا اعتمدوا الصمت أو تواطأوا بفعل المصلحة أو الخوف أو الكسل تجاه إسلام لم يعد مسلما. غادر هاني فحص بفعل المرض وأيضا بفعل حزن عميق أكثر وطأة وربما إدراكا منه أنه وحيد بين مواطنيه وأقرانه”.

ورأى مسرة أنه “من خلال شخصيات مثل هاني فحص، يمكن أن نرسي السلم الأهلي الثابت في لبنان، هذا السلم الثابت الذي كان منبع إنشاء المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم وعمل العديد من المؤسسات في لبنان والمنطقة، التي تؤسس في سبيل الإدارة الديمقراطية للتنوع في لبنان والمجتمعات العربية”، معتبرا أن “ما نعيشه اليوم من مخاطر تعصب من أزمنة غابرة وما نعيشه من تدهور وانحطاط قيمي هو نتيجة سلوكيات رمادية ملتبسة خائنة للحق والعدل”، مستشهدا بقول الكاتب الفرنسي أنطوان دي سان أكزوبري عن هؤلاء الرماديين: “إني أتقيؤهم وأعيدهم إلى أجوائهم الضبابية، تعالوا إلي حين اكتمال بنيتكم”.

وختم قائلا: “في زمن البناء وإعادة البناء، وفي توجهات أصيلة وعالمية عن الإسلام والأديان والعلاقات بينها، والعلاقات الإسلامية – المسيحية في لبنان والعالم العربي، تراث هاني فحص منبع إلهام ونموذج ومثال وطريقة استعمال يومية”.

الخوئي

ثم ألقى الأمين العام لـ”مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية” عضو “المجلس العراقي لحوار الأديان” الدكتور جواد الخوئي كلمة استهلها بالقول:
“يسعدني ويشرفني باسم كرسي اليونيسكو للحوار بين الأديان في جامعة الكوفة ودار العلم الإمام الخوئي في النجف الأشرف، أن أكون بينكم في جلسة وفاء وتقدير وتكريم وتخليد لرمز من رموز الإنسانية المعطاء”.

ورأى أن هاني فحص “لم يكن لبنانيا ولا عراقيا أيضا، بل عربي مفتخر بهويته. لم يمثل الشيعة بل السنة كذلك، لم يهتم بالمسلمين حصرا بل بالمؤمنين جميعا، لم يكن إسلاميا بل كان مسلما عقلانيا معتزا بانتمائه. حضوره يمثل روح الأديان السمحاء، مشروعه إنساني لجميع البشر، كان يحب الحياة ويريدها للجميع متصالحا مع نفسه أولا ومن ثم مع الآخر، ليس ضد الاختلاف لكن يؤكد المشتركات، يحترم المختلف كما هو بما هو، لم يكن تبشيريا ولا داعية لدين أو مذهب. هاني فحص لم يرد من الحوار الخوض في المسائل اللاهوتية العقيدية بل اهتمامه بالعيش المشترك والكريم للجميع على أساس المواطنة والدولة المدنية العادلة وترسيخ فصل الدين عن الدولة”. خاتما: “كم نحن بحاجة إلى الحكيم هاني فحص في مثل هذه الأيام التي تمر بها منطقتنا بوضع مؤسف لا نحسد عليه”.

فحص

بعدها، ألقى نجل العلامة الراحل السيد هاني فحص، الصحافي مصطفى فحص كلمته، فقال: “ذات صباح لا يختلف عن غيره من صباحات بيروت المفتوحة على البحر وما وراءه وعلى الجبل وما خلفه، مثل تائها المفتوحة، التي وسعت مع مرور الأيام وعبور الأمم والغزاة والفاتحين حتى أكسبتها ميزة استيعاب الأضداد وجعلتها مسكن التعدد وخيمة الحوار وملجأ الآخر، الذي قدم ليسكنها فسكنته. ذات صباح كان أنطوان قربان يحاول استعارة علامات الرفع والنصب والجر لضبط نص شديد البلاغة والأصالة كأنه يحاول بذلك أن يخرج الفكرة من انكسارها ويرتقي بخيالاتها إلى حال الحقيقة. صديقي الدكتور قربان ها هي الفكرة التي تداولناها ذات صباح أصبحت حقيقة بعد أن أودعناها في عهدة المعماري العتيق، الذي بناها لبنة لبنة طيلة خمسة شهور ليضعها أمامنا مشروعا إنسانيا لأجيال سلب منها سلاطين هذا البلد اللغة وحروفها والفكرة وحقيقتها والحياة وأملها والمعرفة بالآخر كجزء من تكويننا وثقافتنا المشتركة”.

أضاف: “حول الدكتور أنطوان مسرة الفكرة إلى واقع ومأسسها وجعلها مسؤولية كل منا، الفكرة التي هي ما لهاني فحص في كل منا. وكانت جامعة القديس يوسف محط رحالنا، لأنها منذ تأسيسها ساهمت في صنع مثال لبناني وعربي حريص على فكرة إقامة الدولة وحماية الحريات وتنوع الثقافات وفضح الفساد والزبائنية السياسية والدينية. فكان لها من اسمها نصيب، من اسم يوسف القديس، الأب الأرضي حارس العِفَة الذي إئتمنه الآب السماوي على حماية الكلمة منذ البدء. وجامعة القديس يوسف حارسة العِفَة في هذا الزمن الرديء التي أثبتت أن الثراء الحقيقي هو الإنسان المتعلِم المتنوِر المثقف”.

وعن هاني فحص قال: “من الكوفة، حيث بيت جده علي بن أبي طالب، مدرسته الأولى التي تجلت فيها مواهبه في الشعر والأدب والسياسة والدين كمنطلق إلى الإيمان بالآخر لا إلغائه، فيها وَلَد من اقتران الحروف لغة سمحاء فاستحقَ لقب السماحة. كان الكل حين تضيع الجماعة في تشتتها والمنفرد حين تتعصب لواحدها والفرد الواحد إذا تحولت الجماعة إلى قطيع، كان رفيق درب الحق يؤنس وحشة العابرين الذين خرجوا من ظلام العصبية والحزبية والقبلية إلى مساحة الوطن المنفتح المؤمن بتعدد الهويات وتركيباتها”.

وختم: “هذا هاني فحص أكاديمية في رجل، مؤسسة على اسمه، بعد أن كانت رغبته إنشاء مشروع أكاديمية تربي الأجيال على الحوار والتعددية والسلام، وهذه الجائزة خطوة نحو تحويل ما تركه من إرث إلى مشروع علمي وإسهام في إعادة تعريفنا ببعضنا البعض ومشتركاتنا، عل الأجيال القادمة تستطيع أن تحمي بإرثه مستقبلها المحاط بكثير من الاستبداد والإرهاب والرفض والقمع والهجرة”.

دكاش

من جهته، رحب الاب دكاش بالحضور، وتوقف على صفات العلامة فحص فوصفه بأنه “وجه كريم وفكر نير وعباءة أمينة، وذكرى حلوة ومريرة في آن معا”.

وقال: “نحن هنا لا من أجل جائزة هاني فحص، التي سوف تمنح من قبل أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام، بل من أجل السيد هاني فحص، الجائزة التي نالها الوطن اللبناني والعربي، الذي بكلمته الواضحة الهادرة، أجاز التطرق إلى الكثير من الموضوعات التي كان من العسير التطرق إليها، كما أجاز للكثير من المريدين والتلامذة أن يحملوا أفكاره في الحوار والتواصل والسلام والمصالحة والتصالح إلى البعيد البعيد، فتستمر الشهادة ويكثر الشهود في أكثر من مكان وعلى أكثر من منبر”. مضيفا: “نحن نحتاج اليوم إلى السيد هاني فحص وأمثاله في الفكر الديني، لتحرير الدين من سجون العصبيات والوحوليات والزبائنية”.

وتابع: “ولا ننسى أن السيد هاني فحص كان من أهل هذه الجامعة (جامعة القديس يوسف) وفي أصلها كجامعة تلاق وحوار، كجامعة قاعدة لحوار الهويات والانتماءات، فالحوار الإسلامي المسيحي موجود في تراثها منذ ما يزيد على قرن. كما كان السيد فحص من جامعة الكوفة ولا يزال يدور في حناياها ومكتباتها، ليستمد فكره من رائحة الأوراق الماضية ومن تأملات السادة العلماء الأقوياء بمحبتهم”.

ثم ترك المجال بعدها لمداخلات الحاضرين، فتحدث كل من: حوري وفرنجية وقربان والأمير حارس شهاب ورئيس الحركة الثقافية في إنطلياس الدكتور أنطوان سيف.
ثم، قدم فرنجية دروعا تقديرية باسم “أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام” لكل من: الخوئي ومسرة ودكاش.

وفي الختام، تم توقيع بروتوكول الجائزة واتفاقية التعاون من قبل الجهات المتعاونة، المتمثلة بكل من: بادية فحص عن أكاديمية “هاني فحص للحوار والسلام”، البروفسور أنطوان مسرة عن كرسي اليونيسكو في جامعة القديس يوسف، الدكتور حسن ناظم عن كرسي اليونيسكو في جامعة الكوفة، البروفسور سليم دكاش عن جامعة القديس يوسف والدكتور جواد الخوئي عن دار العلم الإمام الخوئي.

الجائزة
تنص بنود “جائزة هاني فحص للحوار والتعددية” على الشروع بمنح الجائزة ابتداء من هذا العام الدراسي، وهي جائزة سنوية أو كل سنتين، تمنحها الأكاديمية للطالبة أو الطالب المستحق، في كل من الجامعتين المشاركتين ودار العلم، في سبيل متابعة إرث الراحل السيد هاني فحص، في مؤلفاته وأعماله في المجالات التالية: الفكر الديني، التعددية والحوار، وذلك من خلال عمل بحثي أو رسالة جامعية أو أطروحة أو كتاب أو انتاج فني أو عمل ميداني في قلب المجتمع. كما نصت اتفاقية الجائزة على منحها لمن تقدم بطلب المشاركة أو بناء على استقصاء تقوم به لجنة الجائزة بين الباحثين والفاعلين في الحياة العامة.