مصلحة المجتمع هي أعلى من مصلحة الأحزاب

منير بركات

إن مصلحة المجتمع هي اعلى من مصلحة كل حزب فيه، وإن الأحزاب وسيلة لتحقيق اهداف معينة وليست غاية قائمة بذاتها، لأن الحزب يصبح مشروعا بقدر تجاوبه مع حاجات التطور الأجتماعي وتبنيه لمشروع تغييري يشكل رافعة لتحقيق طموحات شعبه.

إن أخطر ما يواجهه حزب ما هو تفويت فرصة تجديده، هذا يعني وضعه امام فرصة واحدة هي الموت، وفرص التجديد لا تكون كثيرة وإذا ضاعت لا تعوض، لذلك فإن الوقوف ضد تجديد حزب ما حينما تتطلب الحياة ذلك، ومهما تكن النوايا طيبة هو دفع لهذا الحزب نحو الموت.

إن المحطات المضيئة في تاريخ بعض الأحزاب لا يشرع تأبيدها، بل يحتم عليها آعادة النظر في فكرها وسياستها وتنظيمها وأسمها والاستفادة من حركة الجماهير والمتغيرات في مزاجها الطامح للتغيير وتصويبه وتعميقه.

إلا أننا لا نريد أن نغفل الأحزاب التي تسلمت السلطة في العالم العربي وكيف مارست الظلم والاضطهاد بحق شعوبها وبحق حلفائها، وكيف مارست القمع على الحزب نفسه باسم السلطة المركزية والحلقات الضيقة والبيروقراطية التي غيبت حتى دور الحزب الحاكم نفسه ما حال دون إمكانية تحقيق الجوانب الإيجابية من برنامجه السياسي.

01

إن تجربة الأحزاب العربية في السلطة وخارجها تتطلب دراسات عميقة لإستخلاص العبر، إلا أن هذه القراءة تسوقنا إلى الاستنتاج بأن أكبر وأسلم حزب هو الذي يقدم نفسه ليس معلما، بل تلميذا في حركة الجماهير العملية التي تنشد التغيير.

لقد وضعت الاحزاب الشيوعية العربية منذ نشأتها على طريق التطرف وتجاهل الظروف المحلية الموضوعية والإنطلاق دائما من صورة موجودة في الأذهان لمجتمع اشتراكي على النمط السوفياتي، وهذا ما شكل اساسا لاغترابها عن مجتمعاتها، ويالرغم من محاولات الاصلاح من البعض، إلا ان ارتماء احزابهم الوليدة في احضان “المركز” اطاح بمحاولة وضع الأمور في نصابها، ولتصبح فروعا لمركز اممي تفكر بلغته واسلوبه لا بلغة شعبها واسلوبه وتنفذ ما تريده، لا بل كان “المركز” يتدخل في ادق شؤونها الداخلية.

إن الانهيار المدوي للأتحاد السوفياتي بسبب مكامن الخلل التي شابت هذه التجربة، لا سيما في ما يتعلق بمسألتي التعددية والديموقراطية، دفع بالأزمة إلى نقطة الأنفجار ليضع الأحزاب أمام تساؤلات جدية حول مستقبل أحزابهم.

الاتحاد السوفياتي1

إن ما جرى يستدعي إعادة النظر في بنية الأحزاب الشيوعية، واليسارية، والتقدمية، والقومية، والاسلامية في تناول عمق الأزمة، من أجل التوقف عند اساسيات الفكر وجذور الحركة السياسية والتخلص من اعباء سلبيات بعض ألأرث وتبعاته.

إن معظم الأحزاب تسلم بالتغيير والتجديد، والقيمين عليها، تفكر وتمارس وتصوغ بذهنية الماضي وهو بوضع انحداري التي تقوم على اساس صناعة السلطة الحزبية المغلقة بتركيبة تحاول من خلالها التجديد لرموزها مع خطوات تجميلية بخطوات مؤتمرية بعيدة عن جوهر التجديد، والتغيير، ومغادرة الغربة كحقيقة مجتمعية تعانيها الكثير  من الأحزاب، بالرغم من أصرارها على إعلان البقاء، بينما هي خارج البقاء الفعلي، وتعيش في الواقع على هامش الحياة السياسية.

إن تجنب انهيار الحزب الذي يعقد مؤتمره الحالي مرهونا بالتمكن من خروجه تماما من  جلده القديم وتحطيم الأسوار التي تقيده تنظيميا وفكريا وهي التي انجبته، فلا التجميل ولا الترميم ولا التصحيح من داخل الأنتماء ذاته والجسد ذاته سوف ينقذه من أزمته.

خطوات التجميل المقنعة لا تلمع صورة الحزب لا سيما ظاهرها في التحالفات التي تشكل معيارا في التخلي عن المسألة الوطنية، والموقف من نظام بشار الأسد الذي يشكل طعنا للشعب السوري وثورته، بحجج تغلف بمواجهة الإرهاب دون الفصل بينه وبين القوى التغييرية الشريفة وكل ذلك خدمة للنظام السوري المتهاوي والارتهان لحليفه الايراني.

صحيح بأن مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني أطاح ببعض الصقور والمتزمتين وعلى رأسهم الأمين العام، وجاء ببعض الشباب لا سيما مجموعة من الحراك المدني، لكن المقاييس في التجديد ليست بالأشخاص فقط بل بالنهج وباعادة النظر في الاسلوب والخط السياسي والتحالفات، وعدم استبدال الجمود بحراك ملتبس يخدم الجوهر نفسه الذي تحملت مسؤوليته القيادة السابقة، ولكي لا نطلق الاحكام مسبقا، اننا ننتظر خطوات من القيادة المنتخبة خاصة الامين العام الجديد الذي يتمتع بعمق نقابي، وبتجربة سياسية، وتنظيمية، أن يظهر دوراً جديداً ومختلفا ويخرج من قيود الثقافة والإسقاطات المعلبة بحيوية تثيرها المراجعة النقدية والخطوات الاصلاحية الملموسة.

—————————————————

(*) رئيس الحركة اليسارية اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم منير بركات

طلّة راقية في ذكرى مولده

لن يتمكنوا من تغيير هوية الجبل ووجهه

التحذير الفرنسي للبنان شبيه بتحذير السفير الفرنسي قبيل اجتياح 1982!؟

مفهوم الدولة وشروط تكوينها 

مكامن الخلل في تجزئة الحرية؟

أهل التوحيد والتاريخ المجيد… غادروا الماضي واصنعوا المستقبل !؟

الألفية التاريخية للموحّدين الدروز

تحفّزوا بالقامات الكبيرة يا حديثي النعمة!؟

بعيداً من التبسيط.. البلد على حافة الهاوية!؟

العقوبات غير المسبوقة تصيب مقتلاً في النظام الإيراني

الموحّدون الدروز: المخاوف من إطاحة الوطن

مبادرة “التقدمي”: خطوة متقدمة لحماية الحريات العامة

على الرئيس المنشود ممارسة القمع لكي يكون مرشح الناخب الأول!؟

تلازم الفاشية مع الطائفية ومأزق الحكم

أين المصير الواحد والبلد الواحد واللغة الواحدة من كل هذا؟

المطلوب وقفة موحدة ضد النظام!

الشعوب ضحية الأطماع الدولية والأسد فقد دوره الأقليمي

بلورة المشروع الوطني المعارض

رسالة الى رئيس الجمهورية

الاطاحة بالطائف يعيدكم الى حجمكم!؟