كيف يقارب التقدمي الإنتخابات البلدية؟

بقلم هادي أبو الحسن

يعيش لبنان هذه الأسابيع حركة ديمقراطية لافتة تُعبّر عن حالة العطش لدى اللبنانيين الذين افتقدوا مطولاً لممارسة حقهم الديمقراطي لاختيار ممثليهم. فحق الإقتراع هو من أهم الأسس الديمقراطية، ولا شك أن الشعب قد دفع مطولاً ثمن التعطيل المستمر بتشريعات الضرورة التي تفرض نفسها حرصاً على منع الفراغ الشامل بما تبقى من مؤسسات في الدولة التي تسيّر شؤونها اليوم على جمر النار الإقليمية التي تعطل الإستحقاقات من حينٍ لآخر.

الديمقراطية السليمة:

وفي حين ينطلق البعض من سياسة المناكفات بإدارة هذا الملف، نفرح نحن بهذا المشهد الذي يجمع اللبنانيين على هدفٍ واحد رغم تباين توجهاتهم واختلافهم على التفاصيل. فنحن ننظر لهذا المشهد بفخر لكوننا نعتز باندفاع المواطن اللبناني للمشاركة بهذا الإستحقاق الذي نرى فيه أملاً بوصول النخبة إلى المجالس البلدية والإختيارية فوق كل الإعتبارات الضيقة التي ما اعتدنا الوقوف عندها، وذلك لأننا نضع كل المواجهات واللوائح المتقابلة في باب الديمقراطية السليمة التي يجب أن تسود المجتمع اللبناني انطلاقاً من كون الإنتخابات البلدية والإختيارية صورة مصغرة عن ادارة شؤون الناس والبلدات، بإيجابياتها التي نأمل أن تنسحب على المجتمع اللبناني ككل تحت شعار الإنماء أهم من الأشخاص.

التوافق والإنفتاح سعينا الدائم:

وفي حين يضعنا البعض تحت مجهر الرقابة ويحاول النيل من جهودنا كحزب سعياً لتمرير هذا الإستحقاق بأقل قدر من المواجهات وبنتائج تأتي بالأفضل بين الشخصيات الفاعلة المحبة للعمل، نؤكد على أننا نقارب هذا الملف من باب خدماتي صرف، وليس من باب النفوذ. وبأننا لا نتعاطى معه بحساباتٍ طائفية ولا مذهبية ولا حزبية صرفة، بل نسعى للتوافق وتعميق التواصل انطلاقاً من المصالحة التاريخية في الجبل التي أرساها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط مع غبطة البطريرك الكاردينال مار نصرالله صفير، وعلى قاعدة انفتاحنا الدائم على كل الأطراف. ولا شك أن المراقبين عن قرب يعرفون مدى حرصنا على سد الفجوات وتذليل العقبات، مع الإشارة إلى أننا نرى في اللوائح المتقابلة منافسةً ديمقراطية بين أبناء البلدة الواحدة لا مواجهة، ولا منكافة حزبية ولا كيدية، وهذا الأمر ينسحب حكما على إدارتنا للملف حتى في بيتنا الداخلي باللوائح المتنافسة بعيداً عن الاصطفافات السياسية أو الحزبية، ولا شك أن هذا الواقع ينطبق على جميع الأحزاب والقوى السياسية التي تجد نفسها ملزمة بمقاربته باحترام الأعراف والتقاليد والإعتبارات العائلية.

إدارة الملف: الإنماء أولاً

وعليه، لا بد من قطع الشك باليقين بتأكيدنا على أن الحزب التقدمي الاشتراكي يؤمن أولاً بأن محطة الانتخابات البلدية هي إستحقاق دستوري يجب ان يتم احترامه وان يجري بموعده، مع الإشارة إلى أن إحترام الاستحقاقات الدستورية كان ولا يزال مطلباً ثابتاً في مواقفنا. فعلى الرغم من دقة وحساسية الانتخابات البلدية، فإننا كحزب نتعامل مع هذا الملف على أسس ومبادىء كان قد حددها رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط، وهي تقوم بالدرجة الأولى على أسس الإنفتاح والشراكة والحفاظ على الأعراف والتوافق.

ثانياً: لا بد من التأكيد ان مفهومنا لهذا الاستحقاق ينطلق من رؤية إنمائية خدماتية بالدرجة الأولى، ودورنا كحزب هو الضامن لتحقيق العناوين السالفة الذكر

ثالثاً: نعمل لتسهيل عملية الإنماء ولتوفير أفضل الشروط للمواطنين بعيداً عن الاعتبارات السياسية، ونؤكد ان مقاربتنا لمجريات هذا الاستحقاق تقوم على أساس الانفتاح والشراكة مع كل المكونات المذهبية والسياسية بما يعطي الحقوق للجميع كلٍّ وفق حجمه وخصوصيته، وعلى قاعدة العبور من خلال هذا الاستحقاق الى مجالس بلدية منسجمة بالحد المقبول كي تستطيع العمل من دون معوقات، وهذا يدفعنا الى انتاج معادلات توازي بين الاعراف وحرية الناخب وضمان أفضل تمثيل اذا أمكن.

رابعاً: لا شك ان إدارة عملية الإنتخابات البلدية معقدة الى حدٍ ما، وتحتاج الى جهد وحرص وصبر، وإلى العمل بدقة وعناية تأخذ بعين الاعتبار تلك الأسس والمعايير، في ظل تداخل الحسابات الطائفية والمذهبية أحياناً والعائلية والجببية في أغلب الأحيان، ناهيك عن المصالح الخاصة. ومن هنا يبرز دورنا كحزب حاضن لمجتمعنا وناظم للعلاقات السياسية والاجتماعية بين كل مكوناته.

خامساً: يعمل الجهاز التفيذي للحزب بالعناوين المذكورة أعلاه والتي شدد عليها رئيس الحزب، لأن الأهم من وجهة نظرنا، هو الخروج من هذا الاستحقاق بمجالس بلدية وإختيارية تتمتع بالكفاءة والعمل المباشر والشفافية، ونحرص على أن تُبنى برامج عمل تلك المجالس على النزاهة والخدمة العامة من دون التفرقة او التمييز بين الناس وفق انتماءاتهم، وان تخرج القرى والبلدات من هذا الإستحقاق الهام بأقل ضرر ممكن في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والعائلات والقوى الفاعلة.

في النهاية، نأمل أن تكون القرى والبلدات والخدمات العامة هي الرابحة على حساب الوجاهات والمصالح الضيقة، لأن من يعمل وفق هذه العناوين بعيداً عن النتائج العددية والحسابات الصغيرة التي لن تفيد المواطن بشيء هو الأجدى بإدارة شؤون الناس الذين نتفاعل معهم ونحيي اندفاعهم بهذا العرس الديمقراطي، آملين ان يفتح هذا الاستحقاق الطريق للعبور الى الاستحقاقات الدستورية الأخرى بدءاً من رئاسة الجمهورية ثم الانتخابات النيابية لتستعيد الدولة اللبنانية عافيتها بمؤسسات دستورية فاعلة تعمل لخدمة المواطن بالدرجة الأولى.

———————————–

(*) مفوض الشؤون الداخلية في الحزب التقدمي الإشتراكي