الاستحقاق البلدي والمركزية واللامركزية..
فيصل مرعي
16 أبريل 2016
يُطل علينا الاستحقاق البلدي، حاملاً في طّياته الامل المنشود، تغييراً لسيماء هذا الواقع الأليم، مبشِّراً ببزوغ فجر جديد، وغدٍ سعيد، متمنين ان يكون استحقاقاً واعداً، شالحاً ثوب القِدم، لابساً حلَّة تليق بلبنان الرسالة، والتنوع، والديمقراطية الصحيحة. هذا الاستحقاق، استحقاق وطني، وسياسي، وتنموي بامتياز. وعلى هذا، نتطلَّع الى التوافق، والشراكة، حفاظاً على هذا النسيج الاجتماعي كي لا ينكسر لبنان، فتنكسر الديمقراطية فيه، وان كان يشوبها التعصّب حيناً، والتمذهب حيناً آخر، وبسبب كذلك هذه الطائفية المشوَّهة التي حملت في مضامينها اعرافاً وقوانين منذ عهود “الرجل المريض”، فكان ان ترهّلت المؤسسات، واهترأت ، وهي في المهد، فتحللت الدولة بكل مقوماتها.. ومنها البلديات المؤسسات الأم، وباعدت في معظم الاحيان بين الشعب، ومن ثمّ ضربت اللامركزية الادارية في العمق، ما جعل البلد بمقوماته ومكوناته ساحة للصراع، لا للتوافق. كل ذلك لجوءاً للطبقة الحاكمة في كل شاردة وواردة، فكما للدولة كيانها المعنوي والرمزي، كذلك للبلدية، باعتبار انها صورة مصغرّة عن الدولة، وما زاد الدولة سوءاً وانهياراً، هو هذا الجنوح نحو المركزية الادارية، بحيث ان المسؤولين والقيمين على البلاد، همهم الاول والاخير الهيمنة على كل مفاصل الدولة ومقوماتها، عودة اليهم في كل صغيرة وكبيرة.
فاليوم، المطلوب نفض الغبار الاليم عن وجه الدولة، لتكون دولة بكل معنى الكلمة. إن المشكلة الاساسية، هي في رغبة معظم اهل السياسة القبض عل كل البنى الفوقية، من دساتير ومؤسسات تمسكاً بمرجعية القرار. والمؤسف حقاً، ان بعض الذين وُلوا المناصب في الدولة، كانوا من قبل المتنفذين، والذين لهم اليد الطولى في ذلك. والمؤسف اكثر فأكثر ان بعض رؤساء البلديات الذين اعتلوا مواقع الرئاسة، ينظرون تارة الى الناس من علو، بكل ما يحملونه من عقد واضطرابات نفسية، وطوراً بعدم المامهم بالقوانين والاعراف، ما جعلهم تابعين للمسؤولين، ولذوي النفوذ، فراحوا يأتمرون بأمرهم.. علماً ان البلدية لها ملء الارادة في التقرير والتنفيذ، وبعيداً عن الوصاية دون التعريج اليهم، والانحناء امامهم، باعتبار ان البلدية هي كيان مستقل بنفسه، ولكن ضعفاء النفوس من بعض رؤساء البلديات، فور اعتلائهم سدة المسؤولية سرعان ما يلوذون اليهم في كل صغيرة وكبيرة، غير مدركين ان البلدية هي سلطة محلية لا تقل شأناً عن سائر المناصب، بل ربما اكثر ثقلاً ونجاحاً. لذا، يجب تدريب اعضاء المجلس البلدي لمعرفة حدود صلاحياتهم، ومدى المهام المسندة اليهم.
فأياً يكن هؤلاء الاعضاء في المجلس البلدي يشكلون في الواقع الشخصية الكيانية، فإما ان يكون النجاح حليفهم او الفشل. اما بالنسبة للاستقلالية الادارية المالية، فمن حق البلدية التصرف مالياً وادارياً دون تدخل المسؤولين والسياسيين بقراراتها، سواء لجهة ميزانيتها، ام لجهة النفقات والواردات. وعلى هذا، يجب اقامة مشاريع محلية: مصانع، مؤسسات، منتجعات، استداراراً للمال. ونحن في هذا المجال لا نقول: بعدم التمويل والدعم الحكومي.
وللتذكير نشير الى انه لا اصلاح ادراياً في المدى المنظور، لأن ذلك يتطلب رؤى سياسية، وادارية، وتنموية، ترافقاً مع عملية سياسية نموذجية وفي مقدمها، ايجاد قانون انتخابي يرضي طموحات وتطلعات الشعب كل الشعب.
باختصار، نحن بحاجة الى دولة قوية، يحق فيها للمواطن المحاسبة، والمراقبة والمساءلة.
ونتيجة لذلك، على مكونات كل بلدة ان تتدبر امرها، بعيداً عن تدخلات المتنفذين والتقليديين، تقريراً لمصيرهم.. بروح من التوافق والشراكة، والحوار، والانفتاح، انجاحاً للعملية التنموية، حفاظاً على هذا النسيج الاجتماعي وجمعاً للشمل، ووحدة الصف والكلمة.