“الثورة القضائية” الآن!
رامي الريس
18 أبريل 2016
سنة 1979، وفي خضم الحرب الأهلية اللبنانية وإشتعال الجبهات العسكرية ورسم خطوط التماس، كتب المفكر العربي حليم بركات تقييماً عن النظام السياسي اللبناني معتبراً أنه بقدر مرونة هذا النظام في مجال الفوضى وتشجيع المبادرة الفردية، بقدر صلابته في مقاومة الإصلاح السياسي، لتداول السلطة ولتمثيل القوى الصاعدة.
فالمرونة في “تمرير” المصالح الإقتصادية والمالية تتلازم بالضرورة مع نظام صارم لحمايتها والحفاظ على ديمومتها. ولا ينقص هذا التداخل سوى تطوير نظام الإمتيازات الطائفية والمذهبية الذي يبقى عنصراً أساسياً مكوناً للمجتمع السياسي اللبناني، فيصبح ثمة حسابات للطوائف والمذاهب مع هذه الإدارة العامة أو تلك المؤسسة الحكومية، حتى أن مجرد نقل موظف من مكان إلى آخر يصبح بمثابة المساس بكرامة الطائفة وحقوقها وموقعها، وكأن مستقبلها ومستقبل وجودها يصبح برمته على المحك!
فالولاءات الطائفية والمذهبية لا تكتفي بكونها تحافظ على ذاتها وتعيد إنتاج مكوناتها وفقاً للظروف والمتغيرات، بل إنها تتحول إلى مصادر أساسية للتضامن الإجتماعي. فتتصاعد مشاعر “الأخوة” التي لا تعد كونها موجات متنامية من “الغرائزية السياسية” الكفيلة بالإطاحة بكل ضرورات التحليل العقلي والمنطقي المرتكز إلى المساواة بين البشر بمعزل عن إنتماءاتهم المذهبية أو الطائفية.
في لبنان اليوم، طغت على السطح العشرات من الملفات المرتبطة بالفساد والإفساد الذي كتب عنه كمال جنبلاط في كتابه “حقيقة الثورة اللبنانية” (الدار التقدمية، 1987): “منذ أن وجد لبنان الحديث، أي بشكلٍ خاص منذ أن تكونت إدارة في نظام 1896، وقام له مجلس للإدارة وأوضاع بلدية في القرى والأحياء معروفة، كانت ولا تزال قضية الفساد وضرورة القضاء عليه وإجراء بعض الإصلاحات الأساسية في الجهاز العام، محوراً للسياسة اللبنانية المتطورة (…)”.
القضاء اللبناني اليوم أمام الإمتحان الفعلي وهو ينظر في عدد كبير من الملفات الحساسة: الإتجار بالبشر وشبكات الدعارة والإنترنت غير الشرعي، وسواها من القضايا الكبرى التي يتطلع الرأي العام اللبناني لأن يفصل فيها القضاء بحزم وشفافية بعد أن تم “تصحيح”، إذا جاز التعبير، ذاك الحكم الجائر والمريب بحق ميشال سماحة.
واضحٌ أن “الدولة” بأجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، تستطيع أن تحقق منجزات نوعية عندما تحزم أمرها وتتخذ القرارات التي تصب في المصلحة الوطنية العليا، وهذا ما حدث في العديد من الملفات منها حملة سلامة الغذاء التي توجت بإصدار قانون في المجلس النيابي يحّول العمل في هذا المجال إلى إنتاج مؤسساتي منظم غير مرتبط بأهواء هذا الوزير أو ذاك. كما أن هناك أمثلة أخرى مشابهة لا بد من تطويرها وإستكمالها.
ولكن، غنيٌ عن القول، أن خطوات إصلاحية كهذه تتطلب قرارات جريئة وحازمة لا تراعي مصلحة هذه الفئة أو تلك، وهذا الحزب أو ذاك.
“الثورة القضائية” مطلوبة الآن، قبل فوات الأوان، لأنها المدخل الحقيقي للإصلاح العام، وإلا سقط الهيكل فوق رؤوس اللبنانيين جميعاً!
———————————
(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة
Facebook: Rami Rayess II
Twitter: @RamiRayess